مزيد من الهيمنة.. أسماء الأسد تفتتح مركزاً للتحكم باقتصاد حلب القديمة

عبدالله الموسى

أعلنت “الأمانة السورية للتنمية” التي تديرها أسماء الأسد زوجة رئيس النظام بشار الأسد، إطلاق مشروع “منارة حلب القديمة” بعد انتهاء أعمال ترميم مدرسة سيف الدولة الحمداني في حي الفرافرة ليكون مقراً للمشروع الذي سيكون بمنزلة مركز تنسيق يزيد الهيمنة الاقتصادية لأسماء من بوابة “الخدمات والأنشطة المتنوعة الحكومية والأهلية”.
وقالت منظمة “الأمانة السورية للتنمية” في منشور على حسابها في فيس بوك إنها وقعت اليوم “اتفاقية تعاون مع محافظة حلب ممثلة بالمحافظ حسين دياب، تتضمن تأسيس وإطلاق منارة حلب القديمة لتكون مركزاً حيوياً يقدم الخدمات والأنشطة المتنوعة الحكومية والأهلية التي تخص المدينة القديمة”.
وأشارت المنظمة إلى أن “المنارة المجتمعية الثقافية الاقتصادية” ستوظف طاقات وإمكانيات حلب القديمة للنهوض بأسواقها، وسيعمل المشروع على “إشراك الإدارات المحلية بقضايا تعتبر محورية بالنسبة للمجتمع المحلي في منهجية عمل موحدة أساسها التنمية”.
وبحسب المنشور، سيركز مشروع “المنارة” على التنمية الاقتصادية “عبر تشجيع العودة للاستثمار في الأسواق القديمة وتقديم الاستشارات الاقتصادية والقانونية الميسرة للجميع، وتوفير فرص العمل ومنتجات التمويل”.
وقال محافظ حلب في تصريح صحفي عقب التوقيع: ستكون منارة المدينة القديمة مركزاً مجتمعياً واقتصادياً مهماً، ولتقديم الخدمات المجتمعية والحكومية، وكل التسهيلات والاستشارات اللازمة لشاغلي المدينة القديمة.
وتتحكم مؤسسة أسماء الأسد بمشاريع المساعدات الإنسانية والتعافي المبكر، وغيرها من المشاريع التنموية الممولة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي و”الدول الحليفة”، لتكون المظلة الأمثل للهيمنة الاقتصادية لأسماء الأسد والتي تصاعد نفوذها بعد خسارة رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد المعركة أمام أسماء، واعتكف في أحد قصوره في اللاذقية، وبات عبرة لغيره من حيتان الاقتصاد السوري التقليديين، لينصاعوا لاتفاقيات مجحفة مع “وردة الصحراء”.
هذه المظلة للنفوذ الاقتصادي يشوبها خليط من العلاقات غير المباشرة مع المجتمعات المحلية، حيث تحاول “الأمانة السورية للتنمية” صبغ نشاطاتها ومشاريعها بـ “التنمية المجتمعية والثقافية والحفاظ على الهوية”.
والجدير بالذكر أن مدرسة سيف الدولة التي كانت منزلاً لأحد الولاة العثمانيين في حلب، تعرضت لقصف جوي ومدفعي من قبل قوات النظام إبان سيطرة فصائل الجيش الحر على القسم الشرقي من مدينة حلب وأجزاء واسعة من حلب القديمة، ما تسبب بدمار واسع فيها.
مشروع “منارة حلب القديمة” يعيد الأذهان إلى ما كشفه موقع تلفزيون سوريا مطلع العام الجاري عندما استولت أسماء الأسد على “التكية السليمانية” في العاصمة دمشق، وأجبرت شيوخ الكار والحرفيين العاملين في السوق لأكثر من 15 عاماً على الإغلاق، لتستبدل بهم متاجر فاخرة.
حينها أنذرت وزارة السياحة مستأجري “التكية السليمانية” لإخلاء محالهم وإغلاقها بشكل نهائي قبل بداية العام 2023 بغرض ترميم التكية التي من المفترض أن ترعى شؤون ترميمها ومستأجريها وزارة الأوقاف لا وزارة السياحة باعتبارها وقفاً إسلامياً، إلا أن التحقيق في خلفيات الحدث ينتهي عند أسماء الأسد التي هيمنت على المكان باسم منظمتها الشهيرة.
أحد الحرفيين ممن أُخرِجَ من محله في نهاية سنة 2020 عندما أنذرت “وزارة السياحة” بعض المستأجرين لديها من المحال الـ 100 في التكية بإخلاء محالهم ورفضوا أن يجددوا لهم عقودهم، كشف لموقع تلفزيون سوريا أنه صدم بعد أشهر عندما شاهد المحال المخلاة تم تأجيرها إلى مجموعة من المقربين من السلطة بينهن زوجات وبنات ضباط في جيش النظام السوري.
اللافت حينها أن السيدات لم يكنّ على معرفة أو إلمام بالحرف السورية والأعمال اليدوية التقليدية، وحولن المحال إلى بازارات لبيع الصناديق الخشبية والنحاسيات المصنعة في ورشات يعمل بها حرفيون من الغوطة. والمثير للسخرية أن بعض هؤلاء النسوة قمن بتوظيف الحرفيين المطرودين قسراً من السوق كبائعين في محالهنَّ، وهكذا تحول مستثمر المحل الأصلي والحرفي إلى مجرد موظف مبيعات؛ كون أهل السوق والمترددين عليه يألفون وجوههم. استغلال واضح لحاجة الحرفيين المالية والعاطفية في البقاء بالمكان الذي آلفوه لفترات طويلة من حياتهم.
قبل أن يشن النظام السوري حربه على شعبه، كان السائح يمر في أسواق حلب القديمة ويشاهد محالَّ تجارية صغيرة، ولا يعلم أن أصحاب هذه المحال يمثلون كبار التجار في العاصمة الاقتصادية، وأن هذه الأسواق هي عصب الاقتصاد الحلبي.
بدأ النظام منتصف عام 2021 بالترويج لعودة الألق إلى بعض القطاعات الاقتصادية في حلب وذلك مع الانتهاء من عمليات الترميم التي استهدفت عدداً من أسواق المدينة القديمة المدمرة، والتي أقام لها احتفالية خاصة تحت عنوان “ليالي المدينة”.
وكما كل مشاريع التعافي الممولة من دول أو منظمات دولية، حاول النظام تبني أعمال الترميم التي نفذت النسبة العظمى منها “مؤسسة الآغا خان”، وهنا لا بد من التنبيه إلى أن جميع مشاريع الترميم الخيرية التي نفذتها “مؤسسة الآغا خان” كانت “الأمانة السورية للتنمية” شريكاً فيها، وهذا أكبر مثال على نمط عمل منظمة أسماء الأسد في قطف ثمار الآخرين وبيعها في أسواق تعيد تشكيلها من جديد بما يخدم أهداف أسماء الاقتصادية.
مع استمرار التدهور الاقتصادي في سوريا وعجز النظام عن ترقيع التمزقات الواسعة وارتفاع معدلات الفقر إلى مستويات مخيفة، تواصل أسماء الأسد تنفيذ مخططاتها للتحكم بالاقتصاد السوري، وبلغت حداً أن يكون ذلك على حساب عائلة زوجها وطائفته التي لاحظنا في الشهر الأخير أصواتاً غير مسبوقة منها، تحمّل بشار مسؤولية هذا الانهيار وتدعو لانتفاضة يراها فئة من المحسوبين على مؤيدي النظام التقليديين أنها دعوة محقة ووطنية، في حين يراها المعارضون دعوة لإعادة تقاسم “غنائم الحرب”.

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى