هذه الرواية الاولى التي أقرأها لشهلا العجيلي الكاتبة السورية، وهي روايتها الثانية لها كما هو واضح من تعريف الرواية على غلافها، ووصلت الى القائمة القصيرة لجائزة الرواية العربية .2016. وأود أن أؤكد بداية أننا امام موهبة روائية متميزة تفرض حضورها على القارئ من البدايات. فالرواية مكتوبة على شكل تنويعات مختلفة في أسلوب السرد، فتارة تحضر التواريخ المحددة، وتارة ننتقل بمتابعة الشخصيات حيث هم وحيث وجدوا في كل اقطار الارض، تارة نحن نتابع تاريخ، وأخرى توغل في العالم النفسي لأبطال الرواية. صحيح أن المتحدث واحد وهي جمان بطلة الرواية لكنها كالساحرة وعملائها الجن، وهي العالمة بكل شيء. رواية ممتعة وتمس حقيقة الوجود الإنساني الشخصي بكل دقة وعمق ومصداقية.
سماء قريبة من بيتنا رواية تبدأ من لحظة عادية في طائرة عائده من بلد ما الى مدينة عمان في الاردن، تلتقي جمان الشخصية الرئيسية في الرواية مع ناصر في الطائرة ويتفاعلون انسانيا ككل البشر الذين يلتقون؛ بارتياب اولا، ثم تقبل، ثم تفاعل، ثم قد يرتبطون ببعضهم ارتباط أقدار؛ كما حصل مع جمان وناصر.
جمان الفتاة الحلبية النشأة، من مدينة الرقة بأصولها الإقطاعية، والتي عاشت في حلب مع عائلتها، ذاكرتها ممتلئة، الحي وسكانه وتاريخه وعلاقاته. تعود بذاكرتها لجدها الإقطاعي في الرقة، كيف كون ثروته ونمّى أرضه ووسعها، ومعاناته من الإصلاح الزراعي الذي حصل في خمسينيات القرن الماضي أيام الوحدة المصرية السورية. تتذكر جدتها وأولادها؛ الكبير الذي هاجر الى العراق وانقطعت أخباره بسبب الصراع بين حكم البعث السوري والعراقي، وستلتقي بابن عمها ذاك في طائرة كان ربانها. ابوها الابن الأصغر الذي يكبر يسافر لامريكا ليدرس كمهندس يختص في ترميم الجسور والقصور، الذي يكتسب شهرة ومصداقية وسيعود مجددا الى الرقة يحاول ان يمارس ما تعلمه في بلده، لكنه يمنع من أن ينجح في عمله، فهو ابن اقطاعي وليس بعثي، ستكون جمان واحدة من ثلاث فتيات أولاد سهيل المهندس العائد من أمريكا لينفّذ أحلاما مستحيلة.
ستكبر جمان وتختص في علم الإنسان (الأنثروبولوجيا). تستمع لمن جاورها في الطائرة، انه ناصر ذو الأصل الفلسطيني العائد الى عمان للمشاركة في جنازة والدته المتوفاة بالأمس، سترتبط جمان مع ناصر في لحظة وجدانية حميميّة بمواساته لفقدان والدته، التي سيتبين أنها من حلب وانهم كعائلة جمان كانوا يسكنوا ذات الحي وعاشوا به طفولتهم وذاكرتهم مشتركة. سيعيدون سرد المشتركات بينهما ويكتشفان انهما قريبين جدا من بعضهم. ناصر الفلسطيني الأصل جده كان قد طرد من فلسطين. عاش ككل الفلسطينيين في كل البلاد أنهم يشكلون نسيجا مجتمعيا في كل مكان. ناصر تخصص في أمريكا ويعمل الآن في الخليج. اللحظة الحاضرة لا تغيب عن جمان فهي السورية المهجرة من الرقة التي تسيطر عليها الآن داعش (الدولة الاسلامية في العراق والشام)، لا يزال والدها وأخواتها هناك، وهي في الأردن تعمل مع منظمة دولية تهتم بشؤون اللاجئين، جمان ترفض ما حصل في سوريا، تتكلم عن إرهابيين وجماعات مسلحة تتصارع مع النظام، وترفض تسليم السلطة في سوريا لمدينتها الرقة الى الارهابيين. ترفض ان تجد نفسها فجأة لاجئة، وتعتقد أن ما حصل غير صحيح وغير مبرر وهي ضده. لا تقترب لعمق ما حصل في سوريا، ويبقى السؤال مطروحا: لماذا صمتت عن أن تقول رأيها في الربيع السوري رغم انه الحدث الأهم في السنين الأخيرة…؟!!… تستمر جمان في تقصي حياة المحيطين بها.
ستذهب كباحثة الى مخيم الزعتري وتتعرف بالمباشر على حياة الناس هناك، ستكتشف أنهم متكيفين بشكل ما مع كارثتهم، ويعيشون حياتهم رغم كل شيء، ولا يعرفون من يحملونه مسؤولية ما يحصل معهم…؟!! جمان ستصاب بضيق التنفس وتتابع حالتها الصحية وستكتشف أنها مصابة بسرطان وأنها تحتاج لعلاج مديد، ستلجأ لناصر الذي وطدت علاقتها معه واحبا بعضهما، هي التي لم تتزوج للان، وهو المطلق والذي يربي اولاده ويعيش حياته كرجل معطاء وحنون واصيل. زار عمان أكثر من مرة والتقى بها. ناصر الذي سيأتي لمتابعة حالتها وسينقل عمله للأردن ويهتم بها كما لو كان اهلها او زوجها، لقد أحبها وكان لها الملجأ الاخير. اهل جمان في الرقة وعاجزين عن فعل اي شيء الا بعض الدعم المادي وبعض الاتصال الغير متوفر دوما. ستتابع جمان علاج مرضها وتطوره وبالتفاصيل. سندخل عميقا بمتابعة مرضها ومتابعة نفسية جمان حتى تشفى. سنتعرف على طبيبها الذي كان في يوم ما صديق طفولتها. الفلسطيني الآخر الذي كان والده قد ضاع عن اهله ايام اللجوء وكيف وجد من يتبناه، يكبر ويتزوج وينجب ابنه هذا، يموت الاب وهو صغير ليصبح وحيد امه، وليكون طبيبا مختصا بالأورام السرطانية لتكون جمان مريضته. جمان ستتعرف على الكثيرين من مرضى الطبيب، بما فيهم مريضته التي ستصبح حبيبته ذات الأصل الفلسطيني وامها الفيتنامية. ستدخل جمان عوالم كل هؤلاء، كل شخصية تتعرف عليها جمان تغوص عميقا في تتبع مسار حياتها؛ أن الأشخاص وحياتهم الذاتية هم مركز الحدث الروائي، كذلك المحيط العائلي والاجتماعي والسياسي، الذي هو مجرد إطار لهذه العوالم الغنية لهؤلاء البشر المتفردين بخصوصيتهم. هنا روعة الرواية.
ستتابع جمان أقدار أهلها؛ أختها الكبرى وزواجها ومحاولة زوجها الهجرة الى اوربا وغرقه بالبحر. أختها هذه التي عملت في سلطنة عمان وأحبها قرصانا، وكيف تركته وعادت لمتابعة مرض والدتها بالسرطان وفاتها بعد ذلك، وكيف جاء وراءها للرقة متابعا حبه لكنها كانت قد تزوجت.
اختها الاخرى التي كبرت كطفلة مدللة. وكيف تحب أحد افراد داعش؛ الشاب الإنجليزي ذي الاصل الأفغاني الذي جاء للجهاد في سوريا، ليحبها ويتزوجها، رغم رفض والدها الذي سيخطف ويطلبون فدية وتنقذه ابنته وزوجها من الاختطاف. الرقة والحياة والموت والتدمير والقصف… كله حاضر..
جمان تعيش حياتها بعد شفائها من المرض خائفة من عودة المرض لها مجددا، ستربط قدرها بالمحيطين بها، ستكتشف ان اقدار الناس مخفية في ضمير الغيب، وصديقتها حبيبة الطبيب تذهب مع أمها لزيارة جدها في فيتنام وستسقط طائرتهم ليموتوا. وناصر سيحتضن اولاده الثلاثة ويساعدهم في شق طريقهم. كما يحنو عليها تماما.
تنتهي الرواية وجمان جالسة على الرصيف أمام مركز العلاج تترقب القادمين والذاهبين المرضى والأصحاء والأموات في مفارقة عجيبة، بالأمس كانت من هؤلاء ومعهم.
.في تقويم الرواية نقول: انها تحمل في عمقها نقطة سلبية وحيدة تغطي على روعتها وهي الصمت عن الربيع السوري، عن وجع السوريين عبر عقود، عن فعل استعبادي لنظام استمر بتحويل البشر لعبيد والبلاد لمزرعته، مما دفع الناس للثورة ومواجهة نظام دعمه كل العالم، ودمر البلد وقتل الشعب وشرده، كل الموبقات وراءها هذا النظام المجرم. قد يقول البعض لعلها لاتريد ان تتحدث في الجانب العام وتترك ذلك للسياسة، لكنها تحدثت وادانت، كما أنها أوغلت في التحدث عن القضية الفلسطينية عبر شخوصها وهو شأن عام ايضا.
.هل تجهل شهلا العجيلي ما حدث ويحدث في سوريا.؟!! قطعا لا.!!.. لماذا صمتت.؟ !!.. الجواب هو الخوف من ذات النظام الذي قد ينتقم منها لو قالت ما عندها…؟
.شهلا خافت أن تكون شهيدة روايتها.؟!!. لذلك جاءت الرواية ناقصة نقصا شوهها.
المصدر: الأيام