مقدمة الترجمة
في أعقاب استيلاء الجيش في ميانمار على السلطة في انقلاب عسكري عام 2021، تحول البلد الواقع في جنوب شرق آسيا تدريجيا إلى ساحة للمنافسة بين أميركا والصين. وفي حين انحازت واشنطن إلى المعارضة، دعمت الصين النظام العسكري في ميانمار. في غضون ذلك تجد القوى الأخرى في المنطقة نفسها عالقة في هذا التنافس ومضطرة للاختيار بين طرفيه. في مقالهما المنشور في مجلة “فورين أفيرز”، يناقش كلٌّ من يِه ميو هيَن ولوكاس مايرز معضلة الصراع في ميانمار في ظل التنافس الأميركي الصيني.
نص الترجمة
منذ استحوذ الجيش الميانماري على السلطة في انقلاب عسكري مطلع العام 2021، دخلت البلاد في دوامة مميتة، إذ إن الاحتجاجات الشعبية السِّلمية التي بدأت على الحُكم العسكري سرعان ما تحوَّلت إلى معارضة مُسلحة، بالتزامن مع سقوط معظم أنحاء البلاد في أتون حرب أهلية مُتجددة. وقد تحوَّل الصراع منذئذ إلى ما يُشبه التمرُّد طويل الأمد بانضمام قوى مؤيدة للديمقراطية إلى صفوف الجماعات العِرقية المُسلحة التي تحارب السلطات المركزية منذ عقود. ورغم أن علامات الطريق المسدود أمام الطرفين تلوح في الأفق، يبدو أن النظام الحاكم والمعارضة عازمان على مواصلة القتال. وقد حاولت الدول المجاورة لميانمار أن تتوسَّط بين طرفي الصراع، لكن الوصول إلى اتفاق سلام يبدو بعيد المنال.
على مدار العامين الماضيين، حازت الأزمة في ميانمار اهتماما ضئيلا من الولايات المتحدة والصين، رغم أنها اندلعت في ذروة التوتر العالمي بين البلدين. لقد أعلنت واشنطن وشركاؤها دعم الفصيل المؤيد للديمقراطية في ميانمار، لكن الاعتبارات الجيوسياسية قيَّدت استعدادهم لاتخاذ قرار حازم ضد النظام العسكري في ميانمار. من جهتها، ورغم أن بكين تُفضِّل الديكتاتورية العسكرية في بعض جوانبها، فإنها انحازت للانتظار ومتابعة الأحداث مثلها مثل الولايات المتحدة.
بيد أن ضبط النفس الذي مارسته الولايات المتحدة والصين بدأ يتلاشى. فبعد أن بدأت بكين تنظر إلى عدد من التطوُّرات الأخيرة في ميانمار بوصفها مؤشرات على تحوُّل القوى الديمقراطية إلى مقاتلين بالوكالة لصالح واشنطن، أخذت تتحرَّك بعزم أكبر لدعم النظام العسكري. ونتيجة ذلك هي ما يُمكن أن نسميه التحوُّل إلى نمط الحرب الباردة، أي إن الحرب الأهلية الميانمارية بدأت تجتذب التدخُّل الخارجي بواسطة القوى الكُبرى التي تخشى كل واحدة منها أن يؤدي ضبط النفس إلى استفادة القوة الأخرى.
يضع هذا التحوُّل الدول الأخرى في المنطقة في مأزق، لا سيَّما دول جنوب شرق آسيا أو منظمة الآسيان. لطالما كانت واحدة من أسس المنظمة ألا تضطر إلى الاختيار بين الانحياز للولايات المتحدة أو الصين، وأن تحافظ الدول الأعضاء على علاقات جيدة مع القُطبَيْن الدوليَّيْن على السواء. بيد أن الصراع الأهلي في ميانمار وتحوُّله إلى نمط الحروب بالوكالة يعني أن الدول المجاورة ستقف وجها لوجه أمام المفاضلة التي حاولت تجنُّبها: ليس فقط اختيار إما النظام العسكري وإما المعارضة الديمقراطية، بل واختيار إما الصين وإما واشنطن.
صراع أهلي في قلب آسيا
لقد وضع انقلاب فبراير/شباط ميانمار على مسار الصراع والخراب. ولا يحظى الانقلابيون في البلاد إلا بدعم محدود بين السكان، الذين اصطف معظمهم خلف الزعيمة المُنقلَب عليها “أون سان سو تشي”. لقد هرع مئات الآلاف من سكان ميانمار إلى الشوارع في سلسلة احتجاجات سلمية، وتجمَّع عدد من أعضاء الحكومة المُنقلب عليها مع عدد من الجماعات العِرقية والأحزاب السياسية لإعلان حكومة وحدة وطنية تهدف إلى إعادة الديمقراطية. أما رد فعل الجيش فكان إطلاق العنان لموجة من العنف العنيد ضد معارضيه لم تُفرق بين فصيل وآخر.
بحلول ربيع العام 2021، بدا واضحا أن ميانمار على موعد مع تجدُّد الصراع الأهلي الذي عرفته سابقا، حيث قرر معارضو النظام حمل السلاح والمقاومة بدلا من الاستسلام. وقد وجدوا في الأقليات العِرقية التي يتجاوز عددها العشرين حليفا لهم، وهي جماعات موجودة غالبا على أطراف البلاد، وحاربت طويلا من أجل مزيد من الحكم الذاتي أو الاستقلال منذ تأسيس ميانمار عام 1948، ويمتلك بعضها علاقات اقتصادية وسياسية وثيقة بالصين.
ورغم أن النظام العسكري الغريم أفضل تسليحا وأشد بطشا، فإن الجماعات الديمقراطية والعِرقية نجحت في خلق موطئ قدم لها في العديد من المناطق الريفية، لا سيَّما بطول الحدود مع الهند والصين وتايلاند. وقد اعترف زعيم الانقلاب الجنرال “مين أونغ هلاينغ” في منتصف عام 2021 أن قواته لم تعد تسيطر على البلاد كلها، ومنذ ذلك الحين والمعارضة تحافظ على مواقعها وتحاول دخول البلدات والمُدن دون جدوى بسبب تفوُّق مدفعية النظام وقواته الجوية. وحتى اللحظة من عام 2023 يبدو الموقف مُعلقا إستراتيجيا بين الطرفين.
تايلاند واليابان والهند: لعبة التوازن المزدوج
تَشكَّل الموقف الأميركي لميانمار بعد الانقلاب بوصفه مزيجا من التوازن الحذر والبراغماتي بين القيم الديمقراطية والمصالح الفعلية للولايات المتحدة. فقد عارضت واشنطن النظام العسكري، لكنها توجَّست من إثارة قلق حلفائها وشركائها في المنطقة، الذين حافظ بعضهم على صِلاته بالنظام العسكري. والتقى مسؤولون رفيعون أميركيون قادة المعارضة الميانمارية، كما أعلنت الحكومة الأميركية عقوبات اقتصادية استهدفت كبار قادة الجيش في ميانمار. غير أن العقوبات لم تَمس أهم ما يملكه النظام العسكري، وهو شركة ميانمار للغاز والنفط التي يملكها الجيش وتُدر دخلا يفوق مليارا ونصف المليار دولار سنويا، وتمنح الجيش عملة صعبة هو في أمس الحاجة إليها. علاوة على ذلك، تجنَّبت واشنطن فرض عقوبات اقتصادية ثانوية على أولئك الذين يتاجرون مع النظام العسكري، مثل شركات الطاقة التايلاندية والشركات المالية السنغافورية.
إن هذا التحفُّظ من جانب الولايات المتحدة غالبا ما يهدف إلى تهدئة واسترضاء بلدان أخرى في المنطقة، وبالأخص تايلاند، التي تظل حكومتها مؤيدة للنظام في ميانمار وعلى علاقات اقتصادية وطيدة به، كما أن الحكومة التايلاندية القائمة نفسها أتت إلى السلطة بانقلاب عسكري عام 2014. لقد أفصح حلفاء واشنطن في منطقة الهندي-الهادي، مثل أستراليا والهند واليابان، عن قلقهم بشأن الأزمة في ميانمار، لكنهم يخشون أن يؤدي تشديد الضغط على النظام إلى تعزيز النفوذ الصيني. ونتيجة لذلك، حافظ هؤلاء على العلاقات مع النظام العسكري، بل وفي حالة الهند تحديدا قررت الحكومة توسيع نطاق الصِّلات الاقتصادية والدبلوماسية بالنظام في ميانمار، ومن ثمَّ فإن أيًّا من هؤلاء لن يمنح المعارضة الميانمارية الدعم الذي تريده.
مثلها مثل الولايات المتحدة، شعرت الصين بالتناقض حيال الفوضى في ميانمار. فقد تمتَّعت بكين بعلاقات جيدة مع حكومة “أون سان سو تشي” قبل الانقلاب عليها. ومن منظور صيني، فإن اندلاع صراع أهلي على حدود الصين مع ميانمار -التي تبلغ نحو ألفي كيلومتر- خبر سيئ للاستقرار الإقليمي ولاستثمارات الصين في البلاد، التي بلغت مليارات الدولارات تحت مظلة مشروع الحزام والطريق الصيني. من جهة أخرى، تظل الصين أحد أبرز مصادر السلاح للجيش الميانماري، لكنها لم تثق أبدا في قيادة ذلك الجيش وتعتبرها متقلبة بشكل يصعب التنبؤ به. بالإضافة إلى ذلك، دعمت الصين بعض الجماعات العِرقية المسلحة في ميانمار، وقبلت ضمنيا بتجارة السلاح السرية معها عبر الحدود بين البلدين.
لهذه الأسباب وغيرها الكثير، فضَّل قادة الصين ألا يراهنوا على طرف بعينه في أعقاب الانقلاب العسكري. ورغم أنهم لم ينددوا بالنظام العسكري صراحة أو يدعوا إلى استعادة الحُكم المدني، فإنهم فتحوا قناة خلفية للتواصل مع حكومة الوحدة الوطنية المُعارِضة وضغطوا على النظام كي لا يحِل “الرابطة الوطنية الديمقراطية”، وهو الحزب الذي تتزعمه “أون سان سو تشي”. وحين أدى القتال بين النظام وإحدى الجماعات العِرقية المسلحة إلى القصف غير المقصود لأحد البلدان الصينية الحدودية، حذَّرت الصين النظام الميانماري من أن تكرار حادثة كتلك سيفرض عليها اتخاذ “الرد اللازم”. وقد حافظ الصينيون على مسافة بينهم وبين النظام العسكري، فحين زار وزير الخارجية الصيني “وانغ إي” ميانمار في صيف عام 2022، رفض لقاء الجنرال هلاينغ، وهو موقف عُدَّ ازدراء دبلوماسيا كبيرا.
الصين تتجه نحو التصعيد
أتاحت تلك الشبكة المُعقَّدة من المصالح الأميركية والصينية في ميانمار للبلاد أن تتجنَّب السقوط في مدار التنافس الأميركي-الصيني، ولو لبعض الوقت. أما الأطراف المتصارعة على الأرض فتنظر إلى المعركة في ميانمار بوصفها جزءا من صراع عالمي بين الديمقراطية والاستبداد، وهو ما تجلَّى بوضوح في الدعم الذي أعلنته المعارضة الميانمارية لأوكرانيا، والتعاطف الذي أبداه النظام مع روسيا. لكن الوضوح نفسه لا ينطبق على واشنطن وبكين، اللتين ترى كلٌّ منهما الصراع الأهلي في ميانمار بوصفه تدريبا على التوازن وحماية المكتسبات القائمة، لا على خوض حرب بالوكالة، بل إن البلدين تعاونا في سبتمبر/أيلول 2021 لحرمان النظام العسكري من تمثيل ميانمار رسميا في الأمم المتحدة.
بيد أن الأمور سارت نحو الأسوأ طيلة العام الماضي، إذ تخلَّت بكين عن حذرها السابق، واحتوَت النظام العسكري، مدفوعة باعتقادها الآن أن الولايات المتحدة غيَّرت مسارها هي الأخرى وأخذت تدعم المعارضة الديمقراطية دعما كاملا لترسيخ نفوذها في صفوفها. وقد شكَّل تطوَّران بالتحديد نقطة التحوُّل بالنسبة للصين: قرار حكومة الوحدة الوطنية الميانمارية بفتح مكتب تمثيل لها في واشنطن العام الماضي، وصدور تشريع أميركي جديد بخصوص ميانمار. (صدر “قانون بورما” مطلع هذا العام باعتباره جزءا من “قانون اعتماد الدفاع الوطني” الأميركي، وشمل دعما أكثر صراحة لحكومة الوحدة الوطنية، واحتوى على نقاط من مشروع قانون سابق مرَّره الكونغرس عام 2022)*.
في الحقيقة، لا تنطوي الخطوتان الأميركيتان على تحوُّل جذري في السياسة الأميركية، إذ إن قانون بورما أعاد تأكيد هدف واشنطن المُعلن بالفعل بإنهاء الانقلاب العسكري وتزويد قوات المعارضة بدعم عسكري غير قتالي (اقتصر في الغالب على معدات الاتصالات). فلم ينُص القانون مثلا على دعم عسكري قتالي أو إنزال العقوبات الاقتصادية بشركة ميانمار للنفط والغاز، بل وحتى الدعم غير القتالي أتى متباطئا، إذ لا تُقارن الجهود الأميركية لدعم المعارضة في ميانمار -التي تكاد لا تُذكر- بالدعم الذي تقدمه واشنطن لأوكرانيا مثلا في حربها مع روسيا. أما فتح مكتب لحكومة الوحدة الوطنية الميانمارية في واشنطن فيهدف بالأساس إلى تنسيق جهود الضغط التي تمارسها المعارضة وتعزيز حضورها، ولا نعرف بعد ما إن كانت ستنجح بالفعل أم لا.
رغم ذلك، كان رد فعل بكين هو الوقوف بثقلها أكثر وأكثر وراء النظام العسكري، وإنهاء عامين من فك الارتباط النسبي بينها وبين النظام. ففي مايو/أيار، التقى وزير الخارجية الصيني “تشين غانغ” بالجنرال هلاينغ، وأعلن أن الصين ستساعد ميانمار في “تحقيق المصالحة وفقا لإطار دستوري وقانوني”، وهي كلمات تعني ضمنيا دعم النظام العسكري القائم. وفي مطلع هذا العام، حظر النظام بالفعل حزب “أون سان سو تشي”، وهي خطوة لم تُتَّخَذ على الأرجح إلا بموافقة بكين. ووفقا لشخصيات على صلة بالنظام الميانماري، فإن الوسطاء الصينيين حثوا المعارضة الديمقراطية على عدم الاقتراب أكثر من اللازم من الغرب.
ظهر الانحياز للنظام العسكري أيضا في أداء “دِنغ شيجون”، المبعوث الصيني الجديد إلى ميانمار، الذي أجرى عددا من الاجتماعات في الأشهر الأخيرة مع قادة النظام العسكري وممثلي الجماعات العِرقية المسلحة، وهو يحاول وفقا للتقارير أن يُبرم اتفاقات وقف إطلاق للنار بين النظام وتلك الجماعات، وهي اتفاقات -إن تحققت- ستفيد النظام وتهز المعارضة، إذ إن إبرام الجماعات العِرقية ذات الدعم الصيني لصُلح مع النظام يعني حدوث صَدع بينها وبين حلفائها من القوى الديمقراطية، التي يعتمد مقاتلوها على الجماعات العِرقية المسلحة في التدريب والرجال والعتاد (وهو عتاد يأتي أغلبه من الصين أو يُصنَّع بمكوِّنات صينية). من جهة أخرى، سيستفيد النظام العسكري بأن يُركز قتاله على جبهات أقل عددا، وقد يعيد نشر جنوده إلى النقاط الأهم بالنسبة له، وستكون النتيجة نظاما عسكريا أشد بأسا، وأكثر ثقة في فُرص البقاء، وأكثر عزما على مواصلة القتال.
مصالح الصين وضرورات أميركا
يُعيد اهتمام الصين وتفاعلها مع ميانمار إلى الأذهان صراعات الحرب الباردة في جنوب شرق آسيا، مثل صراعات كامبوديا ولاوس وفيتنام، حيث سعت الفصائل الداخلية المتناحرة آنذاك إلى اجتذاب التعاطف والدعم من القوى الكبرى المتنافسة، التي عادة ما رحَّبت ببذل الجهود لصالح فصيل أو آخر، خوفا من أن يحقق منافسها تقدما على حسابها.
ليست ميانمار اليوم استثناء من تلك القاعدة. إن التنافس بين الصين وخصومها -وعلى رأسهم الولايات المتحدة والهند- يعيد تشكيل السياسات المحلية في الكثير من بلدان منطقة الهندي-الهادي بالتزامن مع استشعار الفصائل المحلية بضرورة اختيار أحد الطرفين. فقد أمضت المالديف وسريلانكا مثلا سنوات طويلة في شد وجذب جيوسياسي بين ترجيح كفة الهند أو الصين، وفي غيرهما من بلدان جنوب آسيا وبعض بلدان جنوب شرق آسيا، بات سؤال النفوذ الصيني، واختيار قبول أو رفض الطموحات الإقليمية المتنامية للصين هو حديث الساعة السياسي. غير أن الأمر محفوف بالمخاطر في صراع مُسلَّح مثل ذلك الجاري في ميانمار، حيث يحمل انخراط الصين المتزايد في طياته مخاطر إطالة أمد معاناة سكان البلاد، وكذلك زيادة التوترات القائمة بين القوتين الكُبرييْن واشنطن وبكين.
بالنظر إلى وضع العلاقات الأميركية-الصينية، والبُعد الأيديولوجي للصراع الأهلي في ميانمار، لعله كان حتميا أن ينخرط الطرفان المتصارعان في شبكة التنافس الجيوسياسي الأوسع. بيد أن الأطراف الإقليمية لها نصيبها من اللوم على تلك النتيجة، إذ إنها نأت بنفسها عن تحمُّل المسؤولية في ملف ميانمار، ومن ثمَّ أخلت الساحة فعليا للصين. لقد أظهرت منظمة آسيان أداء هزيلا نتيجة حرصها على التوافق وعدم التدخُّل في شؤون الجوار، ولذا أظهرت عجزا واضحا عن بذل أي ضغط حقيقي على النظام العسكري. أما مبادرتها الدبلوماسية الشهيرة التي عُرفت باتفاق النقاط الخمس في عام 2021، فتبخَّرت سريعا لافتقادها آليات التطبيق. وأخيرا، فشلت جهود الدبلوماسية غير المباشرة من جانب الحكومة الإندونيسية التي تترأس الآن منظمة آسيا، في حين أبدى عدد من أعضاء آسيان حرصا على احتواء النظام العسكري داخل المنظمة، بما في ذلك تايلاند ولاوس (ويُنتظر أن تترأس الأخيرة منظمة آسيان عام 2024).
بدلا من الارتباط والحديث المستمر عن التواصل مع كل “الأطراف المعنية”، يجب على أعضاء آسيان وغيرهم من دول المنطقة أن يُقِرُّوا بالحقائق قبل أي شيء، وأولها أن الجيش الميانماري هو المُسبب المباشر والفعلي للعنف الذي لطالما ابتلع البلاد طيلة ما يقرب من 75 عاما، وثانيها أن الجيش لن يستطيع تحقيق النصر الكامل على أرض المعركة، كما أثبت فشله في ترسيخ سيطرته على المناطق الريفية، وفي هزيمة الجماعات العِرقية المسلحة، وفي قمع المقاومة الشعبية، رغم تفوُّقه في العُدة والعتاد. ولذا، يجب على منظمة آسيان أن تنحاز للخيارات الصعبة وتتخذ موقفا حاسما، فإن نجحت جهود الصين الدبلوماسية لتدعيم النظام العسكري، فلن تؤدي إلا إلى قتل الصراع وترسيخ نظام يدين بوجوده للصين وأهدافها الجيوسياسية، وهي نتيجة ستضع ضغطا أكبر على الدول في المنطقة للاصطفاف مع أحد الطرفين، الصين أو الولايات المتحدة، وهي مُعادلة لا يريد أيٌّ من دول المنظمة أن يجد نفسه مُضطرا إليها.
من جهتها، يجب أن تعي واشنطن أن ميانمار مهمة إستراتيجيا، وأن موقعها بوصفها نُقطة التقاء بين جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا يعني أن استقرارها مهم لاستقرار المنطقة الأوسع. بيد أن الحكومة الأميركية يجب ألا تنظر إلى المعركة بوصفها معركة صفرية مع الصين، التي يجعلها موقعها الجغرافي المتاخِم لميانمار ومصالحها الكُبرى هناك جزءا لا يتجزأ من أي تسوية للأزمة في البلاد.
بل على العكس، يجب أن تسعى واشنطن لتنسيق سياساتها تجاه ميانمار مع بكين لكبح أي مسار يؤدي إلى التصعيد. وينبغي للمسؤولين الأميركيين أن يحفزوا براغماتية القادة في الصين، إذ إن الطرفين لديهما مصلحة مشتركة باستقرار المنطقة، ما يعني أنهما مستفيدان فعليا في حال رحل النظام العسكري. وبما أن النظام سينظُر في أمر التسوية السلمية القائمة على التفاوض إن أيقن ألا سبيل إلى تحقيق النصر العسكري، فإن الدعم الأميركي للمعارضة لا يُهدد الصين في الحقيقة، بل قد يفيدها في الأخير. علاوة على ذلك، يجب أن تدرك الصين أن فقدان النظام العسكري لأي شعبية حقيقية يجعله شريكا محفوفا بالمخاطر على المدى البعيد.
_______________________________________
هذا التقرير مترجم عن Foreign Affairs ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.
المصدر: الجزيرة. نت