بدأت مصر التحرك مبكراً بشأن ملف خلافة الأمين العام لجامعة الدول العربية الحالي أحمد أبو الغيط تحسباً لتحركات رامية إلى “تدوير المنصب”، المتفق عرفاً على أن يكون من نصيب بلد المقر أي مصر.
وبحسب مصادر دبلوماسية عربية بالجامعة وأخرى مصرية، فإن القاهرة “بدأت اتصالات مبكرة بشأن المنصب، من دون انتظار انتهاء الولاية الثانية للأمين العام الحالي أحمد أبو الغيط، والذي سبق التجديد له في مارس/ آذار 2021″، أي أن ولايته لن تنتهي قبل قرابة العام ونصف العام.
طرح سامح شكري لخلافة أبو الغيط
وبحسب دبلوماسي مصري، فقد “جاءت تحركات القاهرة المبكرة في ظل ترتيبات المشهد بالكامل من جانب الإدارة المصرية، وهي بالأساس ترتيبات داخلية لإجراء الانتخابات الرئاسية في الربع الأول من العام المقبل، على أن يتبعها تغيير الحكومة وإسناد حقيبة الخارجية لوزير جديد خلفاً للوزير الحالي سامح شكري”.
ووفقاً للدبلوماسي نفسه، فإنّ “القاهرة بدأت بالفعل التسويق لاسم شكري، بعد رصدها تحركات من جانب بعض الدول من أجل تدوير منصب الأمين العام، ورغبتها في ترشيح أمين عام غير مصري، عقب انتهاء الولاية الثانية للأمين العام الحالي”.
وقال الدبلوماسي المصري إنه “بالطبع من حق الإدارة المصرية أن تقلق بشأن مستقبل المنصب المتعارف على أن يكون مصرياً منذ تأسيس الجامعة العربية”. وأضاف: “ربما يكون هناك سبب آخر، أو ربما يكون الأمر ضغطاً مصرياً في إطار مساومات سياسية واقتصادية بين القاهرة وأطراف من الراغبين بتدوير المنصب”.
ومنذ تأسيس الجامعة عام 1945 جاء اختيار كافة الأمناء العامين من مصر، وعندما نقل المقر إلى تونس عام 1979 في أعقاب توقيع مصر اتفاق كامب ديفيد مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، أصبح الأمين العام تونسياً (الشاذلي القليبي)، لكنه استقال بعد عودة الأمانة العامة إلى القاهرة عام 1990.
اتصالات بدول عربية
وبحسب دبلوماسي عربي بالجامعة تحدث لـ”العربي الجديد”، فإن مصر “بالفعل بدأت مخاطبة عدد من الدول الأعضاء بالجامعة من أجل الترويج لمرشحها المقبل للمنصب، وهو وزير الخارجية الحالي سامح شكري”.
وقال الدبلوماسي العربي إنه “في ظل ظرف طبيعي يخلو من رغبات لدى دول أعضاء بالجامعة في المنصب، فإنه لا يوجد خلاف على شخص الوزير المصري، خاصة أن اسمه كان مطروحاً بقوة قبيل التجديد لأبو الغيط في مارس من العام 2021، حيث إنه كان خياراً بديلاً وجاهزاً للقاهرة في حال تمسكت بعض الدول الأعضاء برفضها التجديد لأبو الغيط”.
وأوضح المصدر أنه “هذه المرة الأمر ربما يكون أكثر تعقيداً أمام مصر، في ظل رغبة قوية لدى البعض في المنصب”، كاشفاً أن القاهرة تقول إن أطرافاً أخرى “بدأت بالفعل الترويج لمرشحها للمنصب”.
وأوضح الدبلوماسي العربي أن “هناك توجهاً يتضمن ترشيح وزير خارجية عربي للمنصب”، مشيراً إلى أن “هذا التوجه ربما يكون هو السبب الرئيسي الذي دفع القاهرة للبدء المبكر في الترويج لمرشحها”.
وأشار الدبلوماسي العربي إلى أن “هناك بعض الدول العربية الأخرى التي لها رؤية بشأن تدوير المنصب وألا يكون الأمين العام مصرياً، فالسعودية على سبيل المثال لديها رؤية خاصة بطرح مرشح سعودي للمنصب”، وهو ما عبر عنه سابقاً السفير أحمد القطان، الذي عمل مندوباً لبلاده بجامعة الدول العربية”.
ولفت الدبلوماسي العربي النظر إلى أن “المنافسة أمام القاهرة لن تكون قاصرة على المملكة العربية السعودية في حال فتح الباب أمام تدوير المنصب”، قائلاً إنّ “السعودية ستكون الأقوى في المنافسة بالفعل، لكن يوجد منافسون آخرون، أولهم الجزائر، ويليها المغرب”.
المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير حسن هريدي، قال لـ”العربي الجديد”، إن “عملية اختيار الأمين العام لجامعة الدول العربية تخضع لاعتبارات يقدرها الملوك والأمراء والرؤساء العرب، من خلال التوافق على المرشح لشغل هذا المنصب. ولهذا من الصعب القول إن مصر (تحتكر) هذا المنصب”. وأضاف: “كما أن ميثاق جامعة الدول العربية لم ينص على (جنسية) الأمين العام، ومصطلح (تدوير) المنصب لم يرد ذكره في الميثاق”.
وبالنسبة للتكهنات حول نيّة السعودية الدفع بمرشحها الخاص، أو السعي لتغيير سياسات الجامعة العربية وآلية عملها، قال هريدي “إنه من السابق لأوانه الحديث عن موقفها خلال عملية الاتفاق على المرشح المقبل لمنصب أمين عام جامعة الدول العربية”.
وأشار إلى أنه “في المراحل التاريخية الماضية كان التوافق العربي حول شخص الأمين العام أمراً سهل المنال، أما الآن فمن الصعب التكهن – مبكراً – هل سيتم التوافق على مرشح مصري، أم ستكون هناك حسابات أخرى، سواء لمصر أو لقوى عربية أخرى؟”.
من جهته، قال الأكاديمي والمحلل السياسي السعودي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن العساف، إن “إثارة هذا الموضوع بين الفينة والأخرى أمر مفهوم”.
ولفت في حديث مع “العربي الجديد” إلى أن “المناصب في المنظمات الإقليمية لا يجب أن تكون حكراً على أحد بل بالتداول والانتخاب، وعلى كل دولة بمرشحها أن تقدّم ما يشفع لها وما ستضيفه إلى المنظمة، وأن يكون لها برنامج انتخابي واضح المعالم وقابل للتطبيق على أرض الواقع”.
وأضاف العساف أن “هذه الرغبة في تداول المنصب ينبغي ألا تغضب أحداً؛ فرئاسة الجامعة ليست محتكرة لدولة دون سواها، وهو الإجراء الصحي. فكل دولة تمتلك كفاءات لها الحق في قيادة المنظمة في دورة من دوراتها، وجنسية الأمين العام ليست المحدد وحدها لتقدّم وقوة الجامعة العربية، فالعملية تكاملية”، مضيفاً أن “التجديد أمر مطلوب، وخصوصاً عندما تتنوّع الخبرات بتنوّع الدول”.
ودعا العساف إلى “تطوير الجامعة العربية وتحديث أدائها، خصوصاً أنها في عقدها الثامن، ليس على مستوى الأمانة العامة فقط، بل على المستويات كافة؛ فهي أقدم من الأمم المتحدة”.
المصدر: العربي الجديد