أنا عاجز، وبمُنتهى الصَّراحة، وأرجوكُم خُذوني على قدّ عقلي (الصَّغير) عن فهم جدوى حرق المصحف في أوَّل أيَّام العيد في السُّويد..
دعونا نُناقش الأمر، ونقلِّبُهُ باختصار شديد:
أوَّلاً سأبتعدُ هُنا، حتماً، عن نظَريَّة المُؤامَرة، وسأتحاشى الشَّعبويَّة بجذريَّة تامَّة، وسأقرأ المَسألة كمَا هيَ:
* إذا قلنا إنَّ فعلَ حرق المصحف هوَ من باب (الحُرِّيَّة) و(التَّعدُّديَّة) و(الاختلاف)، أودُّ أنْ أعرفَ مردودَ هذا الفعل على المُجتمع السُّويديّ نفسِهِ، وقد كثُرَ فيهِ المُسلمون؟
* طيِّب: ليُخبرَني أحدَكُم، ومن دون انفعال، ما المَسافة المُفترَضَة بينَ فضاء (الحُرِّيَّات) وجرائم (الكراهيَّة) في هذا الفعل؟
فإذا عُدنا مثلاً، إلى الفلسفة الوُجوديَّة، نتذكَّر تماماً تلكَ الصِّلة العُضويَّة بينَ (الحُرِّيَّة) و(المَسؤوليَّة)، فهل ينطوي هذا التَّصرُّف على مسؤوليَّة وفائدة تعودُ على المُجتمع السُّويديّ نفسه قبل غيرِه؟
* هل هذا السُّلوك ينسجمُ مع ما يتشدَّقُ بهِ الكثيرون حولَ حوار الحضارات والثَّقافات وفكرة التَّسامُح (وأنا ضدّ هذهِ الفكرة جُملةً وتفصيلاً لأنَّها تنطوي مُسَبَّقاً على مواقف إدانة مُتبادَلة بين الأطراف)
* من جانب ثانِ: ما المَسافة الأخلاقيَّة والنَّقديَّة بينَ (العلمانيَّة (ناعمَةً أو صلبَةً) والاستبداد التَّقليديّ؟ يعني؛ ألا تبدو العلمانيَّة الصّلبة تحديداً استبداداً مَقلوباً في بعض حيثياتِها وقوانينِها وقسريتِها؟
* ثالثاً: قد يقولُ الكثيرون: نقد الأديان حقّ طبيعيّ لأيّ إنسان، لكنْ: هل تجدونَ أنَّ حرق المصحف يقعُ في باب نقد الأديان والتَّنوير الخلَّاق، ولنفترض هُنا جدَلاً أنَّ هذا الفعل آتٍ من زاوية إلحاديَّة، لا من موقف جوهرانيّ إقصائيّ مُتعصِّب لدين ما ضدّ دين آخَر؟
* يعني، ومن جانب جَماليّ بحت: هل هذا فعل مُتَّزِن وُجوديَّاً، وهل ينطوي على روح إنسانيَّة، وهل يُعبِّر عن موقف راقٍ، أم عن عُصاب هيستيريّ ونفي للآخَر وللاختلاف ولماهيَّة الحُرِّيَّة والتَّعدُّديَّة ذاتها؟
* أليسَ هذا السُّلوك فعلاً قبيحاً ومُراهِقاً وسطحيَّاً بما يكفي كيف نشعرَ بالسُّخف والتَّفاهة والتَّقيُّؤ إزاءَهُ؟
* أليسَ من الطَّبيعيّ أنْ نشعرَ بالهراء أمامَ انحطاط هذا الفعل حينما نتذكَّر آلام البشريَّة الآن وكوارثها وحروبها ومجاعاتها و و و..؟!! أليسَ مثل هذا السُّلوك تزييفاً للوعي وللأولويَّات على كوكبنا الحزين هذا..؟!!
* وأرجوكُم: لا أُريد أنْ يُذكِّرَني أحد بأفعال (المُسلمين) وأخطائهِم، وأنْ يعزفَ هُنا على مزمار (الإسلاموفوبيا)، فأنا لا أُدافعُ الآن لا عن الإسلام ولا عن الأديان؛ إنَّما أُدافعُ عن الحُرِّيَّة الأصيلة والعدالة والتَّعدُّديَّة وشرعة حقوق الإنسان نفسها..
المصدر: صفحة الدكتور مازن أكثم سليمان على الفيسبوك