الإضاءة الاخيرة التي صدرت بعنوان” الأصفري.. مسلسل فشل استعلائي” للأستاذ محمد سعيد سلام جاءت لتقترب أكثر فأكثر من واقع القوى المالئة والمتصدرة للفضاء السياسي و(الثوري) السوري، والتي ما انفكت تدور في حلقة مفرغة لم تقدم حتى الآن ما يصبو إليه المواطن السوري الذي دفع وحده ضريبة ثورته دماً وتدميراً وتهجيراً، وذلاً وجوعاً وخوفاً.
ولازال المواطن العادي الذي يتطلع إلى فريق سياسي ثوري حقيقي يهتدي بهديه ويجد فيه المعبر الصادق عن جوهر تطلعاته وصدق مشاعره في الحرية والتحرر والسيادة والاستقلال المبرم.
لم ينس ولن ينس هذا المواطن السنوات التي مرت منذ الاستقلال الأول وحتى اليوم أن حلم التحرر والسيادة والاستقلال الكامل لم يعرفه ولم يعيشه سوى ومضات من عمره مرت في عقد الخمسينات من القرن المنصرم، أما جميع ما تلاها لاحقاً من محطات سياسية كان كذباً ودجلاً وكوارث وهزائم متتالية ومتاجرة بمقدرات وطنه ومقدرات عيشه، وكرامته، وتنميته، ومستقبله.
وعندما أقدم هذا المواطن على تفجير ثورته وعلى العطاء والفداء والتضحية، فإنما فعل ذلك من أجل الخلاص إلى الأبد من كافة المعادلات والمفاهيم والمراهنات وحذلقات النظريات السياسية التي مورست عليه من قبل نخب استثمرت فيه سابقاً وعادت لتخذله، بل ولتخون ثورته لاحقاً، فها هو يعود ليشرب كاساً في حياته ومعاشه أكثر مرارة من كؤوس مرحلة ما قبل الثورة.
على خلفية هذه الرؤية وهذا الواقع تأتي رؤية محمد سعيد سلام الثورية التي التقطت مفاصل العطب ومواطن الخلل التاريخي الذي أصاب منطق الواقعية السياسية الذي تَمَثله جميع من تسيّد مراحل حكم ما بعد الاستقلال، وكذلك مرحلة اختطاف الثورة وتموضع قوى الثورة المضادة بأشكالها المختلفة السياسية والعسكرية والثقافية.
إن الرؤية الثورية الحقيقية تتماهى تمام التماهي مع ضمير ومصلحة وتطلعات شعبنا وحيث أن الثورة في مفهومها تعني التغيير الجذري في كل مناحي حياة المجتمع السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، فإن القطع الكامل مع كل مفاهيم وأدوات ورجالات الواقعية السياسية هو الموقف الثوري الحقيقي، وهو ما تنشده رؤية الأستاذ محمد سعيد سلام المبثوثة في إضاءاته المتتالية.
وببساطة متناهية أدرك الإنسان السوري بحسه الفطري مفاصل العلّة التي رافقت مسيرة حياته السياسية على مدى قرابة مئة عام مضت، والتي تمظهرت في انعدام الاستقلال وانعدام السيادة وانعدام الحرية في مفاصل النهج الذي سارت عليه نخب جميع المحطات السياسية السابقة، والتي تجلّت في ولاء رجالات الحكم وفي ثقافتهم المتماهية مع تمجيد الآخر واتباعه وتنفيذ كل ما يمليه عليه من نصائح ونظريات وإرشادات لم تكن جميعها إلا لتخدم مصالحه، أي مصالح الآخر أولاً، وتستتبع الوطن وتلحقه بها ثانياً.
وعلى ذلك، فإن انتصار الثورة الحقيقي وتحقيق أهداف شعبنا الذي ثار من أجلها لا يمكن أن يكون إلا من خلال القطع النهائي، وإلى الأبد مع المفاصل التي قام عليها النهج الذي ساد في مراحل ما قبل الثورة، ولازال ومع رجالات هذا النهج الذي أشرنا إليه، ولا يمكن أن تنتصر الثورة حقيقة الانتصار إلا عندما يتمكن شعبنا من تحديد ممثليه نفسه بنفسه، وتكون السلطة جميعها بيد هذا الشعب الذي يزيح إلى مزابل التاريخ معادلة التمثيل المزور والفاسد والمبهرج.
وهذا ما تسعى إليه رؤية الاضاءة الثورية لدى الاستاذ محمد سعيد سلام.