منظمات مدنية تطلق جرس إنذار لأوضاع العطشى على هامش مؤتمر بروكسل للمانحين.
على أطراف شلل الظهيرة يقف الشاب الثلاثيني ريبر برو مرافقاً لشاحنة صهريج مياه الشرب وسط الحسكة شمال شرقي سوريا بغية توزيعها على عدد من المنازل بشكل شبه دوري في أحياء مختلفة من المدينة.
لا يتقاضى برو عن توزيعه المياه في الحسكة إنما يشرف عليها ويحرص على وصولها إلى فئة من السكان وغالبيتهم من نازحي مدينة رأس العين والقرى المحيطة بها الذين لجأوا إلى المدينة عقب العملية العسكرية التركية “نبع السلام” عام 2019.
يقول برو الذي نزح هو الآخر من رأس العين قبل أربع سنوات، إن هذه الفئة هي التي تعاني الفقر والحاجة وتوزيع المياه مجاناً عليها يأتي من أجل تخفيف وطأة الظروف الصعبة التي تواجهها، خصوصاً بعد تركها منازلها عنوة.
منذ عام تقريباً ومع استفحال أزمة المياه في مدينة الحسكة، كان ريبر برو أطلق مبادرة أهلية لتوزيع المياه مجاناً على السكان، اعتمدت في أساسها على تبرعات المغتربين مساندة لذويهم في مواجهة ظروف الحرب السورية، كما أن عدداً من المساهمين المحليين يشتركون بين الفينة والأخرى لدعمهم وإيصال المياه إلى السكان العطشى.
لكن منذ العام الماضي وحتى الآن تغير الوضع بالنسبة إلى كمية التوزيع من قبل برو وزملائه، إذ يقول إن أسعار المياه تأثرت بانخفاض قيمة الليرة السورية، إذ كانوا يوزعون من 10 إلى 15 صهريجاً أسبوعياً “لكن الكمية التي كنا نوزعها العام الماضي أصبحت تقريباً النصف حالياً بسبب رفع أصحاب الصهاريج سعر المياه، وفي كل الأحوال نحن لا نستطيع تغطية حاجة جميع السكان”.
استمرار العطش
تعاني مدينة الحسكة وريفها والمخيمات القريبة منها، بما فيها مخيم الهول، شح مياه الشرب التي تعتمد على محطة علوك القريبة من مدينة رأس العين، مما دفع المنظمات الإنسانية غير الحكومية إلى التركيز على هذه الأزمة المستمرة، والتي لم تلق حتى الآن أي حلول مستدامة، ومع الوقت تحولت إلى سلاح للضغط على المنطقة بعد أن كان غائباً عن المشهد أو عامل صراع ضعيف قبل عملية “نبع السلام” التركية.
الأمم المتحدة من جهتها دعت مرات عدة إلى تحييد محطة علوك، لكن تعطيلها ما زال مستمراً، وإن كانت تعلن بين الفترة والأخرى إيصال الكهرباء إليها أو معايدتها بفرق الصيانة التابعة للهلال الأحمر السوري.
على هامش مؤتمر بروكسل للمانحين من أجل سوريا، الذي سيعقد يومي 14 و15 يونيو (حزيران) الجاري، قال المدير التنفيذي لرابطة “تآزر” للضحايا عزالدين صالح، إن أزمة المياه لا تزال متفاقمة وتشكل أحد الأسباب الرئيسة لانعدام الأمن الغذائي، وتقويض سبل العيش، والهجرة بحثاً عن الموارد، علاوة على أن شح المياه وسوء نوعيتها، خصوصاً في مخيمات النازحين العشوائية بالأجزاء الشمالية من سوريا، يتسبب في أمراض خطرة.
صراع مسلح
المدير التنفيذي لرابطة “تآزر” يرى أن التحدي الرئيس يتمثل في أن الموارد المائية السورية مقحمة بشكل كبير في النزاع المسلح الدائر بالبلاد، لافتاً الانتباه إلى أنها لا تخضع لإدارة موحدة بل تدار بحسب سياسات الجهة التي تسيطر عليها “في حين أن جميع الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية المسيطرة في البلاد متهمة بارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان المتعلقة بالمياه، والتي غالباً ما تكون كارثية على السكان”.
وبحسب صالح فإن مجتمعات في شمال شرقي سوريا منعت خلال السنوات الأخيرة من حقها في الحصول على مياه كافية ومأمونة، بشكل متعمد وتمييزي، من قبل الحكومة التركية وفصائل “الجيش الوطني السوري” التي تدعمها أنقرة.
وقال “أدت سلسلة الانقطاعات المتكررة في ضخ مياه الشرب من محطة علوك للمياه بريف رأس العين (سري كانيه)، منذ سيطرة تركيا عليها أكتوبر (تشرين الأول) 2019، إلى تفاقم معاناة أكثر من نصف مليون شخص في بلدة تل تمر ومدينة الحسكة ومخيمات الهول والعريشة وواشو كاني/ التوينة التي تضم عشرات آلاف من النازحين داخلياً، وحرمانهم من المياه الصالحة للشرب، ولا سيما خلال فترة انتشار وباء كورونا”.
وعلى رغم أنه قلما تعلق تركيا على أزمة المياه المرتبطة بمحطة علوك فإنها تتهم الإدارة الذاتية من الأكراد بقطع الكهرباء الواصلة إلى المحطة، الأمر الذي دفع بجهات أممية وإنسانية ودولية إلى الدخول في وساطات لتشغيلها.
سلاح للحرب
جانب آخر من استخدام المياه سلاحاً في الحرب منذ عملية “نبع السلام” يشير إليه المدير التنفيذي لـ”تآزر”، موضحاً أن الفصائل المدعومة من قبل تركيا شيدت في عام 2021، سدوداً على نهر الخابور الذي ينبع من مدينة رأس العين وريفها، أدت بدورها إلى توقف تدفق المياه إلى مناطق ريف الحسكة وتل تمر، حيث تسيطر قوات سوريا الديمقراطية عليها، الأمر الذي تسبب في انقطاع المياه عن المزارعين الذين حرموا من سقاية مزارعهم، خصوصاً في ريف تل تمر.
وأضاف أن احتجاز السلطات التركية مياه نهر الفرات، الذي يعتمد عليه أكثر من خمسة ملايين نسمة في سوريا كمصدر رئيس للحصول على مياه الشرب، وفق تقديرات الأمم المتحدة، فاقم من تراجع غزارة مياهه، وهذا بدوره تسبب في زيادة نسبة تلوثها بسبب مياه الصرف الصحي التي تصب فيه، والتلوث النفطي بالمناطق الغنية بآبار النفط، وفي النهاية أسهم ذلك في تفشي وباء الكوليرا، وإصابة المئات به خلال الأشهر السابقة، على حد قوله.
ونبه صالح إلى أن انخفاض مستويات المياه يشكل تهديداً لإمدادات الطاقة الكهربائية، إذ يحصل ثلاثة ملايين شخص في شمال شرقي سوريا على التيار بشكل شبه حصري من ثلاث محطات لتوليد الطاقة الكهرومائية على نهر الفرات.
وكان المسؤولون في الإدارة الذاتية قد حذروا خلال الأشهر الماضية مراراً من انخفاض واردات مياه نهر الفرات مما يؤثر في توليد الكهرباء، إذ توقف عمل سد تشرين عن توليد الكهرباء في مارس (آذار) الماضي ليعاود قرار التشغيل اعتماداً على نسبة وارد المياه من الجانب التركي للنهر.
لفت الانتباه
يشكل مؤتمر المانحين من أجل سوريا المزمع عقده في بروكسل، بعد أيام، فرصة للمنظمات غير الحكومة لإيصال صوتها وتحصيل الدعم اللازم لمساندة قضاياها ومشاريعها التي تعمل من أجلها، وهو ما شجع “تآزر” على تقديم عدد من التوصيات في حدث جانبي على هامش تجهيزات المؤتمر وركزت على تعزيز الرصد والرقابة على أرض الواقع حول الانتهاكات المتعلقة بالحق في المياه، والسعي إلى تحقيق العدالة للضحايا وضمان المشاركة الشاملة في إدارة الموارد المائية.
وتطالب المنظمة أيضاً بحق الوصول إلى المعلومات المرتبطة بالمياه، وتدابير الشفافية من خلال إشراك المجتمعات المحلية وهيئات المجتمع المدني، في المشاورات أو السياسات ذات الصلة بإدارة موارد المياه، علاوة على دعم مجموعات الضحايا ومناصرة قضيتهم وتحييد الموارد المائية من التجاذبات السياسية وانتهاء بدعم ما يعرف ببناء السلام البيئي في مجال إدارة الموارد المائية، عبر استكشاف فرص توفيق المجتمعات المتعادية للوصول إلى حلول مشتركة لمشكلات إدارة الموارد المائية، ولا سيما العابرة للحدود، على أن يكون ذلك بدعم من الأمم المتحدة أو من منظمات دولية أخرى.
المصدر: اندبندنت عربية