أنجز المخرج السوري محمد ملص (1945) العديد من الأفلام الروائية والوثائقية، بعد إنهاء دراسته في معهد السينما في موسكو عام 1974. من بين تلك الأفلام، هناك عدد يمثّل مقاربة لما يُعرف بـ”سينما المؤلف”، كـ”أحلام المدينة” (1984) و”المنام” (1988) و”الليل” (1992). إلى جانب أعماله السينمائية، أصدر ملص العديد من الكتب، وتعاون سينمائياً مع مخرجين عرب وسوريين، بالأخص المخرجين السوريين عمر أميرالاي وأسامة محمد. جعل من التعبير البصري للصورة مركز اهتماماته في الكتابة وفي السينما، جاعلاً منها حجر أساس في التعبير عن الهموم التي يعاني منها المجتمع السوري في مراحله التاريخية والمتعددة. وفي بعض الأفلام، جرّد الزمن الواقعي من واقعيته، ليتركنا مع ذاكرة حية أمام حال هذا المجتمع.
“سينما المؤلف” مصطلح مُتبنى من قبله في كل المشاريع والأفلام التي حققها أو التي يعتزم إنجازها، روائية كانت أو الوثائقية. المشروع السينمائي لديه ليس عملاً فقط، بل سبباً للحياة، سواء في ما حققه من أفلام، أو في كثير من المشاريع المعلقة، أو الأفكار التي لم يجد ملص لها إنتاجاً لتحقيقها.
أخيراً، صدر له فيلم وثائقي بدرجة عن الفنان التشكيلي يوسف عبدلكي بعنوان “أنا يوسف يا أبي” (59 دقيقة). الفيلم إنتاج ومبادرة من مدير التصوير وائل عز الدين وفريقه من العاملين معه. رسم ملص من خلاله بورتريه لهذا التشكيلي المهم، بما حققه من رسم وحفر وتشكيل. يتناول العمل حياة عبدلكي وعلاقته بالفن والسياسية، وتفاصيل مشروعه الفني بشكل عام، وما اشتغل عليه في المراحل التاريخية من حياته. وعبر عن اللحظات التي تأثر بها في وعيه، والأثر الكبير لشخصية والده ولدمشق اللتين رسمتا رؤيته ومواقفه السياسية وتجلياتها في لوحاته. يروي عبدلكي في الفيلم وكأن ذاكرته تتداعى بشكل حر أمامه. صور ملص الفيلم كاملاً في مرسم عبدلكي في حي ساروجه الدمشقي العتيق، حيث يعمل الفنان التشكيلي. هنا، حوار مع ملص حول فيلمه الأخير وتجربته.
كيف أثرت البيئة الاجتماعية والثقافية على تفكيرك؟ هل لهذه التأثيرات علاقة على انتقالك من دراسة الفلسفة إلى دراسة السينما؟ وما حدود تأثيرها في تحديد قراراتك وخياراتك اللاحقة؟
في الحقيقة، أنا ابن التجربة الحياتية التي عشتها، ومدينٌ لها بكل شيء. من حسن حظي أنها تنتمي بعمقها وأصالتها إلى الشارع الدمشقي، وليس إلى أي مكان آخر. لقد فقدتُ والدي مبكراً وأنا لم أتجاوز السابعة من العمر، وانتقلنا بعد ذلك مباشرة من القنيطرة إلى دمشق. فذاكرة الطفولة الأساسية تعود إلى تلك المرحلة التي كانت آنذاك في منتصف الخمسينيات، وحياة ذاك الشارع في تلك الفترة، حيث أعمل في أوساط ذاك الحي الدمشقي العريق، بكل تجلياته الشعبية والسياسية والاقتصادية، وبكل ما كان عليه ذاك الحي من حياة، وربما استطعت في عام 1984 أن أستعيد هذا الشارع وكل حدث سياسي كان يتألق فيه، في فيلم “أحلام المدينة”، باكورة عملي السينمائي.
كان طموحي هو التعبير عن هذه التجربة، وكانت الصورة كـ”أيقونة” الوسيلة الوحيدة المتاحة لي آنذاك. أما ما يخص دراستي للفلسفة بين عامي 1966 و1968 قبيل دراستي للسينما؛ فهذا يعود لطموحي آنذاك لأكون كاتباً، هذه “اللعنة” بقيت ترافقني حتى حين أتيحت دراسة السينما. فقد استجبت لهذه الصدفة وبقيت مخلصاً للكلمة، ولم تكن أمامي فرصة سوى المذكرات والكتابة اليومية. وقد ساهم في تعمقها خلال دراستي السينمائية في موسكو أن أتيح لي معايشة الكاتب الروائي صنع الله إبراهيم، الذي كسر لدي رعب الرواية. وحين عدت، أردت أن أكون وفياً لطموحي في الجمع بين التعبير السينمائي والكتابة، فشحنت كتابتي بمذاق بصري.
المكان يشكل فضاء واسعاً من الذاكرة له مكانته الجمالية لدى المثقفين والفنانين. هل هنالك مكان محدد بارز في مخيلتك ترجمته في أعمالك السينمائية؟ وإذا عممنا السؤال، فماذا يعني المكان في أفلامك؟
هذا السؤال مهم بالنسبة لي شخصياً. ومثال على ذلك أني حين أردت تحقيق فيلم “أحلام المدينة”، كان المكان الوحيد الذي أريد هو المكان الذي عشتُ فيه فعلياً، وتساءلت مع نفسي: ترى هل هذا ممكن؟ وحين بحثت عنه وجدته ووجدت حتى الغرفة التي قضيت بها طفولتي. وبالصدفة كانت الغرفة جزءاً من جدار مئذنة الجامع الرئيسي للحي. هذا الواقع للمكان، حين عدت إليه من جديد، منحني السمو والتألق في استعادة ذاكرتي للأحداث والشخصيات التي قدمتها في الفيلم. فالمكان بالنسبة لي هو شيء مرئي، ومحسوس ومعيش، ولا يبقى لي إلا شحنه بالذاكرة الصادقة وبالأحاسيس التي انتابتني حين كان المكان أليفاً بالنسبة لي كسينمائي. فالصورة بذاتها لا بد من شحنها بالإحساس لتصبح أيقونة. بالإضافة طبعاً لأداء الممثل بضوئه والهواء الذي يتنفسه، ليعيش المتلقي هذا الهواء.
لأعطيك مثالاً آخر للمكان من الفيلم نفسه، حين حدث اللقاء بين الجد القاسي وابنته، فقد اخترت السطح، بين قبة سيدي عسقلان المجاورة للبيت والمئذنة المجاورة في الجهة الأخرى. على هذا السطح، نتبين العنف بين هذا الجد وابنته. هكذا تصبح للمكان مكانته ودلالاته بدلاً من عشوائية اختياره.
لا أريد الإجابة نظرياً قدر ما أريد تقديم مثالٍ من تجربتي. في فيلم “الليل”، هل تتصور أنني دفعت بالممثلين إلى مدينة القنيطرة المدمرة لأبني داخل هذا الدمار اللوكيشين الذي أريد، مع صعوبة التصوير بالنسبة لي على مرأى علم العدو الإسرائيلي. حاولت حينها أن أقلق العدو الإسرائيلي من وجودنا في مدينتنا التي دمرها. وحين كان يقذفنا بقنابله الضوئية، كنت أسخرها لما ينقصنا أحيانا من ضوء. علاقتي بالمكان هي علاقة روحية عالية، أحاول تصويرها بأعلى قدر من جماليتها الحقيقية. فما رأيك في بيت دمره العدو الإسرائيلي ففرشته بالعشب الأخضر بدل البلاط. الخيال والإحساس هما بالنسبة لي المعيار في الفيلم السينمائي.
بعيداً عن الروائية التي اعتدنا أن نرى أفلامك من خلالها، حققت أخيراً فيلماً وثائقياً، ما سبب هذا الخيار؟
في السينما لا أُفرق بين الوثائقي والروائي، وأعتبر السينما أولاً وقبل أي شيء أنها سينما. حين يتطلب مني الأمر إنجاز فيلم وثائقي سأنجزه، وحين يتطلب روائياً أفعل ذلك. ومن يرى الأفلام التي صنعتها، سواء كانت وثائقية أو روائية، سيلمس هذا النزوع إلى السينما.
-جاء عنوان فيلم “أنا يوسف يا أبي” من آية قرآنية. لماذا هذا الخيار؟ وعن أي أب نتحدث هنا؟
خلال الحوارات التي جرت بيني وبين يوسف قبل التصوير، بدا لي أن يوسف عبدلكي، إضافةً لقوته الداخلية وأفكاره وتجربته الحياتية، يخضع لتأثير كبير لشخصية أبيه، الذي كان -كما يتضح في الفيلم- شخصية منتمية إلى عالم السياسة، وتشكل بالنسبة له مسار حياته اليومية. هذا التأثر الخفي والداخلي كان يتبدى أحياناً في ما يقوله يوسف في الفيلم، وكأنه يريد أن يوحي له بأنه الابن الذي أراده.
لقد أردت بهذا العنوان أن يقول يوسف لأبيه مطمئناً “أنا يوسف يا أبي”، وفياً لما أردته، ولما سعيت إليه في الحياة التي عشتها أنت. لذلك، طلبت من يوسف أن يكتب بخط يده وبطريقته المميزة بالكتابة، التي تشبه اللوحة، العنوان “أنا يوسف يا أبي”.
لماذا اخترت يوسف عبدلكي تحديداً لإنجاز فيلمك عنه؟
كنت مدركاً تماماً أن هذا الانسان استطاع تحقيق تجربة تشكيلية هامة، بدأها في السبعينيات قبيل سفره وخلال وجوده في فرنسا، واستطاع تطويرها بالعمل على جوانب مختلفة. هذه الأهمية حققها عبر اللوحات والمعارض التي أقامها. لم أكن أريد للفيلم مناقشة الأهمية الثقافية للتشكيل الذي يمارسه، أريد أن أخوض في عالمه الداخلي وأقدم للمتفرج حول كيفية تشكل يوسف عبدلكي. كيف استطاع في اللوحات التي رسمها أن يصور رموز وهيمنة السلطة أحياناً، والواقع والشخصيات المقاومة لهذا الواقع.
تربطنا علاقة صداقة طويلة، كما أنني تابعت تجربته في مراحلها المختلفة، سواء في الصبا أو في المرحلة ما بين دمشق وباريس، وبعدها العودة إلى دمشق ومحاولته الدائمة للتعايش مع المرحلة الزمنية. لذلك، كان لا بد من قراءة تفصيلية للتجربة، تتيح للمتفرج اكتشاف أبعادها وعمقها وأهميتها، فحاولت تقديم صورة شاملة لها.
اختار عبدلكي أن يكون حفاراً وليس رساماً، ما أتاح له اكتشاف نفسه بصورة أعمق، ثم اختار الجمع بين الحفر والرسم لاحقاً، لقد أردت عبر هذا البورتريه التأكيد أن المثقف والرسام ليس منعزلاً عن واقعه، بل هو منخرط داخله وقادر على ممارسة التعبير عنه بكل الأشكال المختلفة. البورتريه لوحة للشخصية تشمل ما فعله والهجرة والعودة وصولاً إلى اليوم، والقضايا التي تناولها في مختلف المراحل. بهذا التوجه وهذه المرجعية الداخلية الوجدانية، حاولت إنجاز هذا الفيلم.
كان الفيلم غير ممول من أية جهة، لاحقاً أنتجته شركة “دنيا فيلم”. هل هذا أمر طارئ أم متكرر؟ وهل هذا سببٌ لكونك مقلاً في الأعمال؟
يجب أن يتضح للقارئ أننا كسينمائيين، كنا نلجأ إلى اتكاءات شكلانية لمحاولة كسر وحدانية المنتج (المؤسسة العامة للسينما)، أنا لم أكن منتجاً، ولا عمر أميرالاي أيضاً، لكن في كثير من الأفلام التي صنعناها، كنا نضحي بأجورنا وإمكانياتنا من السيناريو إلى الإخراج تحت عنوان الشراكة، لتكون هذه المساهمة بذرة لمشروع، ثم نحاول أن نلملم له إمكانية تنفيذه. كنا نرهن إمكانياتنا كمخرجين مقابل إيجاد منتج يساهم في تنفيذ الفيلم، سواء بتقديم التقنيات اللازمة أو أخذ الإنتاج ككل، ولتبقى أجورنا هي المشاركة.
شركة “دنيا فيلم” التي أمتلكها أنا وزوجتي هي التي وضعت الأساس الإنتاجي لفيلم “أنا يوسف يا أبي” (السيناريو والإخراج). أما المساهمة الأساسية، فقد كانت المبادرة من مدير التصوير وائل عز الدين ومعداته وفريقه في تنفيذ التصوير كاملاً، وبتعاون صداقي أنجز الفيلم. اليوم نحن نبحث عن التوزيع لمحاولة استرداد التكلفة المادية، فنحن لا نصنع أفلاماً لنتلقى أجراً، لسوء الحظ بالتأكيد.
في ما يخص الأفلام الروائية التي تحتاج إلى جهود إنتاجية أكبر، كنا نبحث عن المنتجين الرسميين المحترفين، الذين يستطيعون استقطاب كثير من صناديق ومنح الإنتاج التي توضع في الفيلم الروائي ليُنجَز، وهذا العذاب كان مرافقاً دائماً في تجربتنا على مدى 40 عاماً. لم يختفِ هذا العذاب حتى في الأفلام التي ساهمت المؤسسة العامة للسينما في إنتاجها، لم يكن الإنتاج هو الذي يجعلها ترى النور، بل كانت الجهود البشرية التي تبذل من دون مقابل.
حين يطلع أي شخص على ميزانية فيلم “الليل” على سبيل المثال، سيكتشف أي جهد بُذل ليتحقق الفيلم. ما حقق الفيلم هو الحب والعلاقات والصداقات مع طواقم الإنتاج التي كانت تتبرع للعمل بأجور ضئيلة، هذا الأمر في جوهره هو تجربة السينما في سورية منذ أكثر من 40 عاماً، تجربة لا تطعم السينمائي خبزه.
نحن أمام معضلة تحقيق الأفلام الروائية، والذي يواجهنا منذ أكثر من 40 عاماً والقائم على يد واحدة، هو المؤسسة العامة للسينما، واضمحلال الإنتاج السينمائي الخاص. فلم يبق أمام السينمائي السوري سوى المؤسسة العامة للسينما بكل ما تمارسه من رفض أو قبول وبما تفرضه عليها السلطة العليا من رقابة.
كيف تنقل عبدلكي كشخصية موظفة درامياً في مخيلتك -في مرحلة ما قبل التصوير- من السياسي الصارم إلى الفنان المتكامل؟
بالنسبة لي، يوسف عبدلكي هو إنسان تشكيلي صارم، وفي حواراته الفكرية رجل صارمٌ أيضاً، أما كيف يتنقل بين الممارسة السياسية والرسم؛ فهذا ليس مهمة الفيلم ولا تعنيني.
من الصعب أن يمنع الكاتب نفسه من أن يفلت بعضاً منه في النص؟ كيف دار الصراع بين ذاتك وشخصياتك عندما كتبتها؟ هل تتوارى كمخرج خلف الشخصية أم فيها؟
لدي تصورٌ يختلف عن هذا التصنيف في تنفيذ الأفلام. حين يكون الفيلم قد أصبح في وجدانك، والتصور الذي تولّد لديك خلال تفكيرك الطويل فيه، فعليك أن تنسى الأوراق، أو مزقها، وابدأ العمل. كي لا أغفل أي تفصيل، أضع الورق بين يدي أقرب الأصدقاء. وأتيح لنفسي الفرصة لصياغة الصورة، ليس التصاقاً بما كتبته. وحين أتلكأ، وكثيراً ما يحصل، ألجأ سواء للكتابة النهائية أو المسودات التي سبقت الكتابة النهائية. أما أن يكون النص هو ملهمي فهذا بالنسبة لي شخصياً غير وارد.
لا أنجز أفلاماً لا تنتمي إلى عالمي الداخلي ورؤيتي وما توصلت إليه من وعي، لذلك لا أخضع نفسي للكبح، بل على العكس، كثيراً ما أتيح لنفسي أمام التجربة أن تتطور، وأحقق الصورة التي أريد، ولأنني مؤمن بهذا الأسلوب، كثيراً ما ألجأ إلى أكثر من طريقة للتعبير عنها، وأترك الفرصة لإنهاء العمل في المونتاج، الذي هو عمل إبداعي أيضاً لا تقني. هذا الأسلوب استطاع أن يوصلني إلى السلام مع نفسي، وهو الخضوع للحظة المبدعة.
المكان بارزٌ في أعمالك (دمشق – القنيطرة – حلب). هل نستطيع القول إن فيلمك دمشقي؟
أبداً، أبداً. إن سيطرة المكان وهويته هي دلالة من الدلالات التي تنتمي إلى الفيلم. إذا كان المكان هو حلب؛ فهذا يعني أنني أتحدث عن مقاماتها وعن صورها وعن عالمها وأيقوناتها. وإذا كان الفيلم يحدث في دمشق، فأنا سأمارس الطريقة ذاتها بالعلاقة بين المشروع والمكان. من الصعب أن تصف فيلماً ما بدمشقي أو حلبي. فيلم “أنا يوسف يا أبي” يرسم صورة لتشكيلي يعيش اليوم في دمشق، وطالما أن السينما أيقونة، فهي تحمل روح المكان وروح الزمان، وأنا أحاول ترجمة هذا الواقع من خلال التجربة الذاتية التي أريد التعبير عنها.
هل لفيلم “أنا يوسف يا أبي” علاقة بالوصايا العشر (المشروع الذي لم يكتمل نجاحه بتصوير عشرة أفلام عن شخصيات سورية بارزة وحُقِقَت منهُ أربعة فقط). ولو افترضنا أن الوصايا العشر تحققت جميعها، هل كانت ستشكل هوية سينمائية سورية؟
سبق وعملت والسينمائي الراحل عمر أميرالاي والمخرج أسامة محمد على مشروع “الوصايا العشر” القائم أساساً على إنجاز عدد من الأفلام السورية الوثائقية، التي سعينا من خلالها إلى “نفض الغبار” عن شخصيات ذات أهمية ثقافية أو سياسية أو فنية. تاريخياً أو اليوم، الهوية في هذا المشروع ليست أساساً. حين نقول إننا نريد نفض الغبار، فنحن نفترض أن هذا الإنسان موجود في المكان والزمان.
حققنا خلال المشروع فيلماً عن الفنان فاتح المدرس صدر عام 1996، وفيلماً آخر عن الرائد السينمائي السوري نزيه الشهبندر بعنوان “نور وظلال” صدر عام 1995 في الذكرى المئوية لولادة السينما. لاحقاً، انفرد كل منا (بسبب ظروفنا الشخصية)، حققت فيلم “حلب مقامات المسرة” عن المؤدي صبري مدلل صدر عام 1997، وحقق أميرالاي فيلماً عن المسرحي سعد الله ونوس بعنوان “وهناك أشياء كثيرة كان يمكن أن يتحدث عنها المرء” صدر عام 1997.
الوصايا هي عن شخصيات، تنتمي إلى البلد الذي نعيش فيه، سواء كانت سورية أو غير سورية (جورج حبش الذي لم يتحقق مثلاً). وحين تحاول نفض الغبار عن شخصية ما وتقديمها، فأنت تريد تحويلها من منسية إلى متاحة، وأن تكشف عن أهميتها كشريك في رؤيتها للواقع، ووسيلة لرؤية المجتمع والتعبير عنه. هذا المشروع لم يغادرنا، سواء باختلاف الأوضاع، أو حين خضعت بلادنا لحالة هذه الحرب الطويلة، لقد تمزق هذا التشارك بموت أميرالاي ومغادرة أسامة محمد.
بالتأكيد، فيلم “أنا يوسف يا أبي” ينتمي للوصايا العشر، خاصة أن يوسف عبدلكي معروف في العالم أكثر مما هو معروف في بلده، أو معروف بعطاءات أقل، فهنالك من يعرف يوسف كرسام كاريكاتير، أو شاهد لوحاته في معرض ما، ويتساءل أين يوسف اليوم؟
ما العناصر التي يجب توافرها لدى السينمائيين السوريين وشركات الإنتاج كي يضعوا مفاهيم نظرية ويطرحوا أسئلة قد تشكل هوية سينمائية سورية مستقبلاً؟
إذا كانت الدولة مُصْرة على أن تكون منتجاً، وتساهم إنتاجياً في أن تأخذ السينما السورية مكانتها على صعيد السينما، فعليها أن تتخلى عن استبداديتها، وأن تتيح للثقافة قول ما تريد قوله في ما تحققه في الإنتاج الثقافي، فلم تكن الثقافة مطلقاً ضد الوطن.
ماذا إن كانت لديك الميزانية الكاملة والحرية الكاملة لصناعة فيلم، فأي فيلم ستصنع؟
هذا الحال الذي تطرحه مثالي، أنا أريد فقط أن أُتوج تجربتي السينمائية التي عمرها أكثر من 40 عاماً، ليس بسيناريوهات مرفوضة وعددها أكثر من ثلاثة، بل بمشروع أفكر في تحقيقه في هذه الفترة، السيناريو مكتوب وهو بعنوان “ليت للبراق عيناً”، وهو لا يحتاج إلى ميزانيات كُبرى أو صُغرى، بل لإمكانيات إنسانية متواضعة، والقليل من الاحتياجات المالية.
المصدر: العربي الجديد