طرح مركز حرمون للدراسات في الفترة الماضية وثيقة باسم ” وثيقة توافقات وطنية ” كمحاولة لوضع أساس لتجميع القوى الوطنية الديمقراطية حول وثيقة وطنية , لكن مضمون تلك الوثيقة لم يكن سوى تفصيل للأفكار الرئيسية لمشروع دستور دائم لسورية , ويكمن الخطأ هنا في مسألتين : المسألة الأولى أن المرحلة الحالية تستوجب ميثاقا وطنيا لفترة انتقالية يتم خلالها الانتهاء من حكم الاستبداد , وإطلاق الحريات , واستعادة عافية وحيوية الشعب السوري مما سيمكنه لاحقا من إجراء انتخابات عامة لهيئة تشريعية تمثل كافة فئات الشعب السوري وتمتلك الشرعية الضرورية لوضع دستور دائم للبلاد تجري مناقشته على أوسع نطاق وإقراره بموجب استفتاء عام .
المسألة الثانية : أن وضع المضامين الرئيسية لمشروع دستور دائم كمادة للتوافق الوطني في هذه المرحلة يعني وضع العربة أمام الحصان , وإغراق الساحة الوطنية في نقاش يستبق المرحلة المناسبة له , وهي محاولة ليست خافية لمصادرة حقوق الفئات الواسعة من الشعب السوري في التعرف على مواد الدستور الدائم ومناقشتها بأجواء الحرية المفتوحة والاستعاضة عن ذلك بمناقشتها ضمن بعض النخب في أجواء مغلقة ومهما كانت تلك النخب فهي لاتمتلك تمثيلا شعبيا حقيقيا بالتالي فهي غير مخولة بتحديد مضمون دستور دائم للبلاد في ظروف غير طبيعية كتلك التي يعيشها الشعب السوري .
تطرح وثيقة التوافقات السابقة مضامين ملتبسة لهوية الشعب السوري العربية مما يجعل تلك الهوية في مهب الرياح , وتخلط بين حقوق المواطنين الأفراد المتساوية ضمن الدولة تجاه القانون وبين حق المكون القومي الرئيسي في البلاد وهو المكون العربي في تحديد هوية سورية وانتمائها القومي والذي لايمكن أن يتنافى مع الحقوق الثقافية للأقليات العرقية الأخرى .
تتبنى الوثيقة النص على العلمانية في الدستور والتي بالرغم من تسميتها بالعلمانية المرنة لكن مرونتها لم تكن محل توضيح ويمكن بسهولة تفسيرها بما عرف عن العلمانية الأتاتوركية التي أعدم بموجبها عدنان مندريس دون وجه حق أو العلمانية الفرنسية التي يتم من خلالها اليوم الدعوة لحظر الحجاب في فرنسا على سبيل المثال .
وتدعو الوثيقة أن ينص الدستور على منع الأحزاب الدينية دون التفريق بين الأحزاب الديمقراطية ذات المرجعية الثقافية الاسلامية والأحزاب الدينية غير الديمقراطية .
لذلك كله فالوثيقة غير مناسبة كأساس لتوافق وطني يمهد لتجميع كافة القوى الوطنية الديمقراطية في سورية للنضال من أجل إنهاء الاستبداد وإحلال الديمقراطية وإطلاق الحريات كما هي مطالب الشعب السوري اليوم . ولايمكن أن تكون بديلا لما نحن بحاجة إليه من ميثاق وطني جامع للمرحلة الانتقالية .