دفعت أزمة الجفاف ونقص المياه في العراق، والتي تفاقمت بسبب التغير المناخي وبناء السدود في تركيا وإيران، رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى التحذير مجدداً من خطورة استفحال الجفاف في البلاد، مطالباً بتدخّل دولي عاجل.
ويعاني العراق انخفاضاً كبيراً في مستوى مياه نهري دجلة والفرات، مع تغيّر المناخ وتأثيراته التي جعلت العراق من بين أكثر خمس دول في العالم عرضة للخطر.
وقال السوداني في كلمة له خلال مؤتمر بغداد الدولي الثالث للمياه، الذي عقد في بغداد، إن إنقاذ نهري دجلة والفرات من مخاطر الجفاف يستدعي تدخلاً دولياً عاجلاً.
ولفت السوداني إلى أن حكومته وضعت استراتيجية مناخية تمتد إلى 2030، وستشمل الحد من انبعاث الغازات لتقليل الضرر البيئي، وتحفيز المزارعين الذين يستخدمون تقنيات ري حديثة، واستخدام الطاقات المتجددة.
وأضاف أن حلّ أزمة المياه بحاجة إلى التعاون بين العراق ودول المنبع التي تتشارك معه في المياه، مؤكداً ضرورة أن يحصل العراق على حصته المائية من دون نقص.
كما نبّه إلى ضرورة “التوصل إلى إدارة رشيدة مشتركة مع الدول الإقليمية بشأن ملف المياه، ونحن جادون في معالجة جميع المشاكل”.
وتلقي السلطات الحكومية، اللوم على تركيا وإيران لقيامهما ببناء العديد من السدود، ما قلل من تدفق مصادر المياه الرئيسية في العراق.
الجانب العراقي أجرى مباحثات مكثفة مع الجانب التركي لزيادة حصة المياه في نهر دجلة، بعد هطول كميات كبيرة من الأمطار أدت إلى سيول غزيرة، بغية معالجة جانب كبير من أزمة الجفاف التي يشهدها العراق منذ أعوام، إلا أنها لم تؤدِ إلى نتائج إيجابية.
وأدى انخفاض معدلات المنسوب المائي في مناطق وسط وجنوب البلاد ذات المناطق الزراعية إلى ارتفاع نسبة الملوحة ونزوح العديد من الفلاحين الى المدن بعد نفوق المواشي وارتفاع نسب التصحر.
ويستهلك سكان العراق، البالغ عددهم نحو 40 مليون نسمة، ما يُقدر بـ71 مليار متر مكعب من المياه. وفي عام 2035 سيصل عدد السكان إلى أكثر من 50 مليوناً، ومن المتوقع أن تنخفض المياه السطحية إلى 51 مليار متر مكعب سنوياً بعد إكمال كل المشاريع خارج الحدود.
“حرب مائية”
وعن تفاقم أزمة الجفاف في البلاد، يقول المتخصص في الشؤون المائية الأكاديمي نظير عباس إن “انخفاض مستوى المياه في نهري دجلة والفرات سببه قيام تركيا وإيران ببناء السدود على المنابع كورقة ضغط اقتصادية تُمارس على الحكومات العراقية ما بعد 2003، ولهذا نستطيع القول إن حرباً مائية تقودها طهران وأنقرة ضد بغداد فضلاً عن التغيّرات المناخية لأن منطقة الشرق الأوسط هي من المناطق التي تتأثر بشكل كبير بها”.
ويضيف الأنصاري لـ”النهار العربي” أن “سوء إدارة الملف المائي في البلاد يُعد أحد الأسباب الرئيسية في تفاقم الجفاف، وذلك بسبب عدم وجود خطط حكيمة تتماشى مع الواقع والمستقبل”، مطالباً الحكومة العراقية بـ”ضرورة التحرك على المستوى الدولي بشأن الجفاف وقطع المياه من قبل إيران وتركيا”.
ويرى الأنصاري أن تركيا تحوّل القضية إلى “نفط مقابل الماء” كـ”ورقة ضغط تستخدمها ضد العراق”، مشيراً الى أن “أنقرة تقول إن أغلب مياه نهري دجلة والفرات تأتي من الأراضي التركية، وأن مشاركة العراق في مياه الفرات هي صفر، فيما يعتمد نهر دجلة بنسبة 80 في المئة على منابع تركية، متهمة العراق أنه يعتمد طرق ري بدائية ولا يستفيد من المياه العذبة، بل إنها تذهب هدراً إلى الخليج”.
وفي المقابل، تقول بغداد إن نهري دجلة والفرات دوليان طبقاً لتعريف الأمم المتحدة الذي يقول إن النهر الدولي هو “المجرى المائي الذي تقع أجزاء منه في دول مختلفة، كما أنهما مستقلان عن بعضهما بعضاً، فلكل منهما حوضه ومساره ومنطقته، وهنا لا بد أن نصل إلى اتفاق ثلاثي، بين تركيا وسوريا وإيران، لتحديد الحصص المائية لكل دولة على أسس عادلة، وبالاعتماد على القانون والعرف الدوليين”، وفق الأنصاري الذي يؤكد أن “العراق دخل فعلياً في حرب مائية”.
“طريق مسدود”
من جهته، يرى الخبير المائي علي اللامي أن “لغة الحوار مع الجانبين الإيراني والتركي وصلت الى طريق مسدود، ولذلك يجب على الحكومة العراقية اللجوء الى المجتمع الدولي”، قائلاً لـ”النهار العربي” إن “استمرار السياسات المائية التي تمارسها إيران وتركيا قد يؤدي إلى كارثة أخطر خلال الأعوام المقبلة”.
ويضيف: “لا يملك المسؤولون العراقيون أي أوراق في ما يخص ملف المياه والتخطيط الاستراتيجي لأجل تأمين حصة البلاد المائية، إضافة الى غياب الأجهزة المائية المتخصصة بصيانة المشاريع لأن الجهات المعنية لم تقم بتخزين الفائض من مياه دجلة والفرات، بل تتركه يمضي إلى الخليج العربي من دون الاستفادة منه”.
وكان وزير الموارد المائية عون ذياب، أعلن الشهر الماضي، أن وفداً عراقياً رفيع المستوى سيزور تركيا قريباً لبحث تداعيات ملف المياه وأزمة الجفاف.
وذكرت الوزارة في بيان أن “ذياب استقبل في مكتبه سفير الجمهورية التركية لدى العراق محمد رضا كوناي والوفد المرافق لبحث أواصر التعاون المشترك بين البلدين في القضايا والمجالات المرتبطة بالمياه وضمان حقوق العراق المائية، والتحديات التي تواجه عمل الوزارة نتيجة التغيرات المناخية وقلة الموارد المائية الداخلة إلى العراق”.
المصدر: النهار العربي