حسابات الردع.. هل يمكن تجنب حرب شاملة في الشرق الأوسط؟

قدم المحاضر في جامعة سيدني، إيال ميروز، مقاربة للإجابة على سؤال العنوان، مسلطاً الضوء على اندلاع العنف مجدداً في الشرق الأوسط خلال أقدس أوقات السنة لكل من اليهود والمسلمين، بعد إطلاق صواريخ من جنوب لبنان على الدولة العبرية رداً على اقتحام الشرطة الإسرائيلية للمسجد الأقصى.

وذكر ميروز، في مقال نشره بموقع “ذا كونفرسيشن” وترجمه “الخليج الجديد”، أن إسرائيل اتهمت حركة حماس بالمسؤولية عن إطلاق الصواريخ وردت بشن غارات جوية على الحركات الفلسطينية في لبنان، في عنف هو الأكثر إثارة للقلق عبر الحدود منذ 17 عاما، كما شنت غارات جوية على قطاع غزة، الذي تديره حماس.

كما أسفر هجوم صاروخي نادر من سوريا عن جولة أخرى من الضربات الجوية الإسرائيلية ضد أهداف هناك، تزامنا مع اندلاع اشتباكات في الضفة الغربية بعد أن سار آلاف الإسرائيليين، انضم إليهم 7 وزراء، إلى مستوطنة تم إخلاؤها هناك، مطالبين بإضفاء الشرعية عليها.

ويرى ميروز أن دوافع هذه الاستفزازات هي: الغضب والخوف والرغبة في الانتقام والإحباط، وكلها مشاعر “مدفوعة بأهوال الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية من ناحية، والغضب من الهجمات الفلسطينية أو الرغبة الجامحة في الهيمنة اليهودية من ناحية أخرى” حسب تعبيره.

ويشدد ميروز، في مقاله، على أنه “لا يوجد حل عسكري للصراع المستمر بين إسرائيل والفلسطينيين”، مشيرا إلى أن “الردع هو ما يسعى إليه اللاعبان الرئيسيان، إسرائيل وحماس”.

حسابات التصعيد

وبالنسبة لحماس، الحساب الأساسي هو كيفية تصعيد الهجمات ضد إسرائيل، مع الاستمرار في إبعاد غزة عن العنف، عبر توجيه النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي إلى الضفة الغربية والقدس وداخل الأراضي المحتلة عام 1948، بحسب ميرزو، مشيرا إلى أن إسرائيل تحاول، في المقابل، توجيه ردودها العسكرية نحو غزة، بمجرد أن تتمكن من إقامة صلة بين التصعيد وحماس.

أما حزب الله، ذو الشراكة متنامية مع حماس، فله مجموعة مختلفة من الحسابات، تشمل العداء طويل الأمد مع إسرائيل، والرغبة في تصفية حسابات قديمة، بما في ذلك اغتيالات إسرائيلية سابقة لقادة الحزب، إضافة إلى العاطفة الدينية تجاه حساسية الاعتداء على المسجد الأقصى، والتوجيهات التي يتلقاها من إيران.

ومع ذلك، فإن حزب الله مقيد بالردود العسكرية الإسرائيلية والحاجة إلى التوفيق بين ولائه لإيران ومساءلته أمام الشعب اللبناني، إذ يتهمه عديد اللبنانيين بإعطاء الأولوية للمصالح الإيرانية على مصالحهم، ويحملونه مسؤولية أي انتقام إسرائيلي ضد الأراضي اللبنانية.

وتخشى إسرائيل بدورها حربًا أخرى مع حزب الله ستكون مكلفة للغاية، إذ يمتلك الحزب ترسانة ضخمة من الصواريخ، تقدر بأكثر من 100 ألف صاروخ، بعضها طويلة المدى وعالية الجودة، ويمكن أن يطلقها الحزب على إسرائيل متى شاء، دون إمكانية وقوف نظام القبة الحديدية للدفاع الجوي الإسرائيلي الشهير أمام قوتها وأعدادها.

ويشير ميروز إلى أن أسوأ مخاوف إسرائيل هي حدوث تصعيد متزامن على جبهات متعددة، مع وجود حركتي حماس والجهاد الإسلامي في غزة بالجنوب، وانتفاضة، على غرار الانتفاضة في القدس الشرقية والضفة الغربية، وحزب الله في لبنان في الشمال، إضافة إلى جبهة رابعة في المدن الإسرائيلية بين فلسطينيي 48 واليهود وقوات الأمن. وهناك دائما احتمال لجبهة خامسة تقاتل ضد القوات الإيرانية المتمركزة في سوريا.

والنهج المفضل لإسرائيل تجاه هذه التهديدات المتعددة هو محاولة عزل الجهات الفاعلة في كل جبهة عن طريق قصر ردودها الانتقامية على ضربة واحد في كل مرة، لكن هذا لن يكون سهلاً، حسبما يرى ميروز.

فالتوترات بين الأطراف المختلفة تؤدي إلى تفاقم التصعيد بين المستوطنين اليهود في الضفة الغربية، والقوميين اليهود داخل إسرائيل، والمسلحين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، أو داخل إسرائيل، أو في جنوب لبنان.

ردود محسوبة

وفي الماضي، كانت ردود الفعل الانتقامية على مثل هذا التصعيد، من قبل إسرائيل وحماس وجماعات أخرى، “محسوبة” في أغلب الأحيان، أي أنها كانت تهدف إلى إظهار القوة داخليًا لتجنب أن ينظر إليها الناس على أنها ضعيفة. لكنها تشير أيضًا إلى “الرغبة في تجنب التصعيد”، بحسب ميروز، الذي اعتبر أن الأهداف التي قُصفت في موجة العنف الأخيرة توضح ذلك.

فمن جانب حماس، كان قصر إطلاق الصواريخ على البلدات اليهودية في جنوب إسرائيل، بدلاً من المزيد من المدن المركزية، يشير إلى رغبة في تجنب تصعيد كبير.

وعلى الجانب الإسرائيلي، فإن استهداف أهداف فلسطينية منخفضة المستوى، على عكس مواقع القيادة الأساسية أو القادة الرئيسيين، يمكن أن يعني الشيء نفسه.

ويشير ميروز، في هذا الصدد، إلى أن إسرائيل تفضل تجنب التصعيد، إذ تظهر أحدث استطلاعات الرأي أن الائتلاف الحاكم الجديد يتراجع عن شعبيته وقد يفشل في الحصول على أغلبية المقاعد في البرلمان إذا أجريت الانتخابات اليوم.

ومع ذلك، فإن أي استفزاز كبير في المسجد الأقصى، أو هجوم إرهابي كبير ضد اليهود، يمكن أن يغير هذه العقلية، بحسب المحاضر في جامعة سيدني، مؤكدا أن المجتمع الدولي عيه أن يلعب دورًا حاسمًا في إجبار أو تحفيز الأطراف المختلفة على تقديم تنازلات مؤلمة، لكنها ضرورية، “على الطريق الطويل جدًا نحو السلام”، حسب تعبيره.

المصدر | إيال ميروز/ذا كونفرسيشن – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى