في السابع عشر من نيسان من كل عام يحتفل الشعب السوري بيوم جلاء الاحتلال الفرنسي عن سورية ، ورحيل آخر جندي فرنسي عن أرضها ، بعد أن قدم الشعب السوري قوافل الشهداء لنيل حريته واستقلاله وبعد أن خاض الشعب السوري العديد من الثورات على مساحة الوطن بدءا من ثورة الشيخ صالح العلي، وانتقالاً لثورة الزعيم إبراهيم هنانو، وصولاً إلى الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش و غيرها من الثورات من أجل طرد المحتل عن الأرض السورية . ليتحول هذا اليوم الى ذكرى تتجدد في كل عام ، تخليدا لشهداء الوطن ، وتقديرا لوطنيتهم ، وتجديدا للعهد منا لهم في التمسك بحرية الوطن والدفاع عن استقلاله ووحدة أرضه .
وفي مواجهة المستعمر الفرنسي نهض الوطنيين السوريين على مساحة الوطن كله في مقاومة الاحتلال وإجباره على التوقيع على صك انتهاء الانتداب ، وانجاز الاستقلال بوحدة وإرادة جمعية لمختلف الأعراق والطوائف والمذاهب بمختلف انتماءاتهم السياسية والاجتماعية والثقافية .. فأرسوا بوحدتهم الوطنية وتلاحمهم سدا منيعا أفشل كل مخططات التقسيم التي خطط لها الاحتلال وعمل على تنفيذها ، ليعلو في مواجهة التقسيم وتثبيت الاستقلال الوطني شعار الثورة الجامع لكل أبناء الوطن ” الدين لله والوطن للجميع ” .
في مثل هذا اليوم أعلن استقلال بلدنا ، وفي احتفال الاستقلال ، وحين رفع رئيس الجمهورية شكري القوتلي علم الدولة السورية أعلن للملأ قائلا : ” لن يرفع فوق هذا العلم غير علم الوحدة “
ثم بدأ خطابه التاريخي بقوله :
” بني وطني… هذا يوم تشرق فيه شمس الحرية الساطعة على وطنكم، فلا يخفق فيه إلا علمكم، ولا تعلو فيه إلا رايتكم. هذا يوم الحق تدوي فيه كلمته، ويوم الاستقلال تتجلى عزته، يوم يرى الباطل فيه كيف تزول دولته، وكيف تضمحل جولته. هذا يوم النصر العظيم والفتح المبين ” .
وفي هذا اليوم المجيد من تاريخ بلدنا ، تمر الذكرى ونحن في مرحلة تكالبت على بلدنا كل القوى الإقليمية والدولية ، وكل قوى القهر والتطرف والإرهاب من أجل تدمير الوطن وتمزيق نسيجه الوطني في حرب عبثية همجية استمرت أكثر من عقد من الزمان دمرت وهجرت وغيبت على حساب تطلع الشعب السوري عبر ثورته السلمية للتخلص من الاستبداد والفساد والظلم واقامة دولته الديمقراطية المدنية القائمة على العدل وحكم القانون .
لم يكن بحسبان الشعب السوري ، عندما هب للتغيير الوطني الديمقراطي أن تتحول ثورته إلى احتراب داخلي ، وحرب دول طامعة بأرضه وثرواته وموقعه الجيوسياسي مستعينة بقوى ومليشيات مسلحة متعددة الجنسيات مرتبطة بأجندات دول خارجية مهدت الطريق لها لبسط هيمنتها بتدخل خارجي عسكري ، وقواعد عسكرية ، ترافق مع استهتار العدو الصهيوني في اختراق السيادة السورية عبر غاراته المتواصلة والمتتابعة في ظل نظام حاكم متهالك وأنظمة عربية مرتهنة للخارج و تأتمر بأمره وتقف مكتوفة الأيدي ومتفرجة وقد تكون مساهمة في تنفيذ مخططات أعدائنا والتسليم بتمزيق البلاد العربية وضم الجولان والقدس الى الكيان الاسرائيلي . ليجد الشعب السوري نفسه اليوم أمام سيادة مستباحة ، وواقع يشده لمرحلة أسوأ من مرحلة ما قبل الاستقلال ، ويجد نفسه أمام خمس احتلالات جديدة قامت على أنقاض ضياع وطن بكامله تدفع بالشعب السوري وتفرض عليه حمل مهمة العمل على إنجاز استقلال جديد .
وإذا كان الاحتلال والتدخل الأجنبي بكافة أشكاله ومن أية دولة أو جهة خارجية جاء ، مرفوض ومدان ، فإن الشعب السوري وقواه الوطنية الحية مدعوة الى وقفة وطنية لمقاومة الاحتلال ، ومواجهة الاستبداد والفساد وأدواته ، وتجاوز ما خلفته الازمة السورية من تفكك وطني ، بالإصرار على إنجاز التغيير الديمقراطي وإعادة الوحدة الوطنية والتماسك الوطني عبر تجسير العلاقة بين القوى المجتمعية الحية على قاعدة التعدد والتنوع والتفاعل والحوار وصولا الى حوار وطني جامع وشامل بين كل الأطياف والتيارات السياسية في مراجعة نقدية واسعة ، تعمق المشتركات والرؤى المشتركة وتنبذ ما يؤدي للتناحر والانقسام على أرضية وحدة الوطن أرضا وشعبا ، تمهيدا للانتقال الى نظام ديمقراطي تداولي يحفظ حقوق المواطنة المتساوية ويصون الحريات العامة ويرسخ قواعد العدالة لجميع المواطنين .