عقب الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا مع الشمال السوري في السادس من الشهر الثاني، أعلنت تركيا إغلاق حدودها أمام الحالات المرضية بكل أشكالها، وتقطعت السبل أمام الآلاف من مرضى السرطان الذين كانوا يتلقون جرعهم الكيماوية في المشافي التركية بشكل دوري، وأمسوا في مواجهة الموت المحقق.
هذا القرار انعكس سلبًا على مرضى السرطان وبشكل مباشر إضافة إلى الواقع الطبي المتدهور في الشمال السوري والذي تفاقم مع حدوث الزلزال ووقف عاجزًا أمام هول الكارثة وتردد المجتمع الدولي في تقديم الدعم، ذلك ما دعا العاملين في الشأن الطبي بالمحرر وبالتعاون مع عدد من الإعلاميين والناشطين في المجال الإنساني لإطلاق حملة بعنوان “#أنقذوهم”. لإيصال صوت الآلاف من مرضى السرطان الذين أوصدت أمامهم أبواب العلاج، وأصبح الموت يحيط بهم من كل جانب، عسى أن يتحرك ضمير المنظمات الصحية العالمية لنجدتهم.
حملة”#أنقذوهم” هي حملة خاصة بمرضى السرطان ومزمع إطلاقها في القريب، ولها خطّا عمل حسب ما أخبرنا الإعلامي حسن العثمان أحد المشرفين على الحملة، موضحًا الهدف منها:
” خط إسعافي وهو الخط الأول، لتدارك ما يمكن تداركه من الحالات السرطانية الحرجة عبر تأمين جرعات إسعافية لهم، والخط الثاني تأمين التمويل الكافي لإنشاء مشفى خاص لمعالجة مرضى السرطان بإدلب وتجهيزه بكل ما يلزم للإستغناء عن تحويل المرضى إلى المشافي التركية”.
وبيّن العثمان أن الحملة يشرف عليها مجموعة من الإعلاميين والأطباء المختصين في متابعة مرضى السرطان والعاملين في مشافي المحرر، كما تم التواصل مع عدد من السوريين المهمتين بالشأن الطبي والإنساني والموزعين على كافة دول العالم حيث أبدوا دعمهم الكامل للحملة، ونيّتهم المساهمة بها بكل قوة لما لهذا الموضوع من أهمية إنسانية وخاصة فيها إنقاذ أرواح بشرية يتهددها الموت، كما سيتم في هذه الحملة تسليط الضوء على كل حالات مرضى السرطان في الشمال السوري، لأنها الفئة الأكثر تضررًا من إغلاق الحدود وتوقف العلاج”. وأضاف العثمان أن الحملة ستنطلق بعدة لغات من بينها اللغة الإنكليزية بغية تبيان معاناة المرضى لدول الغرب عبر نشر روابط لقاءات مع المرضىى، مترجمة إلى اللغة الإنكيزية لمساعدة المانحين والمتبرعين والمنظمات الدولية بالتعرف على إحتياجات المرضى، مع تهيئة روابط للتبرع من كافة الدول لمركز السرطان المزمع إنشاؤه بعد توضيح إحتياجاته من المعدات والأجهزة الطبية عبر حسابات خاصة بحملة معالجة السرطان، وتشكيل لجنة مالية موثوقة لإستلام التبرعات، وقد تكفل عدد كبير من الشباب السوري المتواجد في كافة دول العالم للمشاركة في نشر الروابط “.
صحيفة إشراق إلتقت أم حسين، وهي إحدى مريضات السرطان وتبلغ من العمر”52″ عامًا وهي من أهالي ريف المعرة الشرقي ونازحة إلى مخيم باتبو القريب من مدينة حزّانو، حيث انتشر السرطان في كل جسدها حسب ما أفاد زوجها وهي بحاجة مستعجلة للجرعات الكيماوية، كما طلب منا عدم الحديث أمامها عن السرطان لأنها لم تُخبَر بمرضها وقال لها الأطباء إنها مصابة بمرض الكبد وبحاجة للعلاج في تركيا.
في داخل خيمتها ومن على فراش المرض، وبصوت متقطع قالت أم حسين عن حالها:”آلامي لا تطاق وتتوزع على كل جسدي، لا أعرف ماذا أصابني، أخبرني الطبيب أنني بحاجة للعلاج في تركيا من مرض الكبد، ولكني أشعر أن مرضي أكبر من ذلك بكثير، آمل أن تفتح الحدود قريبًا للدخول إلى تركيا”.
الدكتور بشير الإسماعيل مدير المكتب الطبي في معبر باب الهوى وأحد المشرفين على الحملة المذكورة أيضًا، أوضح أن الحالات المرضية التي كانت تدخل إلى المشافي التركية من الشمال السوري عبر باب الهوى قد توقفت تمامًا منذ السادس من شهر شباط سواء الحالات الإسعافية أو الحالات الباردة، مضيفًا:
“إنّ هذا الإغلاق أمام الحالات المرضية قد يطول نتيجة الوضع الراهن والمعروف في تركيا بعد حدوث الزلزال، وأهم فئة مرضية تضررت من هذا القرار هم مرضى السرطان لأن حياتهم في خطر، وعامل الزمن له أثر كبير في إنقاذ هؤلاء المرضى، وعبر هذه الحملة يمكننا إنقاذ حياة البعض منهم عبر توفير تحاليل وجرعات كيماوية لهم هنا في الداخل السوري”.
كما بيّن الدكتورالإسماعيل: ” يوجد حاليًا مركز وحيد لمعالجة الأورام في إدلب، هو مشفى إدلب المركزي، ويقدم منذ عدة سنوات جرعات مجانية وتحاليل لقسم معين من مرضى السرطان ضمن إمكانياته المتوفرة، وهو قسم من بناء مشفى إدلب المركزي(مشفى المحافظة)، ويوفر هذا القسم العلاج لستة أنواع سرطانية بشكل مجاني، لكنه لا يوفر العلاج الكيميائي أو الشعاعي أو المناعي وذلك لكلفتهم المادية المرتفعة، إضافة إلى قلة عدد الإختصاصيين بالأمراض السرطانية.
أما عن حملة”أنقذوهم”التي يشارك فيها، فقال الدكتور بشير:” إن الهدف الأساسي من الحملة هو تبيان حالة المرضى الذين تأثروا بالزلزال الذي ضرب سورية وتركيا وأُغلقت أمامهم الحدود عمومًا ومرضى السرطان على وجه الخصوص، ولفت نظر الجهات الدولية والمنظمات الإنسانية إضافة للدول العربية لمشكلة المرضى ولتحسين واقع القطاع الصحي في المحرر وإنقاذ حياة ما يمكن إنقاذه من مرضى السرطان كتدخل إسعافي وتأمين جرعات لهم، أو جمع تبرع مالي لمركز الأورام في إدلب بحيث يمكن إنقاذ المرضى المحتاجين لتحاليل أو جرعات معينة.
وأضاف الدكتور بشير أن “الحاجة المالية قد تتطلب مبالغ ضخمة جدًا وقد تصل إلى ملايين الدولارات وذلك لغلاء الدواء الكيماوي ولوجود آلاف الحالات المرضية السرطانية وذلك كتدخل إسعافي ومستعجل”!
من جهته وصف الدكتور زهير القراط مدير صحة إدلب وضع القطاع الصحي في إدلب بأنه ” كارثي وصعب جدًا وخاصة في الأيام الأولى التي تلت حدوث الزلزال، حيث تجاوز عدد الإصابات والوفَيَات القدرة الإستيعابية للمشافي والمراكز الطبية الموجودة في إدلب بكثير، أما الوضع حاليًا فقد تحسن قليلًا بوصول بعض المساعدات وما زالت قليلة ولاتغطي احتياجاتنا وخاصة المستلزمات الطبية لمرضى الهرس والسرطان بعد إغلاق المعابر التركية أمام كل الحالات المرضية”.
وعن إحصائية مرضى السرطان فقد قدّرها مصدر طبي غير رسمي في إدلب بما يقرب من 2500 مريض، بالتزامن مع ما نشرته إدارة معبر باب الهوى عبر حسابها الرسمي على الفيسبوك من تعميم قالت فيه أن دخول المرضى السوريين إلى الجانب التركي ما زال متوقفاً، وذلك يعني حرمان الآلاف من مرضى السرطان وغيره من
الأمراض الخطيرة والمزمنة من استكمال علاجهم.
مبادرات ومناشدات في الشمال السوري تدعو لنجدة الآلاف من المرضى، والدعم القادم ما زال خجولًا ومترددًا حسب كلام مسؤولي الصحة في إدلب، ويبقى باب الأمل أمام مرضى السرطان، عسى أن تؤتي الحملة ثمارها، ذلك تكشفه الأيام القادمة.
المصدر: إشراق