وسط الحديث عن نية إيران تخفيف وجودها العسكري في سوريا اتّساقاً مع مفاعيل الاتفاق الذي عقدته مع المملكة العربية السعودية برعاية صينية، يبدو أن تداعيات الاستهداف الإسرائيلي الذي طاول مقراً لـ”الحرس الثوري” الإيراني في حيّ الحميدية في دير الزور، شرق سورية، في الثامن من الشهر الجاري، بدأت تدفع نحو تسريع الخطوات الإيرانية بضغط مزدوج تمارسه كلّ من دمشق وموسكو بطريقة غير مباشرة على الميليشيات الإيرانية.
وحاولت الميليشيات الإيرانية في أعقاب الغارة الإسرائيلية أن تقوم بإجراءات عديدة لتعزيز نفوذها في محافظة دير الزور. وتمثل ذلك في اعتقالها عدداً من ضباط الجيش السوري وعناصره وعناصر الميليشيات الرديفة للجيش السوري بتهمة التجسس وتسريب معلومات سرية لجهات معادية. وتمثل كذلك في مسارعتها إلى إرسال تعزيزات عسكرية إلى بعض مواقعها في دير الزور لإعطاء صورة أن الهجوم الذي استهدف منشأة صنع الصواريخ في حي الحميدية لم يؤثر في تصميمها في البقاء في المحافظة.
غير أن ذلك سرعان ما انقلب على الميليشيات الإيرانية التي فوجئت بمطالبتها بضرورة إخلاء المساكن السكنية في دير الزور من المظاهر العسكرية التابعة لها. وجاءت المطالبة من قائد ميليشيا “الدفاع الوطني” المقربة من روسيا فراس العراقية أثناء اجتماعه مع عدد من قادة “الحرس الثوري” الإيراني في المنطقة.
تعزيزات إيرانية
وفي الأيام التي تلت غارة حي الحميدية، استقدمت الميليشيات الإيرانية أسلحة ثقيلة وعشرات العناصر من جنسيات مختلفة، ونشرتهم داخل اللواء 137 الواقع بالقرب من دوار البانوراما على أطراف مدينة دير الزور.
ويبدو أن الميليشيات الإيرانية حاولت اتخاذ حادثة حي الحميدية ذريعة للسيطرة بشكل أكبر على اللواء الذي تعتبره نقطة حراسة مهمة لمستودعات عياش التي تسيطر عليها، وفق موقع “عين الفرات”، الذي أضاف أنه “باتت الميليشيات الإيرانية تُعطي أهمية للّواء 137 الذي يقع جنوب شرقي مستودعات عياش بسبب موقعه الإستراتيجي، وتوجد بالقرب منه نقاط عسكرية لميليشيا القاطرجي”.
وأشار إلى أن الميليشيات الإيرانية تحاول بسط سيطرتها على اللواء ومحيطه بشكل كامل وطرد ميليشيا “القاطرجي” منه لعدم ثقتها بعناصرها.
وذكّر الموقع في تقريره أن الميليشيات الإيرانية تحاول الاستفراد بالسيطرة على محافظة دير الزور التي توليها أهمية كبيرة، لا سيما البوكمال والميادين لقربهما من الحدود العراقية والمعابر التي تستخدمها الميليشيات الإيرانية لنقل السلاح والمخدرات.
عوامل مضادة
غير أن المساعي المتسرعة التي اتخذتها الميليشيات الإيرانية في أعقاب تعرض مقرها في حي الحميدية للاستهداف الإسرائيلي، اصطدمت بعاملين غير متوقعين: الأول هو الاتفاق الإيراني – السعودي برعاية صينية والذي من المؤكد أن قيادة الميليشيات الإيرانية في سوريا لم تكن في صورته، وبالتالي كانت تتصرف بروحية بعيدة كثيراً من مضمونه وفحواه. والثاني هو الاستياء الشعبي الذي تسبب به تفجير حي الحميدية نظراً الى وقوع ضحايا مدنيين لا ذنب لهم سوى أن إيران قررت وضع مقرها بين منازلهم. وقد تزايد هذا الاستياء نتيجة عدم إحساس الميليشيات الإيرانية بالمسؤولية ومسارعتها إلى ترميم المقر لإعادته إلى العمل وكأنّ شيئاً لم يحدث.
وفي هذا السياق، أفادت مصادر “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، بأن الميليشيات الإيرانية في مدينة دير الزور بدأت أعمال إعادة صيانة مستودع الصواريخ والذخائر التابع للميليشيات الإيرانية في حي الحميدية الذي وقع فيه انفجار كبير في 8 من الشهر الجاري ما أدى الى سقوط 7 قتلى هم 3 من جنسيات غير سورية و3 من الجنسية السورية وشخص مجهول الهوية.
ووفقاً للمصادر، فإن العديد من العائلات بدأت إخلاء منازلها القريبة من المستودع تخوفاً من استهدافه مرة أخرى، وسط حالة غضب واستياء شعبيين واسعة بسبب وجود مستودع للصواريخ والأسلحة بين منازل المدنيين في الحي.
وقد استدعى ذلك أن تقوم القوات الروسية بالتنسيق مع دمشق بالإيعاز إلى فراس العراقية للاجتماع مع قادة “الحرس الثوري” الإيراني لإبلاغهم ضرورة إخلاء المناطق السكنية بما يتناسق مع ضرورات المرحلة الجديدة التي دشنها الاتفاق بين الرياض وطهران.
اجتماع ومطالب بالإخلاء
وتنفيذاً لما سبق، اجتمع فراس العراقية يوم 16 آذار (مارس)، مع القياديين في الميليشيات الإيرانية حاج عباس وحاج ميسم، على خلفية وصول سيارات وعربات عسكرية إلى اللواء 137 القريب من دير الزور وهي محملة بعناصر وأسلحة للميليشيات، وطالب العراقية قادة الميليشيات بعدم إدخال هذه القوات الجديدة إلى داخل مدينة دير الزور، وإخراج القوات الموجودة فيها داخل مخابئ سرية، خشية انكشافها وقصفها، وفق ما كشفت صحيفة “جسر” الإلكترونية.
وعُيّن الحاج عباس قائداً لـ”الحرس الثوري” الإيراني في مدينة البوكمال خلفاً للحاج عسكر الذي عزل من منصبه، وذكرت العديد من التقارير أنه غادر سوريا إلى إيران.
أما الحاج ميسم، فهو من قيادات “الحرس الثوري” الإيراني التي نادراً ما يجري تداول أسمائها في الإعلام. وكان يشغل منصب مسؤول الانتساب في الميليشيات الإيرانية في دير الزور، كما لعب دوراً في إدارة “مركز نصر”، ويعتقد أنه يتولى حالياً مسؤولية مستودعات السلاح والذخيرة الخاصة بالميليشيات الإيرانية. ومما يعزز فرضية نفوذه الواسع أنه قام العام الماضي بتعيين أسامة الحسين المقرب منه في قيادة لواء الحسين في منطقة عياش بدلاً من فاير الضجعان.
وتتولى قوات لواء الحسين التي تقدر بنحو 170 عنصراً مهمة حراسة مستودعات عياش غرب دير الزور، ما يمنحها أهمية خاصة لدى الميليشيات الإيرانية.
دلالات الرفض الإيراني
ورغم وقوف روسيا وراء مطالب فراس العراقية، وتهديد الأخير بأن الوضع سيكون خطيراً في حال عدم انسحاب القوات الإيرانية من المدينة، أكدت المصادر أن القادة الإيرانيين الذين حضروا الاجتماع رفضوا المطالب التي وجهت إليهم، وأبلغوا العراقية أن مسألة الانسحاب أو الإخلاء غير ممكنة.
ويأتي التشدد الإيراني في دير الزور بعد معلومات عن نهج مختلف أكثر مرونة اعتمدته الميليشيات الإيرانية في مناطق أخرى من سوريا، اذ لم تمانع قيادة “الحرس الثوري” الإيراني في وضع وزارة الدفاع السورية يدها التنظيمية على ميليشيا فوج التدخل السريع في ريف حمص قبل أيام.
ويفسر مراقبون هذا الاختلاف في التعامل الإيراني بين منطقة وأخرى باختلاف الغايات الإيرانية، مشيرين إلى أن محافظة دير الزور تعد بؤرة للصراع بين إيران من جهة والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة ثانية، لذلك فإن مسألة تخفيف التواجد الإيراني فيها لا تتعلق بالاتفاق الإيراني – السعودي بل هي تحتاج إلى تطورات مختلفة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
المصدر: النهار العربي