ردت أنباء إعلامية نقلا عن مصادر دبلوماسية تركية سبب تأجيل انعقاد الطاولة الرباعية حول سوريا والمعلن عنه في 15 آذار الجاري بالعاصمة موسكو بحضور نواب وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري، لمسائل تقنية دون إعطاء أية معلومات تفصيلية أخرى. تعريف مصطلح التقنية حسب الموسوعات العلمية هو التغييرات التي أدخلها الإنسان على الأشياء الموجودة في الطبيعة، والأدوات التي صنعها لمساعدته في أعماله. فهل من المعقول أن تعرقل هذه الأمور اجتماعا مهما بهذا الوزن والأهمية ينتظره ويراهن على نتائجه أكثر من لاعب محلي وإقليمي في سوريا؟
ما هي العلاقة بين قرار التأجيل وبين مواقف دمشق الأخيرة وشروط الأسد المسبقة حيال أي مصالحة أو تطبيع مع الجانب التركي؟ وهل ما تعثر كان محاولة موسكو مفاجأة الجميع بلقاء ثنائي يجمع الأسد وأردوغان بحضور بوتين اعترضت طهران عليه وعرقلته في اللحظة الأخيرة بسبب عدم معرفتها به أو وجود أي دور لها في تحقيق هذا الإنجاز؟
أسئلة أخرى تنتظر إجابات قد لا نحصل عليها لأن خيبة الأمل كبيرة بناء على المواقف والتصريحات الرسمية والتسريبات المعلنة: هل توجهت الأسماء الأربعة المعلن عنها على مستوى مساعدي وزراء الخارجية إلى موسكو لحضور اجتماع الطاولة الرباعية؟ وهل غادرت دون أي لقاء يتم أم كان هناك لقاء غير رسمي جرى في الغرف الخلفية لمبنى الخارجية الروسية ولم يعلن عنه برغبة من الأطراف المشاركة؟
يعرف الأسد أكثر من غيره أن حديثه عن انسحابات تركية من الأراضي السورية وسط هذه الظروف المحلية والإقليمية يتطلب تحقيق أكثر من مطلب يرضي أنقرة: انسحاب القوات والميليشيات الأجنبية الأخرى المتمركزة على مقربة من الحدود التركية السورية، وحسم موضوع سلاح قسد وتنسيقها القائم مع مجموعات حزب العمال، وإنهاء مسألة التمسك بلعب ورقة داعش في شرق سوريا لتكون سبب التفجير وإشعال المنطقة هناك عند اللزوم.
يدرك بشار الأسد أن موضوع سوريا ومستقبلها هو اليوم أحد أبرز عناوين القمم التركية الروسية، وأن التقارب التركي الروسي يتزايد في البحث عن حلول وفرص سياسية جديدة لملف الأزمة هناك. من الصعب عليه إذاً أن يدخل على الخط ليتحدى الجانبين بإعلان شروطه المسبقة حيال أي تواصل يجريه مع الرئيس التركي ويحاول إفساد ما أنجزته موسكو وأنقرة حتى اليوم، لأن ذلك لن يصرف أمام طاولة التفاهمات التركية الروسية. فائض شجاعته مصدره باختصار هو إما المواقف الغربية الأخيرة الرافضة لقبول أي حوار أو تفاهم معه. أو محاولة الاستقواء ببعض العواصم العربية التي يرى أنها تحتاج إليه في هذه الآونة وستحميه من غضب أردوغان. أو هي موسكو نفسها التي أوعزت له التحرك بهذا الشكل لتضييق الخناق على المناورات التركية. أو طهران التي تم الترحيب بها أمام الطاولة لكنها تشعر أن التفاهمات التركية الروسية ما زالت تتقدم من وراء ظهرها وهي ستكون مجرد شاهد على ما سيتم الاتفاق بشأنه.
تحدث الرئيس التركي في 14 كانون الأول المنصرم عن وجود قناعة باتجاه الإقدام على خطوة ثلاثية مشتركة بين أنقرة وموسكو ودمشق في التعامل مع الملف السوري. في 28 كانون الأول الماضي عقد الاجتماع العسكري بين وزراء الأطراف الثلاثة. قبل أيام كان البعض في الإعلام التركي يتحدث متفائلا عن المرحلة الثالثة من الحوار على المستوى الدبلوماسي الرفيع أمام طاولة رباعية في موسكو، متسائلا عن توقيت زيارة الأسد إلى العاصمة الروسية وهل من الممكن ربطها بالاجتماع الرباعي أم لا؟ المبالغة والحماس في التحليل وصلا إلى مستوى الإشارة لوجود ضغوطات روسية إيرانية باتجاه الجمع بين الأسد وأردوغان في موسكو. حضر الأسد لكن الطاولة الرباعية لم تلتئم. هو ذهب أبعد من ذلك من خلال الحديث عن شروط مسبقة قبل أي حوار مع أردوغان على مرأى ومسمع الروس. الرد التركي الرسمي لم يأت بعد، لكن مستشار زعيم المعارضة ورئيس حزب الشعب الجمهوري الدبلوماسي السابق أونال شليك أوز يقول سنذكر روسيا أننا دولة أطلسية لنا تعهدات وشراكة مع الغرب وهي رسالة مباشرة لروسيا أن الأمور صباح الخامس عشر من أيار ستسير بشكل مختلف عما هي عليه اليوم.
يقول الأسد حول موضوع لقائه بالرئيس التركي بوساطة روسية أو إيرانية أن المسألة مرتبطة بالوصول إلى مرحلة تكون فيها تركيا جاهزة بشكل واضح ودون أي التباس للخروج الكامل من الأراضي السورية وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل بدء الحرب في سوريا. من الذي مارس ضغوطات على الأسد ليطلق مواقف تصعيدية فيها الكثير من التحدي في هذه الآونة؟ وبمن يستقوي لإعلان تصريحات نارية من هذا النوع؟ بموسكو التي سيرفع حجم التنسيق الاستراتيجي معها ويفتح الطريق أمامها على وسعه للاستثمار في داخل سوريا؟ أم بطهران التي فرضت نفسها على الطاولة الثلاثية في موسكو لتتحول إلى رباعية دون أن تجتمع حتى الآن؟ أم بانفتاحه الأخير على بعض العواصم العربية التي بدأت التواصل معه تحت غطاء الدعم الإنساني للشعب السوري بعد كارثة الزلزال؟ أم هو يراهن على احتمال حدوث التغيير السياسي في تركيا بعد الاستحقاق الانتخابي ووصول المعارضة إلى الحكم لتعطيه ما يريد؟ في المحصلة من الصعب جدا الربط بين تصريحات الأسد وشروطه باتجاه أنقرة وبين قرار إرجاء اجتماع الطاولة الرباعية. مواقف الأسد تتعلق بمسألة لقائه بالرئيس أردوغان وشروطه قبل قمة من هذا النوع، بينما الطاولة الرباعية تتعلق بالمسار السياسي في سوريا الذي تشارك روسيا وإيران في رسم معالمه.
دعت واشنطن وباريس ولندن وبرلين قبل أيام وفي ذكرى الثورة السورية إلى محاسبة الأسد على ما ارتكبه من جرائم ضد المدنيين، مشيرة إلى أنها لن تقوم بتطبيع العلاقات معه أو المساعدة بإعادة الإعمار حتى يتم إحراز تقدم حقيقي في الحل السياسي هناك. هل تكون موسكو هي من أوعزت للأسد بالتصعيد ضد أنقرة وهي التي حالت دون اللقاء الرباعي في آخر لحظة، وأن السبب قد يكون الحوار التركي الأميركي الجديد حول سوريا بعد زيارة إبراهيم كالين مستشار الرئيس التركي لواشنطن وحديثه من هناك عن القرارات الأممية حول سوريا وضرورة تنفيذها والالتزام بها؟ يريد الأسد أن يلعب ورقة الانتخابات التركية لذلك يصعد ضد أردوغان وقيادات العدالة والتنمية. هل هو خيار موسكو الجديد أيضا الغاضبة من سياسة أنقرة الغربية وقرار فتح الطريق أمام عضوية فنلندا في الأطلسي، وهي ترد على المناورات التركية بتحريض بشار الأسد وعرقلة القمة الرباعية وقرار التريث بانتظار أن تنجلي الأمور في تركيا بعد الرابع عشر من أيار المقبل؟
الأسد سعيد بما يدور من حوله وهناك محاولة لتعويمه لكنه لا يعرف إذا ما كان هدف ذلك هو تسهيل رحيله أم إبقائه؟
المصدر: موقع تلفزيون سوريا