بسام المسلم روائي وقاص كويتي متميز، قرأت له سابقا روايته “وادي الشمس: مذكرة العنقاء” التي قاربت الواقع السوري باقتدار بعد الثورة السورية في ربيع ٢٠١١م.
نزف الوردة مجموعة قصصية، جديد بسام المسلم، كتبت هذه المجموعة في ازمنة مختلفة يعود بعضها لسنوات ماضية. اغلبها مستوحى من حدث مباشر في الكويت أو في العالم، خلق عند الكاتب انطباعا ولّد قصة قصيرة تُخلد اللحظة وتضيئها.
بلغة شاعرية عميقة حيث تملؤك باللهفة والترقب، وقبل وضوح مضمون القصة بتفاصيلها، ترى نفسك مشدودا بحبل نفسي متعاطف مع الحكاية التي تتبلور في وعيك صورا واحداثا ومشاعر… ومن ثم مواقف. لتجد نفسك مبهورا بما قرأت ومن ثم تنتقل إلى القصة “الحكاية” التالية، متلهفا تتابع السرد المبدع، لتكتشف ان المجموعة القصصية قد انتهت لكن العطش لمزيد من القراءة والتمتع والتفكر والاتعاظ لم ينته.
نعم مجموعة قصصية مترعة برسائل إنسانية:
– تخليد الانتماء للوطن والتضحية من أجله عبر استعادة الحدث الكارثة؛ احتلال نظام صدام حسين للكويت. الفتاة المقاومة التي قامت بأدوار كبيرة ورائعة، والتي أرادت حكومة الكويت في المنفى ان تصدرها عالميا لتكون واجهة المقاومة ووجهها المشرق، لكنها تفضل البقاء عند امها وابيها ترعاهم ويكون الثمن الاعتقال والقتل على يد جيش صدام المحتل. كذلك القصة التي تلتها: “دلوق سهيل” لم تخرج عن ذات المنحى احياء حب الوطن وتخليد التضحية من أجله.
– في قصة “قطار الليل” انتصار للدور الإنساني النبيل حيث يعيل الخال ابنة اخته، ويساعدها لتكمل دراستها وتتفوق وتنجح في حياتها. تحول الخال لنموذج ابوي انساني معطاء، لم تنسه ابنة اخته، ودعته جسدا مسجى تاركا في حياتها بصمته التي جعلت حياتها ممتلئة معنويا وناجحة في الحياة.
– أما قصة “كانت ملامحي” فإنها تعيدنا مرة اخرى للصراع بين الغريزة والواجب، ونادرا ما انتصر الواجب. رجل مطلّق لم تنجح حياته الزوجية تركته زوجته مع أولاده الصغار. احتاج شغالة تعيلهم وتساعده في حياتهم. جاءت من بلاد شرق آسيا. تدفعها حاجتها الى الغربة والعمل، متزوجة ولديها طفلان. الايام تمر على الرجل والمرأة والليل الطويل والغريزة المتحفزة، والتعطش للآخر. وفي لحظة يلتقي الاثنان تحت ضغط الحاجة للآخر، وينتصر الشعور بالواجب ويحميهم من أنفسهم، فلا يخطئان.
– أما قصة “حين نفضت يدك عن عشاءك” فتطل على واقع الغرب وغياب المسؤولية الاجتماعية حيث يحاول مجموعة شباب التحرش بفتاتين في فرانكفورت ولا تجد أي أحد من الحاضرين في المطعم يمنع التحرش، سوى تلك الفتاة التي واجهتهم وابعدتهم عنهم تحت التهديد باستدعاء الشرطة. فحقد الشباب عليها، واستفردوا بها بعد حين وضربونها حتى ما قبل الموت، تصاب بتلف دماغي ويقرر والدها ان ينهي حياتها بالموت الرحيم رحمة بها… هذا هو الغرب.
– “نزف الوردة” القصة التي تلخص مظلومية المرأة في المجتمعات الشرقية التي مازال الرجل يستبيح لنفسه الزواج الثاني وأكثر دون مبرر مجتمعي او عائلي سوى تلبية غريزة الذكورة، تلك الزوجة المظلومة التي لم تحتمل أن يتزوج زوجها عليها. فسعت لتحرق خيمة العرس وتودي بحياة العشرات فيه… ظلم يستدعي جريمة.
– “وردة الجنرال” قصة مستوحاة من جنرال صربي – لعله الرئيس وقتها- مسؤول عن قتل الآلاف من البوسنيين في حربه عليهم في مدينة سربرنيتشا. الأب الذي كان يغدق الحب على ابنته الوحيدة، والمغيبة عن الافعال الاجرامية لأبيها. شاهدت عبر التلفاز المذابح التي ارتكبها. اخذت مسدس ابيها وانتحرت. يحمل الأب وردة ليضعها على ضريح ابنته قبل الذهاب الى محاكمته وسجنه في لاهاي حيث المحكمة الدولية… عدالة الله.
– اما قصة “أيامنا العصيبة” المستوحاة من قصة اغتصاب امرأة هندية تعمل لتعيل أسرتها، زوجها السكير العاطل عن العمل، الكلاب تعتدي على الناس وقطاع الطرق والمتحرشين ايضا هي تعمل قابلة وممرضة يعترضها ثلاثة رجال يأخذونها للغابة ويغتصبوها. ويوزعون فيديو الاغتصاب على وسائل التواصل الاجتماعي. يهيج الناس والحل تسميم الكلاب والقبض على المغتصبين ومحاكمتهم، علاج للجريمة دون علاج أسبابها.
– “قرية على الطريق” قصة التجارة الاولى في التاريخ بالجسد الإنساني. حيث القرية الواقعة على محطة القطار الرجال عابرون للقرية لشراء المتعة الجنسية من النساء اللواتي يبعن أجسادهن في سوق نخاسة اجبارية لحساب المعلمة التي تجبرهن على ذلك بمساعدة طبيب بيطري في القرية الذي يمدها بأدوية تساعد النساء على تحمل الاغتصاب المتكرر ويمتن تحت الشعور بالعار والاستباحة الجنسية الدائمة بعد أن يلدن فتيات يرثن المهنة عن امهاتهم…
ابنة إحداهن لم تقبل ذلك عملت على حرق المعلمة والطبيب والهرب من جحيم القرية في القطار العابر دوما إلى حياة… لعلها أفضل.
انتصار لإنسانية الانسان ايضا…
- “ذئاب وادي القمر” قصة المرأة العاملة في دبي، حيث تضع كل مواهبها العلمية المكتسبة في عملها. لتحمي نفسها من أن تُستغل جنسيا. لكن بعض المديرين لا يتركونهن دون محاولة التحرش بهن. ترمي الاستقالة في وجه المدير وتغادر… الكرامة اولا…
تختم المجموعة قصة عن بوسنية مستباحة بين مجموعة رجال صرب، يلهون بها ويتمتعون بتعذيبها. تهرب منهم لغرفتها… جوار البحر لعلها انتحرت او غادرت لمكان ما…
لكنها قررت أن ترتاح من ذل تعيش به…
هنا تنتهي المجموعة القصصية. وتنتهي رحلة البوح ومتابعة الم الناس من كل الاجناس نساء ورجال ونصيب النساء أكبر. نتوحد بالألم والوجع والهدر الانساني وعيش المأساة الانسانية ان نكون بلا كرامة أو مستعبدين او مظلومين ونتحول لمجرد غبار في كون الإنسان الضحية.
من هنا كانت المجموعة القصصية “نزف الوردة” محاولة جادة لطرح رسالة انسانية تنتصر للإنسان وتطالب بحقوقه.