استنفرت المليشيات الإيرانية المسيطرة على أقصى الشرق السوري عناصرها بعد هجومين بطائرات مسيّرة، استهدف الأول مساء الأحد شاحنات دخلت الأراضي السورية من العراق، وسط ترجيحات بأنها كانت تحمل أسلحة وذخائر، والثاني سيارة لقيادي في المجموعات المقربة من إيران.
وذكرت شبكات إخبارية محلية وناشطون إعلاميون أن طائرات مسيّرة مجهولة الهوية استهدفت مساء الأحد قافلة شاحنات تبريد، كانت تنقل أسلحة لمليشيات الحرس الثوري الإيراني، بالقرب من مدينة البوكمال الحدودية مع العراق في ريف دير الزور الشرقي.
وأفادت شبكة “نهر ميديا” المحلية بأن الشاحنات المستهدفة كانت تتجمع عند “دوّار الأسطورة” في بلدة الهري بريف مدينة البوكمال، في أقصى الشرق السوري، وذكرت أن القصف من طيران مسيّر مجهول تجدد فجر الإثنين للمكان نفسه، ما أدى إلى مقتل قيادي في المليشيات الايرانية واثنين من مرافقيه، أثناء تفقدهم مكان الغارة الجوية التي حصلت مساء الأحد. وبيّنت الشبكة أن المليشيات الإيرانية أخلت مقرات لها في مدينة البوكمال وقرية السويعية بعد مقتل القيادي تحسباً لهجمات أخرى.
وفي السياق، ذكرت شبكة “فرات بوست” المحلية أن الشاحنات التي استُهدفت مساء الأحد، دخلت الأراضي السورية عبر معبر السكك غير الشرعي، الذي تسيطر عليه “كتائب حزب الله” العراقية، مشيرة إلى أن المليشيات الإيرانية تستخدم هذا المعبر في عمليات تهريب الأسلحة والمخدرات بين سورية والعراق.
شاحنات تنقل أسلحة؟
أما المرصد السوري لحقوق الإنسان فذكر أن عدد القتلى نتيجة الهجومين بلغ 10، بينهم قيادي. وقُتل ثلاثة أشخاص، بينهم قيادي في مجموعة مقاتلة موالية لطهران، جراء ضربات الإثنين، بعدما قُتل سبعة من سائقي الشاحنات ومرافقيهم، وهم من جنسيات غير سورية، نتيجة استهداف شاحنات ليلة الأحد في منطقة الهري. وكانت الشاحنات تنقل أسلحة إيرانية، وفق ما أفاد مدير المرصد رامي عبد الرحمن وكالة “فرانس برس”.
وبيّن المرصد أن الشهر الحالي شهد دخول برادات مخصصة لنقل الخضار تحمل صواريخ إلى الأراضي السورية عبر الحدود السورية – العراقية قرب مدينة البوكمال في ريف دير الزور الشرقي.
وأشار إلى أن شاحنات تبريد وصلت إلى المربع الأمني في الميادين بريف دير الزور الشرقي في الرابع والعشرين من الشهر الحالي، وتم تفريغها في مستودعات تابعة لمليشيا “فاطميون” الأفغانية في المنطقة هناك، مرجحاً وصول منظومات وأسلحة متطورة إلى المليشيات الإيرانية.
وفي العراق، نقلت وكالة “فرانس برس” عن مسؤول من سلطات الحدود لم تسمه، أنّ “الشاحنات التي قصفت داخل سورية عراقية، لكنها لا تحمل أي بضائع عراقية” باعتبار أنّ بلاده لا تصدّر منتجات إلى أي بلد عربي، وقال إنّ “الشاحنات تقلّ بضائع إيرانية باتجاه سورية وقد عبرت من منافذ غير رسمية”، مرجحاً استخدام شاحنات عراقية عوض الإيرانية لتلافي تعرّضها للقصف.
من جهته، أوضح الناشط الإعلامي أبو عمر البوكمالي، الموجود في ريف دير الشرقي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “هناك استنفاراً كاملاً للمليشيات الإيرانية في ريف دير الزور الشرقي”، وبيّن “أن هناك تكتماً من المليشيات الإيرانية على ما جرى مساء الأحد من ضربات”، مضيفاً: “هناك قتلى ومصابون بين عناصر هذه المليشيات نتيجة الضربات، ولكن ليست هناك معلومات دقيقة عن الأعداد أو طبيعة الأهداف التي استُهدفت من الطيران”.
ومنذ أكثر من خمس سنوات باتت المليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني في ريف دير الزور هدفاً لطيران مجهول يُعتقد أنه إما إسرائيلي أو تابع للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
إقلاق الوجود الإيراني في سورية
ويعتقد مدير مركز “الشرق نيوز” فراس علاوي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الشاحنات التي استُهدفت من طائرات مجهولة مساء الأحد “تحمل قطع غيار لطيران مسيّر وصواريخ”، مضيفاً: “هذا الأمر مقلق للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، لذا جرى تدميرها”، وأشار إلى أن التحالف الدولي “لن يسمح بوجود منصات إطلاق طائرات مسيّرة إيرانية في سورية، لذا يقوم بين وقت وآخر بقصف أي هدف يُعتقد أنه يشكل خطراً انطلاقاً من سورية”.
ورأى علاوي، وهو من أبناء دير الزور، أن “هذه الضربات تأتي في سياق إقلاق الوجود الإيراني العسكري في شرقي دير الزور وفي سورية عموما”، معبراً عن اعتقاده بأن إسرائيل والتحالف الدولي “لا يريدان القضاء على الوجود الإيراني في سورية بشكل كامل، وإلا كانا اتّبعا استراتيجية عسكرية أخرى ولم يكتفيا بضربات موضعية محدودة”.
وتعد منطقة البوكمال على الحدود السورية العراقية منطقة نفوذ إيرانية بشكل كامل منذ أواخر عام 2017، إذ تتحكم بها مليشيات إيرانية عدة، منها: “لواء فاطميون” الذي يضم مرتزقة من أفغانستان، و”لواء زينبيون” الذي يضم مرتزقة من باكستان، و”حيدريون”، و”أبو الفضل العباس”، و”حزب الله” العراقي، إضافة إلى مليشيات تابعة لـ”الحشد الشعبي” العراقي، منها حركة “النجباء”.
وتضع إيران يدها على معبر البوكمال الحدودي الذي يربط بين سورية والعراق، والذي افتتح في أواخر عام 2019، بعد أكثر من 7 سنوات على إغلاقه.
ولا يقتصر الوجود الإيراني العسكري على منطقة البوكمال، بل يمتد إلى مدينة الميادين، شرقي دير الزور، والتي تضم مقرات قيادة وتحكم ومعسكرات تدريب، وفق مصادر محلية.
وتنبع أهمية محافظة دير الزور، ثاني أكبر المحافظات السورية لجهة المساحة (تبلغ أكثر من 30 ألف كيلومتر مربع)، للجانب الإيراني من كونها المحطة الأهم في الممر البري الممتد من طهران مروراً بالعراق وسورية، وانتهاء بشواطئ البحر المتوسط في لبنان. وتسيطر المليشيات الإيرانية بشكل كامل على ريف دير الزور الشرقي الممتد من الميادين إلى البوكمال لمسافة أكثر من 50 كيلومتراً.
وأقام الحرس الثوري الايراني واحدة من أكبر قواعده في سورية، وهي قاعدة “الإمام علي” في ريف دير الزور الشرقي، والتي تعرضت للقصف أكثر من مرة من قبل طيران التحالف الدولي خلال السنوات الماضية. كما أنشأ الإيرانيون العديد من المليشيات المحلية لصد هجمات تنظيم “داعش” المتكررة على المنطقة التي يسيطرون عليها بريف دير الزور الشرقي، حيث يستغلون الأحوال المعيشية الصعبة لتنجيد شبان المنطقة ضمن هذه المليشيات التي يقودها أشخاص موالون لإيران، أبرزهم نواف البشير متزعم مليشيا “أسود العشائر”.
المصدر: العربي الجديد