في مؤشر جديد على الفوضى الأمنية في المناطق التي يسيطر عليها “الجيش الوطني” المعارض في سورية، أدى اقتتال في مدينة أعزاز، معقل المعارضة الأهم شمالي سورية، بين عشيرتين محليتين، إلى مقتل وإصابة عدد من الأشخاص.
وذكرت مصادر محلية أن ثلاثة أشخاص قُتلوا، بينهم قيادي في فصيل “عاصفة الشمال”، وأصيب آخرون، في حصيلة غير نهائية للاشتباكات التي جرت أمس الأول الجمعة في أعزاز، واستُعملت فيها الأسلحة الثقيلة بين أفراد العشيرتين، على خلفية خلاف شخصي، مشيرة إلى أن مساجد المدينة صدحت بمناشدات لوقف الاشتباكات بين الطرفين.
وانتشرت قوة عسكرية من “الفيلق الثالث”، التابع لـ”الجيش الوطني” المعارض، في ساحات المدينة لفض الاشتباكات وفرض وقف إطلاق النار، في حين أغلقت قوات “فض النزاع” المنافذ والطرقات المؤدية إلى منطقة الاشتباكات “لضبط الأمن وحماية المدنيين”، وفق “الجيش الوطني”.
وأشارت مصادر محلية إلى أن مدينة أعزاز شهدت أمس السبت هدوءاً، مبينة أن “الفيلق الثالث” اعتقل عدة أشخاص متهمين بالتسبب بالاشتباكات، التي بدأت بعد خلاف بين شخصين حول ركن سيارة، تطور بعد ذلك إلى اشتباكات بين مجموعات مسلحة.
وتقع مدينة أعزاز إلى الشمال من مدينة حلب بنحو 50 كيلومتراً، وتعتبر من أبرز معاقل المعارضة السورية، إذ تضم مقراً للائتلاف الوطني السوري وآخر للحكومة المؤقتة.
وتنتشر في المدينة وريفها عشرات الفصائل والمجموعات المسلحة ذات الخلفيات العشائرية، وهو ما يجعل من أي خلاف شرارة لاقتتال يستخدم فيه مختلف أنواع الأسلحة، في ظل غياب الجهة القادرة على ضبط فوضى السلاح وإرساء الأمن.
وهذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها منطقة أعزاز اشتباكات دامية بسبب مشاجرات، إذ قُتل شخصان في ديسمبر/كانون الأول الماضي في مخيم “شمارخ” إثر مشاجرة بين عائلتين، تخللها إطلاق نار.
ولطالما شهدت المناطق الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية في شمال البلاد، على مدى السنوات الماضية، خلافات تفضي إلى اقتتال وصدامات دامية في هذه المناطق التي يعاني سكانها من ظروف معيشية صعبة. وكانت منطقة جرابلس في شمال شرق حلب، والواقعة تحت سيطرة “الجيش الوطني” شهدت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي اشتباكات بين مجموعات مسلحة أدت إلى مقتل شاب بسبب خلافات بين عشيرتين.
بيئة الشمال السوري غير مستقرة
ورأى الناشط السياسي معتز ناصر (الموجود في شمال سورية)، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الشمال السوري “يفتقد سلطة تنفذ القانون، وتحمي الحقوق”.
وأضاف: “مع تغوّل الفصائل على حساب الشعب، وظهور العصبيات، وفي ظل صعوبة الوضع الاقتصادي والمجتمعي، كل ذلك يجعل بيئة الشمال السوري غير مستقرة، وغير آمنة، خصوصاً في ما يتعلق بما يسمى العودة الطوعية للاجئين”.
وتابع: “إن تحدي الحوكمة والإدارة في الشمال السوري هو الأهم، لأن عجز الثورة عن إيجاد بديل يوفر بالحد الأدنى الحاجات الضرورية، والأساسية لجميع السوريين، يعني أن الثورة لم تنضج بعد لتكون شريكاً مع النظام في أي حل سياسي مستقبلي، لأنها ستكون لقمة سائغة للابتلاع والهضم من النظام، فضلاً عن أن تكون بديلاً عنه”.
واعتبر ناصر أن “سلطات الأمر الواقع التي أنشأتها تركيا في الشمال، بعد اتفاقات سوتشي وأستانة (في إشارة إلى فصائل المعارضة التي تحكم المنطقة)، أثبتت فشلها مرة بعد مرة، مع عدم وجود أي تغيير للوضع السيئ”. وأضاف: “هذا ينذر بكوارث أخرى مستقبلية قد لا تكون في مصلحة تركيا، والتابعين لها، على الخريطة السياسية المستقبلية للوضع في سورية”.
انتشار السلاح سبب رئيسي للفلتان
من جهته، بيّن الصحافي عبد القادر أبو يوسف (الموجود في الشمال السوري)، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “انتشار السلاح من دون ضوابط سبب رئيسي للفلتان الأمني في الشمال”، مضيفاً: “معظم المشاجرات الفردية تتحول إلى مناطقية أو عشائرية، ما يؤدي إلى اتساع نطاقها”.
وأشار إلى أن “أفراداً من الجيش الوطني يشاركون أحياناً في الاشتباكات ما يؤدي إلى تصعيدها”، مضيفاً: “الجيش الوطني يتدخل بعد فوات الأوان، كما حدث الجمعة في أعزاز”.
ويسيطر “الجيش الوطني” على منطقة “درع الفرات” في ريفي حلب الشمالي والشمالي الشرقي، التي تضم العديد من المدن والبلدات، أبرزها الباب وجرابلس ومارع. وينتشر في مدينة أعزاز في ريف حلب الشمالي، التي تحتضن العديد من مؤسسات المعارضة، ومنطقة “غصن الزيتون” التي تضم منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية من السكان، فضلاً عن كونها تحتضن عشرات الآلاف من النازحين والمهجرين.
وفي شرق نهر الفرات، يسيطر “الجيش الوطني” على شريط حدودي بطول 100 كيلومتر، وبعمق 33 كيلومتراً، وهو ما بات يُعرف بـ”منطقة نبع السلام”. ويعمل “الجيش الوطني” على فض النزاعات بين المجموعات المسلحة والفصائل الخارجة عن القانون، ولكن من دون التعامل الجاد مع الأسباب الحقيقية التي تؤدي إلى هذه الاشتباكات، وأبرزها فوضى السلاح والحالة الفصائلية التي تحكم المنطقة.
الشمال السوري يفتقد لقرار عسكري واحد
ولم تستطع وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة فرض قرارها على هذه الفصائل، ومن ثم افتقد الشمال السوري لقرار عسكري واحد، وهو ما يعزز الفلتان الأمني في كل المناطق الخاضعة لهذا “الجيش” الذي تأسس منذ سنوات، ويتلقى الدعم من الجانب التركي. وتشير الوقائع إلى أن “الجيش الوطني” لم يستطع حتى اللحظة التعامل مع النزعة الفصائلية بشكل يمكن أن يفضي لتطويقها والحد من تأثيراتها السلبية، إذ ما يزال كل فصيل يحتفظ ببنيته العسكرية والأمنية والقيادية.
ورأى الباحث السياسي ياسين جمول، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الشمال السوري “بيئة حروب غير مستقرة، لذا من الطبيعي أن يكون هناك انفلات بالسلاح”، مضيفاً: “مع الأسف تترافق مع الانفلات عوامل أخرى تذكي الصراع، أبرزها الحالة الفصائلية والنزعة المناطقية المنتشرة بشكل مقلق”.
ولا يعزل جمول ما يحدث في الشمال السوري عن “انتشار المخدرات”، مضيفاً: تعاطي المخدرات من قبل البعض يفاقم الخلافات الشخصية، وليس بعيداً عنها الحادثة التي جرت في الشمال السوري حين قتل مسلح عائلة أخيه وهو تحت تأثير المخدر.
المصدر: العربي الجديد