بغداد تعاني قفزة في أسعار المواد الغذائية والسلع المستوردة فقد أوردت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية أن العراقيين يعانون مع تدهور سعر صرف الدينار مقابل الدولار، ما أحدث قفزة في أسعار الأغذية والبضائع المستوردة. وينحي العراقيون باللائمة في ذلك الأمر، على تغير لم يلق كثيراً من الانتباه يتمثل بتغيير بسيط في سياسات وزارة الخزانة الأميركية وفرع “بنك الاحتياط الفيدرالي” في نيويورك. فبحسب مسؤولين عراقيين، فرض الأخير بداية من نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، ضوابط أكثر شدة على التحويلات الدولارية الدولية الصادرة من المصارف العراقية في خطوة تستهدف لجم تبييض الأموال والضخ غير الشرعي للعملة الخضراء إلى إيران وبلدان شرق أوسطية أخرى تخضع إلى عقوبات أميركية مشددة.
وكذلك لفتت الصحيفة إلى أن المصارف العراقية عملت في ضوء قواعد أقل تشدداً بعد غزو بلادها من قبل تحالف قادته الولايات المتحدة عام 2003. ووفق مسؤولين عراقيين، فقد أسهم تعاقب حكومات ضعيفة على مدى سنوات عدة، إضافة إلى اضطرابات امتدت من التمرد خلال الاحتلال الأميركي إلى استيلاء تنظيم “داعش” على أجزاء واسعة من البلاد، أسهم في دفع إدارات متعاقبة إلى أن تؤجل إلى الآن تحقيق امتثال القطاع المصرفي العراقي مع الممارسات العالمية الخاصة بتحويل الأموال.
وفي تحقيق صحافي، أشارت “وول ستريت جورنال” إلى أن تطبيق الإجراءات الأميركية الآنفة الذكر، أدى إلى وقف 80 في المئة في الأقل من التحويلات الدولارية اليومية العراقية التي بلغت أحياناً أكثر من 250 مليون دولار في اليوم، قبل تشديد الضوابط الأميركية عليها. ويعود وقف التحويلات لأسباب منها غياب المعلومات الكافية في شأن الجهات المتلقية أو مشكلات أخرى، وفق مسؤولين أميركيين وعراقيين وبيانات حكومية رسمية عراقية. ومع تضاؤل الدولارات المتداولة، هبط سعر صرف الدينار العراقي بنسبة 10 في المئة أمام الدولار، ما تسبب بزيادات حادة في أسعار البضائع المستوردة، بما في ذلك أغذية أساسية كالبيض والطحين وزيت الطهو.
وكذلك نقلت عن أحد المسؤولين السابقين في “المصرف المركزي العراقي”، قناعته بأن العراق “يتبع النظام نفسه منذ 20 سنة، لكن سياسة الصدمة التي بدأ الاحتياطي الفيدرالي الأميركي باتباعها تسببت بأزمة في الاقتصاد العراقي”. وبالتالي، فإن المجريات الأخيرة تبرز “العلاقة الحذرة لكن المتشابكة” بين واشنطن وبغداد. فمنذ أن ساعد الأميركيون العراقيين في إعادة تأسيس المصرف المركزي العراقي عام 2004، صار الدولار العملة الرئيسة في العراق لأن جزءاً كبيراً من اقتصاد البلاد يستخدم العملة الورقية الخضراء كنقد سائل في أعماله.
واستطراداً، لفتت “وول ستريت جورنال” إلى أن العراق يتلقى أوراق العملة الأميركية الخضراء عبر شحنات تصل جواً كل بضعة أشهر. في المقابل، ثمة كمية أكبر بكثير من تلك السيولة المباشرة، تتداولها المصارف الخاصة العراقية إلكترونياً، وليس ورقياً، استناداً إلى حسابات رسمية عراقية في “بنك الاحتياطي الفيدرالي” بنيويورك حيث تودع عوائد البلاد من مبيعات النفط. وكذلك يصر مسؤولون أميركيون على أن الضوابط الجديدة تجري بالتنسيق مع مسؤولين في “المصرف المركزي العراقي” منذ نوفمبر 2022. ويشير المسؤولون الأميركيون أيضاً إلى أن تلك الضوابط بعد سنتين من المناقشات والتخطيط بين “المصرف المركزي العراقي” ووزارة الخزانة الأميركية و”بنك الاحتياط الفيدرالي”. ويؤكدون أن تراجع سعر صرف الدينار أمام الدولار لا يحصل بسبب الضوابط.
في المقابل، أدى التدقيق الأميركي في التحويلات الدولارية العراقية إلى تسريع الطلب على العملة الخضراء في العراق. وأطلق أيضاً سلسلة من الانتقادات الحادة التي صدرت من مسؤولين ومصرفيين ومستوردين عراقيين. وقد تضمنت الانتقادات تشديداً على أن النظام الجديد تسبب بصدمة مالية غير ضرورية وفاقم متاعبهم الاقتصادية الحادة بالفعل، وفق الصحيفة نفسها. وفي ذلك السياق، نقلت “وول ستريت جورنال” عن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي تولى منصبه مع بدء تراجع قيمة الدينار، أن الإجراءات تضر بالفقراء وتهدد ميزانية حكومته لعام 2023. وشدد على أن الإجراءات تسببت له بالإحراج، مشيراً إلى أنه سيرسل وفداً إلى واشنطن الشهر المقبل لاقتراح تجميد الإجراءات ستة أشهر.
في الإطار عينه، أبدى بعض المسؤولين العراقيين المقربين من إيران، حدة فائقة في انتقاداتهم للتشدد المالي الأميركي. ومثلاً، نقل هادي العامري، الذي يرأس حزباً وميليشيات تدعمهما إيران، إلى السفير الفرنسي في بغداد، أن “الجميع يعرف أن الأميركيين يستخدمون العملة كسلاح في تجويع الشعوب”. وفي إطار متصل، ذكرت “وول ستريت جورنال” أن الإجراءات الجديدة تفرض على المصارف العراقية تقديم التحويلات الدولارية عبر منصة رقمية استحدثها “المصرف المركزي العراقي” أخيراً، ثم يتولى “الاحتياطي الفيدرالي” مراجعتها قبل الموافقة عليها أو رفضها.
واستطراداً، يستهدف ذلك الإجراء تقليص استخدام مصارف العراق في تهريب الدولارات إلى إيران وسوريا وملاذات تبييض الأموال في الشرق الأوسط، وفق توضيح من مسؤولين أميركيين. وقبل تطبيق الإجراءات، لم يكن أصحاب الحسابات المصرفية العراقية ملزمين الكشف عن الجهات التي يرسلون إليها الأموال إلا بعد وصولها. واستكمالاً، نقلت “وول ستريت جورنال” عن ناطقة باسم “بنك الاحتياطي الفيدرالي” في نيويورك أن حسابات الحكومة الأجنبية لدى المصرف، يتولاها “نظام امتثال متين في شأنها يتطور بالتفاعل مع ما يستجد من معلومات”. وأضافت تلك المسؤولة الأميركية أن الإجراءات تسعى إلى تقليص قدرة أطراف خبيثة على استخدام النظام المصرفي العراقي.
وأخيراً، يشار إلى امتناع “وزارة الخزانة الأميركية” و”المصرف المركزي العراقي” عن الرد على طلبات وجهتها الصحيفة إليهما تتعلق بذلك التحقيق الصحافي.
المصدر: اندبندنت عربية