باتت أخبار “ترحيل عشرات الشبان السوريين من تركيا إلى الشمال السوري” اعتيادية خلال الأشهر الماضية، وهو إجراء ترفض السلطات التركية وصفه بـ “الترحيل القسري”، وتؤكد أنه يأتي في إطار “العودة الطوعية” للسوريين من تركيا إلى بلدهم، وقد بلغ عدد العائدين تحت هذا المسمى 58 ألفاً و758 سورياً خلال العام الماضي 2022، وفقاً لإحصائيات إدارة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية التركية.
ولهذا الحدث خلفيات ومراحل متعددة ربما لم يتعمق السوريون في البحث والسؤال عنها، لكن الأشخاص الذين عانوا من مشقة الترحيل على دراية كافية بطبيعة ما يتعرض له المرحلون، ومن خلال تقاطع الشهادات يمكن القول إن المرحلة التي تلي الاعتقال وتسبق اجتياز البوابات الحدودية باتجاه سوريا، هي الأصعب والأكثر قساوة على المرحلين، فكم مدة هذه المرحلة؟ وأين يقيم المرحّلون خلالها؟ وما أبرز الخيارات بالنسبة لهم؟
توقيف ثم إلى “مراكز اعتقال جماعية”
زادت وتيرة ترحيل اللاجئين السوريين من تركيا إلى شمالي سوريا خلال العام الماضي، وكان انتقاء المُرحّلين شبه عشوائي، ومعظمهم يحملون بطاقات الحماية المؤقتة (الكيملك) وأذونات عمل، وطالبت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تركيا بألا تُجبر الناس على العودة إلى الأماكن التي يواجهون فيها أضراراً جسيمة، وحماية الحقوق الأساسية لجميع السوريين، بغض النظر عن مكان تسجيلهم، وألا تُرحّل اللاجئين الذين يعيشون ويعملون في مدينة غير تلك التي سُجّلت فيها هوياتهم وعناوين الحماية المؤقتة، إلا أن رئاسة الهجرة التركية قالت إن مزاعم إجبار السوريين على الخروج غير القانوني إلى بلدهم لا تعكس الحقيقة، مضيفة أنه في إجراءات العودة الطوعية يوقع السوريون على استمارات العودة بحضور شاهد، ويوجَّه الأجانب إلى البوابات الحدودية التي يريدون الخروج منها.
وعادة تظهر بوادر الترحيل بعد اعتقال الشخص السوري من مكان عمله أو في الطرق العامة، ثم اقتياده إلى أحد مراكز الترحيل، ثم إلى مخيمات وصفت بـ “السجون الكبيرة” جنوبي تركيا، تحتوي على آلاف السوريين ممن وضعوا أمام خيارين، إما البقاء في المخيم، أو التوقيع على أوراق العودة الطوعية، وهنا يلعب العامل النفسي دوره، خاصة في ظل عدم السماح بتوكيل محام.
وبناء على ما ذكره سوريون مرحلون تحدثوا لموقع تلفزيون سوريا، لا بد من الإشارة إلى أن تبرئة القضاء التركي لأي سوري متهم بارتكاب جرم سواء كان كبيراً أو صغيراً، لا يعني حريته، لأن الشرطة تقتاده من المخفر أو المحكمة إلى الهجرة التركية وهناك تبت الهجرة في أمره، فإما يتم ترحيله أو يطلق سراحه، ما يعني أن محاكمة ثانية يخضع لها السوري المتهم من قبل الهجرة التركية. فعلى سبيل المثال قال أحد السوريين المرحلين إن جاره التركي اشتكى عليه بسبب مكان ركن سيارته وعندما تبين للشرطة عدم وجود مخالفة من قبل السوري، تم تسليم الشاب للهجرة التركية لتتخذ قراراً بترحيله، من دون إمكانية الحصول على محام لأن العملية ليست قضائية، وإنما هي في النهاية قرار موظف الهجرة.
الشاب السوري “سامر” (اسم مستعار)، قال إنه فوجئ بتوقف بطاقة الحماية المؤقتة الخاصة به، فطلب موعداً لأجل تحديث البيانات، ونظراً لأن هذا الإجراء قد يستغرق فترة طويلة، بدأ يتنقل بناء على تصريح العمل الذي يملكه.
تصادف مرور “سامر” من ولاية عثمانية جنوبي تركيا، مع حملة تنفذها السلطات التركية لمكافحة الهجرة، فأوقفه حاجز مزود بحافلة لنقل المحتجزين، وطُلب منه النزول من السيارة، ثم اقتاده 3 عناصر أمن نحو المخفر، وعند وصوله احتجزوا الهاتف المحمول، ثم أدخلوه إلى غرفة التحقيق للاستجواب، ودعوه للتوقيع على ورقة العودة الطوعية إلى سوريا، فرفض على اعتبار أنه موجود في تركيا منذ 6 سنوات برفقة ذويه.
واقع الحال في مخيمات الترحيل
يروي “سامر” في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أنه في اليوم الثاني ذهب برفقة قوات الأمن إلى فرع الهجرة في ولاية عثمانية، وكان التعامل سيئاً، وطلبوا منه أيضاً التوقيع على أوراق العودة إلى سوريا، أو الذهاب إلى مخيم عثمانية، فاختار التوجه إلى المخيم، أملاً بتدارك الأمر من خلال التواصل مع محامين.
ينقسم المخيم إلى 3 فئات، وفيه نساء وأطفال، وفي أحد الأقسام هناك – بحسب سامر – عربات عسكرية وأجهزة إنذار، وطوق أمني، ونقاط حرس وكاميرات مراقبة، أشبه بالثكنات والقطع العسكرية، ويحتوي القسم على نحو 1000 إلى 1500 شخص.
يضيف الشاب: “أعلموني بإبطال الكيملك الأصفر، وسلموني بطاقة حماية مؤقتة بيضاء اللون، خاصة بالمخيم، واللافت أنني لاحظت وجود أشخاص كبار في السن أيضاً، أحدهم يبلغ 70 عاماً، وهناك أطفال بعمر 13 عاماً، كما يوجد شخص فلسطيني تم اعتقاله، ويحمل إقامة سياحية”.
وحول واقع المخيم يقول “سامر”: “أمضى بعض الأشخاص 6 أشهر في المخيم، وما زالوا داخله، لا توجد نقاط طبية، أو تحويل إلى المشفى، ويُمنع تسلّم أي شيء من الأهل إلا الأموال، وعند الساعة 12 ظهراً من كل يوم، تأتي دورية عسكرية وتطلب اجتماعاً لجميع النزلاء، ويتم العمل على إقناعهم بالتوقيع على أوراق العودة الطوعية، من خلال نشر اليأس بينهم، إذ يقولون، لن تخرجوا من هنا، لن يسأل عنكم أحد، لن تخرجوا من هنا إلا إلى سوريا”.
يخرج بشكل يومي نحو 20 شخصاً من المخيم نحو سوريا، بعد إقناعهم بالتوقيع على العودة، ومن يقتنعون، يتم اقتيادهم إلى مكان خاص بالتصوير، على أنهم شبان قرروا العودة حديثاً بشكل طوعي، ويجري العمل على تسهيل الإجراءات، مع استمرار الضغوط النفسية على الآخرين ضمن المخيم، من دون أن يسمح لهم بتوكيل محامين.
وعود لا تُغني عن الترحيل
اعتقلت السلطات التركية الشاب السوري أحمد زكور، بتاريخ 8 أيلول 2022 في إسطنبول، وبعدئذ نقلته إلى مخيم عثمانية، وعند وصوله وقّع على ورقة، جاء فيها: “مرحباً بكم في مركز عثمانية للإيواء المؤقت، وفقاً للقرار الذي اتخذته وزارة الداخلية سيتم أخذ قيود الحماية المؤقتة في مراكز الإيواء المؤقت اعتباراً من تاريخ 2022/06/09 والمقيدون الجدد مُلزمون بالبقاء في مركز الإيواء المؤقت ضمن نطاق المادتين 24 و33 من لوائح الحماية المؤقتة، مدة بقائكم هنا غير معروفة وسيتم تلبية احتياجاتكم الأساسية وخاصة الغذاء والصحة، وأنتم ملزمون بالامتثال لقواعد مركز الإيواء المؤقت، سيتم اتخاذ إجراءات قضائية وإدارية فيما يتعلق بمواقفكم وسلوكياتكم التي من شأنها أن تخل بنظام مركز الإيواء المؤقت، ونتيجة الإجراءات القضائية قد تواجه عقوبات تحددها السلطات القضائية أو قد يتم إلغاء قيدك بموجب المادة 8 من لوائح الحماية المؤقتة”.
الورقة نفسها تخاطب الوافد حديثاً إلى المخيم بالقول: “إذا كنت ترغب في العودة الطوعية فسيتم اتخاذ الإجراءات الخاصة بذلك، آخذين بعين الاعتبار الوضع في بلدكم، وستكون قادراً على الوصول إلى المعابر الحدودية، بالنسبة لأولئك الذين يرغبون في العودة الطوعية فإن الموظفين على استعداد لتلقي طلبك، أما أولئك الذين لا يريدون العودة سيقوم الموظفون بتوجيههم إلى المساكن مسبقة الصنع التي سيقيمون فيها هنا، إذا كان لديكم زوج / زوجة مسجل في تركيا، أو كان لديكم مرض مزمن قوموا بإخطار الموظفين”.
في سرده للتجربة داخل المخيم، قال “زكور” لموقع تلفزيون سوريا: “طلبنا من إدارة المخيم توضيح مصيرنا ولم يستجيبوا معنا، ووعدوا بدراسة ملفاتنا خلال مدة لا تقل عن شهرين ولا تزيد على 6 أشهر، أخبرونا بأنه لا يوجد خروج من المخيم إلا باتجاه سوريا، واحتجزتُ شخصياً 5 أشهر، وتم التحقيق معي من قبل الاستخبارات والجندرمة التركية، ووكّلت محامية، لكنها لم تستطع التدخل”.
وتابع: “وقّعت على أوراق العودة الطوعية منذ أيام قليلة، بعد أن استنزفت نفسياً ومعنوياً، وتم تصويري من قبل الشرطة خلال التوقيع، حيث رحبوا بنا، وأجلسونا في صالة، على أننا قدمنا حديثاً إلى المكان للعودة طوعياً لسوريا.
وتُبلغ إدارة المخيم الأشخاص الجدد أنهم سيقيمون في المكان ريثما تتم دراسة ملفات كل شخص، ويقول “زكور” إنه “أُعطي الكثير من الأمل والوعود، وعاش 5 أشهر من الضغوطات وحرق الأعصاب والاستنزاف، ما دفعه للتوقيع على العودة لسوريا، وتحديداً إلى مدينة تل أبيض بريف الرقة الشمالي”.
ما الغرض من مراكز الإيواء المؤقت؟
أضيفت مراكز الإيواء المؤقت (المخيمات) الموجودة في المناطق الجنوبية من تركيا، إلى مراكز الترحيل الموزعة على كامل الجغرافيا في البلاد (نحو 30 مركزاً).
وأفاد الناشط في مجال حقوق اللاجئين، طه الغازي، بأن هذه المراكز نشطت بالتزامن مع تصريح لنائب وزير الداخلية التركي والمتحدث باسم الوزارة، إسماعيل تشاتكلي، يعود لمطلع عام 2022، قال فيه إنه لن يجري منح إقامة سياحية أو بطاقة الحماية المؤقتة للسوريين الوافدين حديثاً إلى تركيا، “وسنأخذهم إلى المخيمات ونحقق معهم فيها، وسنرى ما إذا كانوا بحاجة إلى حماية مؤقتة أم لا”.
وأكد “الغازي” في حديثه مع موقع تلفزيون سوريا، أنه لا توجد مدة زمنية واضحة لبقاء هؤلاء الأشخاص في المخيمات، أو تقييم أوضاعهم للحصول على بطاقة الحماية، وهذا ما يفتح الباب أمام الضغوطات النفسية، التي تنتهي بإكراه الشخص على العودة لسوريا.
مركز عثمانية للإيواء المؤقت
وخلال الأشهر الماضية زادت عمليات الترحيل من تركيا، حتى لو كان الشخص يحمل بطاقة الحماية المؤقتة، وهذا ما شدد عليه “الغازي”، إذ قال: “لاحظنا أن قسماً من نزلاء هذه المخيمات يحملون بطاقة الحماية المؤقتة، وقد بتنا نجد هؤلاء الأشخاص هناك، لأن مراكز الترحيل الرسمية الـ30 في مختلف الولايات التركية امتلأت بالكامل”.
رسالة مبطنة للاتحاد الأوروبي
سبق أن أعلنت المفوضية الأوروبية، أنها قدمت دعماً لتركيا خلال العام الماضي 2022 بقيمة أكثر من مليار و200 مليون يورو، صُرفت على اللاجئين وضبط الحدود، وسط سعي من الاتحاد الأوروبي إلى تحديث الاتفاقية المبرمة مع أنقرة في العام 2016، التي وافق فيها الاتحاد على دفع مبلغ 6 مليارات يورو لصالح اللاجئين السوريين في تركيا، مقابل جهود أكبر من السلطات التركية لوقف تدفق المهاجرين نحو دول القارة الأوروبية.
وعندما تملأ رئاسة الهجرة التركية مراكز الترحيل، ثم مراكز الإيواء المؤقت باللاجئين السوريين، فهي بذلك تريد إيصال رسالة إلى الجانب الأوروبي، بأن أنقرة ملتزمة بمكافحة الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، بحسب اعتقاد “الغازي”.
وشدد الناشط في مجال حقوق اللاجئين، على أن المخيمات هذه تحتوي على نساء وأطفال منذ أشهر، وإلى الآن لم يتم البت في أمرهم، بما يتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان واللاجئين، كما يعد ذلك انتهاكاً صارخاً لكل هذه المبادئ.
وهناك جهود عن طريق المنظمات الحقوقية، واللجان المشتركة بين الجانبين السوري والتركي بهذا الخصوص، والتواصل قائم للنظر في حال هؤلاء السوريين، أفراداً وعائلات.
وبالرغم من أن السوريين في تركيا لم يحصلوا على صفة اللاجئين قانونياً، فإن نظام الحماية المؤقتة بني على مبادئ حقوق الإنسان واللاجئين، ولذلك يجب أن يتمتع السوري في تركيا (ممن يحمل الكيملك) بالحرية الفكرية، وحرية التنقل والإقامة وما شابه، ويشدد “الغازي” على أن تركيا ملزمة بعدم إعادة السوريين قسرياً إلى مناطق قد تشكل خطراً على حياتهم، بغض النظر عما إذا كان الشخص يحمل بطاقة الحماية المؤقتة أو لا.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا