لم يجِد النظام السوري سوى العودة من جديد إلى وصفة “حملات دعم الليرة”، مع إحياء مبادرة “ليرتنا عزتنا” التي سبق أن أُطلقت قبل نحو عامين، الأمر الذي أثار مخاوف التجار من عودة المداهمات وعمليات التفتيش ومصادرة البضائع للتضييق عليهم وإجبارهم على دفع المزيد من الضرائب.
وسجلت الليرة السورية خلال الأيام الماضية أدنى مستوى في تاريخها، بعد تجاوزها عتبة 6000 ليرة لكل دولار أميركي، ما انعكس على الأوضاع المعيشية والاقتصادية للمواطنين التي دخلت مرحلة غير مسبوقة من الغلاء، ودفع اقتصاديين للحديث عن إتجاه العملة المحلية نحو الانهيار الكامل خلال الربع الأول من العام المقبل، في ظل رفض حلفاء النظام دعمه بالقطع الأجنبي.
حملة بلا روح
يشكك اقتصاديون في نجاح المبادرة الحالية وعفويتها، خاصة وأنها تشبه نظيرتها التي أطلقت مطلع عام 2020، من خلال الحديث عن دعم العملة بالقطع الأجنبي من قبل التجار وإستعادة قيمة الليرة الواحدة بعد الارتفاع الجنوني لكتلة الأسعار، بداية من المواقع والصفحات المقربة من النظام، لتتبعها حملات دهم واعتقال لعشرات الصناعيين ورجال الأعمال وفرض مبالغ مالية ضخمة مقابل الإفراج عنهم.
ويستبعد الدكتور في الاقتصاد السوري كرم الشعار نجاح المبادرة الحالية في تحقيق أي من أهدافها المعلنة أو المخفية مقارنة بالحملة السابقة، مع فقدان الكثير من التجار إيمانهم بالخطاب الحكومي الذي يحمّل الحصار والعقوبات أسباب انهيار الليرة.
ويقول: “بات واضحاً زيادة الوعي المجتمعي في مناطق سيطرة النظام وطبقة التجار ورؤوس الأموال على وجه الخصوص بوجود فساد مستشرٍ ضمن هيكل الدولة وتغول بشار الأسد ودائرته بالقطاع الخاص وسيطرتهم عليه”.
ويشير الشعار، وهو مدير مركز السياسات وبحوث العمليات، إلى أن فرص نجاح مثل هذه المبادرات تكاد تكون معدومة، بسبب اعتمادها على مبدأ فرض الخوات (الإتاوات) من خلال إرسال بلاغات للتجار بمراجعة الأفرع الأمنية وتهديدهم مقابل دفع الأموال.
ويضيف أنه “عند طرح المبادرة لأول مرة عام 2020، كان التجار مؤمنين بفكرة تعرض البلاد لمؤامرة وحصار اقتصادي وأن من واجبهم الوطني المساهمة في دعم اقتصاد البلاد والعملة المحلية، إلا أن هذا الشعور قد تلاشى إلى حد كبير في الآونة الأخيرة حتى لدى الحاضنة الشعبية للنظام”.
حملات أمنية مرتقبة
وفور الإعلان عن إطلاق حملة “دعم الليرة السورية” عبر الحسابات والمواقع المقربة من النظام، سارع كثيرون من التجار للإعلان عن عروض تخفيضات وبنسب متفاوتة على منتجاتهم، خشية تعرضهم لحملات النظام الأمنية والدوريات الجمركية، في حين لجأ آخرون للتخلص من البضائع الأجنبية حتى المستوردة منها بطرق شرعية.
واعتبر أمين وهو صاحب متجر لبيع الأجهزة والمعدات الكهربائية في منطقة العبارة في حلب القديمة، أن الحملة الحالية تمهد لعودة مفارز التفتيش الاقتصادي والدوريات لملء الأسواق من جديد، بعد استراحة التجار منها لأشهر.
ويقول: “يدرك أصحاب محلات بيع المفرق (التجزئة) أنهم هدف لأي حملة أمنية جديدة، بعد استنزاف التجار والصناعيين الكبار وإجبارهم على دفع الإتاوات وإفلاس وتطفيش أكثرهم، وعليه فقد بدأ الكثير من أصحاب المحال بتصريف البضائع الأجنبية المهربة منها وحتى المجمركة، خشية ابتزازهم كما حدث مع التجار خلال حملات الجمارك السابقة، أو تحولهم لكبش فداء وتحميلهم أسباب انهيار الليرة وارتفاع الأسعار”.
ويشير إلى أنه ومنذ أسابيع يجري تناقل إشاعات عن وجود حملة مرتقبة ضد التجار والصناعيين، والتهديد بعودة دوريات التموين وتشديدها على الأسعار، بعد انهيار الليرة الذي بدأ فعلياً قبل ثلاثة أشهر وارتفاع أسعار مختلف أنواع السلع والبضائع.
الصرافون هدف روتيني
ومن المتوقع أن تكون مراكز الصرافة على قائمة المستهدفين خلال الحملة القادمة لتوافر القطع الأجنبي فيها، بعد فترة من غض الأجهزة الأمنية الطرف عن أعمالها، رغم قانون حظر التعامل أو تداول وامتلاك العملات الأجنبية، الذي أقره النظام، خارج مراكز الصرافة المرخصة.
وشهدت الأشهر القليلة الماضية تساهل حكومة دمشق مع الصناعيين والتجار في الحصول على العملات الأجنبية من مراكز الصرافة لتمويل عمليات الاستيراد، وذلك مقابل نسبة فائدة تقتطعها المراكز بحسب المبلغ المطلوب، إضافة إلى رفع بعض المراكز قيمة الحوالات الخارجية ومقاربتها من سعر صرف الدولار في السوق السوداء، لتشجيع السوريين المقيمين في الخارج على إرسال مبالغ الإعانة الشهرية لأقاربهم في الداخل عن طريق القنوات المرخصة.
ومع ذلك، لا يجد صرافو السوق السوداء أنفسهم بعيدين عن دائرة الخطر، خاصة وأن الكثيرين منهم قد تخلوا عن حرصهم المبالغ فيه وبدأوا بمزاولة عملهم بصورة شبه علنية، بعد تهاوي قيمة الليرة المستمر حتى اليوم.
على خلاف التهم الموجهة لحكومة دمشق بالتخلي عن مسؤوليتها في حماية الليرة ودعمها، يرى كثيرون من الاقتصاديين أن النظام يحاول بشتى الطرق تقليل وتيرة انحدار العملة السورية، خاصة وأنها تمثل قيمة سيادية بالنسبة له، إلا أن رفض حلفائه دعمه بالقطع الأجنبي دفعه لمعاودة الضغط على التجار رغم مخاطر هذه الخطوة التي قد تنعكس آثارها عليه بشكل مباشر.
المصدر: المدن