قامت السلطات التركية، الأسبوع الماضي، بترحيل 15 أسرة من اللاجئين السوريين المقيمين في العاصمة أنقرة، إلى الشمال السوري، عبر معبر “باب السلامة” الحدودي الخاضع لسيطرة المعارضة، رغم عدم مخالفة أي منهم للقوانين، وامتلاكهم بطاقة الحماية المؤقتة “كيملك”، وتحديث بياناتهم.
كان المرحّلون السوريون يقطنون حي “كهرمان كازان”، ومن بينهم عمار الشلبي، وأحمد الجاسم، واللذان أكدا أن قوات الأمن المدججة بالسلاح اقتحمت منزليهما في الخامسة والنصف صباحاً، وتم اقتيادهم من أنقرة إلى سجن “أوزلي” بولاية غازي عنتاب، وهناك تم خداعهم للتوقيع على أوراق الترحيل.
ويؤكد المرحّل السوري عمران أحمد صوان، لـ”العربي الجديد”، في اتصال هاتفي من شمال غرب سورية: “نحن من عفرين، وجاءت قوات أمنية تركية قبل يومين من ترحيلنا إلى المنزل، وسألتنا عن (كيملك)، وكانت جميع أوراقنا الرسمية قانونية ومحدّثة، لنفاجأ بعد يومين بدخول قوات مسلحة بيوتنا فجراً، ونقلنا إلى المخفر، قبل أن ينقلونا إلى سجن بمدينة أنقرة، وكانت المعاملة سيئة، والطعام بالكاد يسد الرمق، ومن دون أي تحقيق أو استجواب، تم نقلنا إلى مركز أوزالي بولاية غازي عنتاب، ليبصمونا على أوراق الترحيل بشكل مخادع. قالوا لنا وقّعوا على الأمانات التي بحوزتكم لتستردوها أثناء المغادرة، لنفاجأ لاحقاً أننا وقّعنا على قرار ترحيل. أمتلك محل حلاقة رجالي بالحي، ولدي (كيملك)، ومسجل في التأمينات، ولا يوجد ضدي أي تهمة أو شكاية، رغم أنني في تركيا منذ أكثر من أربع سنوات”.
معظم أفراد العائلات المرحلة يمتلكون بطاقات حماية مؤقتة أو تراخيص عمل
تعيد المرحّلة السورية جميلة حمدو، من كفرناها، الرواية ذاتها، إذ تم سؤالها من قوات الأمن قبل الترحيل عن “كيملك”، وكانت البيانات “سليمة ونظامية”، لتفاجأ بدخول قوات الأمن فجراً إلى بيتها، وتساق مع أطفالها الثلاثة إلى الحجز. “سمحوا لي بحمل النقود ومحفظة اليد فقط، وصادروا الهواتف، بعدها نقلونا من أنقرة إلى مركز الترحيل في غازي عنتاب، وقد وكّلت محامية تركية بناء على نصائح المعتقلين، لكن تم ترحيلنا قبل وصول المحامية، ولا تزال تشتغل على قضيتنا حتى الآن”.
وتضيف حمدو: “لم أرتكب، أو أي من أولادي أية مخالفات، اثنان منهم يعملان في منشرة خشب، والثالث طالب بمدرسة إمام خطيب، وليس لدي مأوى في الشمال السوري، وحاليا أتنقل بين بيوت المعارف والأقارب في منطقة جندريس، وأنتظر العودة إلى تركيا”.
ويقول الناشط الحقوقي طه الغازي، لـ”العربي الجديد”: “ما جرى هو سابقة خطيرة، لا شيء يمنع تعميمها إن لم نرفع أصواتنا للمطالبة بتطبيق القانون، وإلا فلا يستبعد لاحقاً أن يقوم سكان أي حي أو منطقة بالشكاية على الأسر السورية، ليتم ترحيلها بشكل جماعي”.
ينص القانون التركي على أن قرار الترحيل يدخل حيز التنفيذ بعد 7 أيام من التوقيف
ويشير الغازي إلى أن ترحيل العائلات السورية من أنقرة يشجع العنصريين والأحزاب المعارضة على استخدام ورقة اللاجئين، واختلاق ذرائع لترحيلهم، مبيناً أن “الشمال السوري لا يضم شروط العيش الآمن، ما يجعل الترحيل مخالف لقانون الحماية المؤقتة. معظم أفراد العائلات المرحلة يمتلكون بطاقات حماية مؤقتة، وبعضهم يمتلكون تراخيص عمل لأنهم يمتلكون عقود إيجار لمحال وورشات، وأجبروا على ترك ممتلكاتهم على نحو مخالف للقانون، إذ ينص القانون على أن قرار الترحيل بحق أي لاجئ سوري يدخل حيز التنفيذ بعد 7 أيام من تاريخ توقيفه، بينما تم ترحيل العائلات السورية بعد أقل من 72 ساعة على توقيفهم، ولا يعرف مصير ممتلكات العائلات والأفراد، ولا الجهة المخوّلة التصرف في هذه الممتلكات”.
ويقول الناشط أحمد قطيع لـ”العربي الجديد”، إن “إدارة الهجرة تصرفت بشكل غير قانوني، ورحلت أسرا كاملة من دون حتى إتاحة الفرصة للدفاع عن نفسها، أو معرفة سبب الترحيل، ونقل أو بيع الممتلكات الشخصية، وحين عرفت جهات الترحيل أن بعض السوريين وكّلوا محامين، سارعت بترحيلهم قبل وصول المحامي إلى مركز الترحيل، كما أن التوقيع على قبول قرار الترحيل تم بالإكراه، أو عبر الخداع، وليست هذه أول مرة يتم خداع المرحلين، فلدينا أمثلة عدة”.
يضيف قطيع أنهم تواصلوا مع الهيئة السورية التركية المشتركة، وهي مطالبة كما السلطات التركية، بإصدار بيان توضيحي، لأن مخاوف الترحيل تطاول جميع السوريين في تركيا، مرجحاً أن الترحيل يأتي بالتوازي مع اقتراب الانتخابات، كي ترضي الحكومة المعارضة بذريعة تخفيف المشاكل، خاصة في العاصمة أنقرة، وبعد أحداث حي “ألتنداغ”، والذي شهد خلال العام الماضي، أعمال شغب بعد مقتل شاب تركي على يد سوريين، أدت إلى اعتقال الشرطة 76 تركياً بتهم الاعتداء على بيوت ومحال اللاجئين السوريين.
وقالت مسؤولة التواصل في اللجنة السورية التركية المشتركة التابعة للائتلاف السوري المعارض، إيناس النجار، لـ”العربي الجديد”: “تواصلنا مع العائلات السورية المرحلة، وجمعنا قائمة بأسماء الأشخاص وأهاليهم، وقدمناها إلى رئاسة الهجرة التركية، مع مذكرة معلومات حول الآلية التي تم ترحيلهم بها، وننتظر التوضيح من قبلهم. لا يوجد جواب بعد لأن القرار بيد رئاسة الهجرة”.
وشكلت رئاسة الهجرة التركية في الثامن من الشهر الجاري، لجنة مكونة من 11 شخصا لتمثيل اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا ونقل مشاكلهم ومتابعة قضاياهم، بعد اجتماع عُقد في مدينة إسطنبول، حضره ممثلون عن السوريين من 11 ولاية.
ويرجح المحلل التركي المختص بشؤون اللاجئين السوريين، جلال دمير، أن يكون سبب ترحيل العائلات السورية “أمنياً” بسبب طريقة الترحيل، وربما يتعلق بالانتماء إلى تنظيمات ممنوعة، أو توجد شكايات لدى الأمن. لكنه يستطرد: “وفق القانون، لا يتم الترحيل بهذه السرعة، حتى في وجود مخالفات قانونية، أو عدم امتلاك لأوراق نظامية، الأمر الذي يرجّح وجود سبب أمني”. ويضيف دمير الذي كان مديراً لمخيم للاجئين، وهو حالياً مدير بيت الإعلاميين العرب: “تم إرسال ملاحظة لرئاسة الهجرة، إذ لا يمكن ترحيل عائلات من دون سبب. الأمن لا يرحل، بل يسلم إلى الهجرة”.
وبحسب مصادر تركية رسمية، عاد نحو 550 ألف لاجئ سوري إلى بلادهم ضمن خطة “العودة الطوعية”، من بين نحو 3 ملايين و700 ألف سوري، من بينهم 97 ألفاً لديهم تصريح إقامة سياحية أو إنسانية، في حين لا يزيد عدد السوريين المقيمين بالمخيمات داخل تركيا عن 52 ألف لاجئ.
بدوره، يرجح عضو حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، يوسف كاتب أوغلو، إمكانية تورط العائلات المرحلة في أحداث “ألتنداغ”، أو وجود مشاكل لدى أولاد الأسر المرحلة تتعلق بقانون الانضباط، لأن وجود “كيملك” وحده ليس ضماناً للاجئين إن كان ثمة حالات أمنية أو قانونية.
وحول الخشية من استغلال الانتخابات لترحيل السوريين جماعياً، يقول كاتب أوغلو لـ”العربي الجديد”: “لو أن الحكومة التركية تنصاع لمطالبات المعارضة بترحيل السوريين، لكانت رحلتهم من الولايات الحدودية مثل عنتاب وأورفا ومرسين، والتي تزيد نسبة السوريين في بعضها عن نسبة الأتراك. لا أستبعد أن بعض عناصر الأمن، أو بعض عناصر إدارة الهجرة تصرفوا تعسفياً، وعلى العائلات السورية توكيل محامين أتراك للدفاع عن حقوقهم، وإعادة المرحلين إن لم يكن عليهم جرائم أو مخالفات، وثمة أمثلة ظلمت، وعادت بالقانون”.
ويستغرب المرحل السوري أحمد الديري، من تكرار البعض تهمة الإرهاب، مؤكداً أن الأمن التركي ساقه مع أسرته فجراً إلى مديرية الأمن في أنقرة، ومن ثم إلى غازي عنتاب، وخدعوهم للتوقيع على قرارات الترحيل. مضيفاً أن لديه “كيملك” صادرا من أنقرة، ولا يوجد عليه أي تهمة أو شكاية، ورغم ذلك رحلوه مع أسرته ونحو 20 أسرة أخرى في نفس اليوم.
ويقول الناشط طه الغازي، إن التهم الأمنية للعائلات المرحلة ما هي إلا “ادعاء كاذب”، وإنه من غير المنطقي اتهام أطفال رضّع بالإرهاب لتبرير الترحيل، مضيفاً أن “الترحيل مخالف للقانون، فحتى لو كانت التهم أمنية، فلا بد من التحقيق ومنح الفرصة للدفاع عن النفس قبل العقاب. أخشى أن تكون حملات الترحيل الجماعي من أنقرة مرحلة ثانية من قرار التخفيف، إذ شهدنا في المرحلة الأولى قفل أحياء كاملة في وجه السوريين في جميع الولايات”.
وتواصل تركيا ما تسميه “العودة الطوعية”، والتي اعتبرها رئيس تجمع المحامين السوريين في تركيا، غزوان قرنفل، مخالفة لالتزام الدولة التركية تجاه المواثيق والقوانين المتعلقة بحقوق اللاجئين، خصوصاً وأن عناصر المنطقة الآمنة غير متوفرة في الشمال السوري، موضحا أن “مشروع عودة السوريين إلى شمال غربي سورية ستكون له ارتدادات على عموم السوريين في بلدان اللجوء، خاصة لبنان والأردن، لتمتد الفكرة إلى البلدان الأوروبية التي بدأت التضييق على اللاجئين السوريين”.
وأنكرت رئاسة الهجرة التركية تقارير المنظمات الحقوقية التي وثّقت عمليات ترحيل قسرية فرِضت على بعض اللاجئين السوريين، وأكدت خلال تصريحات أن السلطات التركية لم ولن ترحّل أي لاجئ سوري بشكل تعسفي أو قسري، كما أن عودة السوريين “طوعية وتوافق القوانين الدولية”.
في المقابل، أكدت مصادر لـ”العربي الجديد”، أن السلطات التركية طلبت من إدارة المعابر التي تديرها “الحكومة السورية المؤقتة”، عدم ذكر عبارة “الترحيل” ضمن إحصاءاتها الشهرية لحركة العبور بين تركيا وسورية، والاستعاضة عنها بعبارة “العودة الطوعية”.
المصدر: العربي الجديد