رغم منعه من الظهور على وسائل الإعلام الرسمية في إيران منذ عام 2009، عاد الرئيس الأسبق محمد خاتمي إلى الواجهة، منذ انطلاق “احتجاجات مهسا” منتصف سبتمبر/أيلول الماضي؛ إذ كشفت آراؤه الإصلاحية عن ثنائية “الأمن والحرية” من جهة وعن انقسام في المعسكر المحافظ من جهة أخرى؛ بين من يرى فيه صمام أمان لتفريغ الاحتقان الشعبي وبين آخرين يُحمّلونه مسؤولية أزمات البلاد.
وبعد أن انتقدت شريحة كبيرة من المحتجين الغاضبين قبل أسبوعين، تصريحات خاتمي بشأن “استحالة الإطاحة بالنظام الإيراني”، وجدت شخصيات محافظة ووسائل إعلام محسوبة على التيار التقليدي ذريعة في بيان رئيس حكومة الإصلاحات بمناسبة يوم الطالب الجامعي لمهاجمته.
وعشية السابع من ديسمبر/كانون الأول الجاري، أصدر خاتمي بيانا خاطب فيه الوسط الأكاديمي في بلاده بمناسبة يوم الطالب الجامعي، وطالبه بألا يسمح بوضع الحرية والأمن في مواجهة بعضهما، مضيفا أنه يجب ألا يُداس على الحرية من أجل المحافظة على الأمن، وكذلك ينبغي عدم تجاهل الأمن باسم الحرية.
وفي بيانه، أكد الرئيس الإيراني الأسبق تأييده للاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ 3 أشهر، واصفا شعارها الأبرز “المرأة، والحياة، والحرية” بـ”الرائع” وأنه “رسالة تعكس التحرك باتجاه مستقبل أفضل”.
رسائل بدون رد
وأثارت تعليقات خاتمي على الاحتجاجات المتواصلة في بلاده إلى جانب استقباله وفودا حزبية ومجتمعية، تكهنات بشأن احتمال عودته إلى الساحة السياسية في إيران، ما دفعنا للتوجه بالسؤال إلى محمد علي أبطحي، مسؤول مكتب الرئاسة في حقبة خاتمي، وجاء رده بالنفي الصريح.
وأوضح أبطحي -للجزيرة نت- أن مواقف الرئيس الأسبق الأخيرة تأتي انطلاقا من حرصه على سيادة البلاد وإيمانا منه بجدوى الإصلاحات في إخراج الدولة من الأزمات، مؤكدا أن التيار الإصلاحي لم يناقش بعد خوض الانتخابات المقبلة.
واستبعد المسؤول الإصلاحي السابق إصغاء الطبقة الحاكمة لنصائح خاتمي في المرحلة الراهنة، معللا ذلك بعدم رد المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي على 3 رسائل سبق أن بعث بها خاتمي إليه بشأن إدارة البلاد.
وانتقد أبطحي الجمود السياسي لدى بعض المؤسسات والأوساط السياسية في بلاده، مؤكدا أن معارضة السلطة مع تغيير القوانين السابقة وسن قوانين تتماشى ومقتضيات العصر والمجتمع، سبب رئيس وراء انعدام الأمل لدى الأجيال الحديثة ودفعها للاحتجاج.
وخلص المسؤول الإصلاحي السابق، إلى أن الطبقة الحاكمة دمّرت كل الجسور أمام عودة التيار الإصلاحي إلى معترك السياسة وقضت على كل قنوات التواصل معه، في حين كان بإمكانها الاحتفاظ بهذه الشريحة السياسية الوازنة لتكون رابطا ووسيطا بينها وبين الحراك الاحتجاجي على أقل تقدير.
بين الترحيب الخجول والمهاجمة
ورغم نفي أبطحي عزم خاتمي على العودة إلى الساحة السياسية، إلا أن ذلك لم يمنع شخصيات ووسائل إعلام محافظة من مهاجمة خاتمي واتهامه بالعمل على حساب الأمن القومي، لكنها كشفت في الوقت ذاته عن انقسام في المعسكر المحافظ بشأن كيفية التعامل مع التيار الإصلاحي على وقع الاحتجاجات الأخيرة.
وتأتي انتقادات النائب المحافظ جواد كريمي قدوسي ورئيس تحرير صحيفة كيهان المقربة من مكتب المرشد الإيراني ووسائل إعلام محافظة أخرى؛ بعد أيام قليلة فقط على إشادة صحيفة “صبح صادق” التابعة للحرس الثوري بمواقف خاتمي من التطورات الأخيرة؛ حيث طالبته بلعب دور إيجابي أكبر لتفويت الفرصة على من وصفتهم بالمتربصين بالبلاد.
الباحث السياسي، يوسف آكنده، اعتبر انقسام المحافظين بخصوص الترحيب بعودة التيار الإصلاحي إلى الساحة السياسية أو الإصرار على إقصائهم، نابعا من خطأ في حساباتهم بشأن خطورة المرحلة الراهنة، مؤكدا أنه الأفضل بالإصلاحيين عدم العودة إلى الساحة السياسية أصلا بعد خسارة شعبيتهم بفعل الدعاية السلبية التي تعرضوا لها خلال أكثر من عقد.
ثنائية الأمن والحرية
وفي معرض قراءته لمواقف خاتمي الأخيرة، أوضح آكنده -للجزيرة نت- أن بيان خاتمي الأخير وتأييده للاحتجاجات كشف عن ثنائية “الأمن والحرية” بالمجتمع الإيراني، مؤكدا أن الرئيس الأسبق كرر في بيانه ما كان قد عرضه قبل أكثر من عقدين بشأن ثنائية “الدين والحرية”.
وأوضح الباحث الإيراني أن بعض الأوساط أخطأت في تفسير بيان خاتمي واعتبرته دعوة لترجيح الحرية على الأمن، في حين أنه يريد إرسال رسالة بأنه لا يمكن تقييد الحرية من خلال وضعها مقابل الأمن أو الدين.
وتابع يوسف آكنده، أن الحريات الشخصية تشكل حافزا كبيرة للشريحة المحتجة التي تقمع هذه الأيام بذريعة العمل على حساب الأمن القومي، وهذا ما يؤكد صوابية آراء الإصلاحي محمد خاتمي التي يطالب بالموازنة بين الأمن والحرية وعدم الإضرار بإحداهما بذريعة المحافظة على الأخرى.
وختم بالقول إن اعتبار التيار الإصلاحي صمام أمان للنظام الإيراني من أجل تفريغ الاحتقان الشعبي لم يعد معروضا، وإن المحتجين يهاجمون الإصلاحيين من هذا المنطلق ويرونهم عاملا مساعدا للنظام، ولا أمل بالالتفاف الشعبي حولهم بعد الاحتجاجات المتواصلة.
المصدر: الجزيرة. نت