تعتبر واشنطن الجهود التي تبذلها الصين لإرساء واقع جديد في منطقة الهندي والهادئ، التحدي الأكبر لها.
من المبكر جداً التنبؤ بتداعيات إيجابية لمثل هذه اللقاءات التي تهدف برأيه فقط إلى “تجنب انزلاق الأمور أكثر”.
الجنرال الصيني المتقاعد ياو يونزو، اعتبر أن “المواجهة بين البلدين تواصل الصعود، ولذلك فإنّ من الصعب إهمال إمكانية حصول مواجهة بحرية”.
* * *
تتوالى اللقاءات الصينية – الأميركية، بوتيرة متسارعة هذه الأيام، بعد فترة من التوتر الشديد، إثر زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، جزيرة تايوان، في 2 أغسطس/ آب الماضي، وما تبعها من مناورات صينية غير مسبوقة في مضيق تايوان.
وتدل هذه اللقاءات على سعي الطرفين لخفض مستوى التشنج في العلاقات، رغم بقاء جميع مقومات التوتر بينهما حاضرة، أبرزها التنافس الاقتصادي، وتحول مياه المحيطين الهادئ والهندي إلى ساحة اختبار متواصلة لمناورات صينية أو صينية روسية، أو غربية متعددة الأطراف، أو “استفزازات” كلا الطرفين، بحسب الآخر، في بحر الصين الجنوبي.
أميركا والصين: تنافس أو مواجهة
وفيما اجتمع الرئيس الأميركي جو بايدن مع نظيره الصيني شي جين بينغ، على هامش قمّة العشرين في بالي الإندونيسية، في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، التقت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس شي أول من أمس السبت على هامش قمة “أبيك” (منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ) في تايلاند. أما وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، فمن المقرر أن يزور بكين مع بداية العام المقبل.
ورغم تأكيد بايدن أن سياسة بلاده تجاه المسألة التايوانية لم تتغير، إلا أن مواصلة واشنطن التصويب على سلوك الصين بما يتعلق بحقوق الإنسان، أو حلّ القضية التايوانية “سلمياً”، يزعج بكين التي تتوجس من التدخلات الأميركية في شؤونها الداخلية.
وهو ما ينذر بأن أي ملف بين البلدين يبقى قابلاً للاشتعال في أي وقت، رغم سعي أميركا لحلّ المسألتين الروسية والكورية الشمالية، بمساعدة بكين.
وبعد أيام قليلة من لقاء بايدن وشي، عادت هاريس، لتلتقي شي أول من أمس السبت. ووضعت هاريس، أمس، من بانكوك، العلاقة بين البلدين في إطار “التنافس المرحّب به” بعيداً عن “المواجهة”.
وكانت هاريس قد نقلت إلى شي السبت رسالة من بايدن، مفادها “بأننا نعتزم الإبقاء على خطوط الاتصال مفتوحة، لأن ذلك في مصلحة العالم وكلتا الدولتين”.
وجاء كلام هاريس، بعدما أكد بايدن إثر لقائه شي، أنه لن تكون هناك “حرب باردة جديدة” بين بلديهما. من جهته، أوضح شي أن الاجتماع مع نظيره الأميركي “كان استراتيجياً وبنّاءً وله أهمية توجيهية كبيرة للمرحلة التالية من العلاقات”.
وأعرب عن أمله في “أن يعمل الجانبان على تعزيز التفاهم المتبادل، والحدّ من سوء التفاهم والتقدير، والمشاركة في تقوية العلاقات للعودة إلى مسار جيّد ومستقر”.
ويبدو أن لدى الطرف الصيني رغبة قوية في عودة تفعيل قنوات التواصل مع الولايات المتحدة ومنح الحوار فرصة، وحلّ المسائل الكثيرة العالقة عبر الدبلوماسية، ولا سيما بعدما ضمن شي ولاية ثالثة، وعزّز قبضته داخلياً.
كذلك غدت الدبلوماسية أكثر إلحاحاً بالنسبة إلى بكين، التي ترى حليفتها روسيا تغرق في المستنقع الأوكراني ومحاصرة بالعقوبات، وهو ما تدرك بكين تداعياته المؤلمة على صعودها الاقتصادي.
اجتماع عسكري رفيع
ولذلك ربما لم تعر الصين اهتماماً لكلام وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، حين حذّر أول من أمس السبت، في كلمة له بمنتدى هاليفاكس الدولي، في كندا، من أن الصين وروسيا تسعيان إلى عالم “تُستخدم فيه القوة لحلّ النزاعات”، متعهداً أن تواصل بلاده “الدفاع عن المبادئ الإنسانية والقانون الدولي”.
وقال أوستن إن “بكين، على غرار موسكو تسعى إلى عالم الغلبة فيه للأقوى، وتحلّ فيه النزاعات بالقوة، ويمكن فيه الحكّام المستبدين أن يطفئوا شعلة الحرية”.
وأشار إلى أن الحرب الروسية على أوكرانيا “سلّطت الضوء على التحدي الذي نواجهه في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث تدفع الصين أيضاً باتجاه بعيد جداً عن رؤيتنا لنظام دولي حرّ ومستقر ومنفتح”. ورأى أن أنشطة الصين حول تايوان “استفزازية بشكل متزايد”.
وتعتبر واشنطن الجهود التي تبذلها الصين لإرساء واقع جديد في منطقة الهندي والهادئ، التحدي الأكبر الذي تواجهه الولايات المتحدة. وربط أوستن بين التحديين الصيني والروسي، وقال إنه إذا تمكنت دولة ما من الإفلات من المحاسبة عن الانتهاكات، ستحذو حذوها دول أخرى. وحذر من أن انتهاك قوة عظمى لـ”قواعد الحرب” سيشجّع دولاً أخرى “على تحدي القانون الدولي والمعايير الدولية”.
ولم يبدّد كلام أوستن تصميم بكين على توسعة قنوات الحوار، وجعلها على أعلى مستوى. إذ يعتزم وزيرا دفاع البلدين، أوستن ونظيره الصيني وي فنغ خه، اللقاء بعد غدٍ الأربعاء، على هامش اجتماع وزراء الدفاع في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في كمبوديا. وأكدت بكين أمس الأحد، أنها منفتحة على مثل هذا اللقاء.
وأصدرت وزارة الدفاع الصينية بياناً نقل عن المتحدث باسم الوزارة تان كيفي، قوله إن “الصين تتبنى موقفاً منفتحاً وإيجابياً من تبادل الآراء مع الولايات المتحدة”، لافتاً إلى أن الجانبين ينسقان بشأن “تبادل الآراء” في منتدى كمبوديا. وأكد الوزيران بشكل منفصل أنهما سيحضران اجتماع “آسيان”.
وسيكون هذا أول اجتماع عسكري رفيع المستوى بين الصين والولايات المتحدة منذ أن أوقفت بكين الحوار المنتظم بين القادة العسكريين في البلدين في أغسطس الماضي، رداً على زيارة بيلوسي لتايوان.
واعتبرت صحيفة “ساوث تشاينا مورنيغ بوست”، أمس، تعليقاً على تواتر اللقاءات الصينية الأميركية، وإمكانية التهدئة، نقلاً عن خبراء، أن “العبارات الودودة والمصافحات الحارة” بين البلدين، لا تعني أن “التوترات قد ذهبت”.
ولفت الباحث الأمني الكبير في معهد السياسات الاستراتيجية في كانبيرا، مالكولم دافيس، للصحيفة، إلى أن “نقاط الخلاف في العلاقة لم تزل”، مضيفاً أن “مسألتي بحر الصين الجنوبي وتايوان هما من بين هذه النقاط”.
واعتبر أن لا تغيير في سلوك الصين في بحر الصين، كذلك لا تغيير في سلوك الولايات المتحدة وحلفائها كاليابان، ولذلك “لا تغيير جوهرياً حتى الآن”.
من جهته، اعتبر الخبير في العلاقات الصينية الأميركية ليو ويدونغ، من الأكاديمية الصينية للعلوم السياسية، في حديث للصحيفة، أنّ من المبكر جداً التنبؤ بتداعيات إيجابية لمثل هذه اللقاءات التي تهدف برأيه فقط إلى “تجنب انزلاق الأمور أكثر”.
وذكّرت الصحيفة بكلام الجنرال الصيني المتقاعد ياو يونزو، اعتبر فيه في وقت سابق هذا الشهر، أن “المواجهة بين البلدين تواصل الصعود، ولذلك فإنّ من الصعب إهمال إمكانية حصول مواجهة بحرية”.
المصدر: الخليج الجديد