نظرة عن قرب على المسيرة السياسية لرئيس الوزراء العراقي الجديد وانتماءاته السابقة وأبرز خياراته في الحكومة وسط مساعيه الرامية إلى الموازنة بين علاقاته مع الجماعات الموالية لإيران والمسؤولين الأمريكيين الحذرين.
حين منح مجلس النواب العراقي الثقة لمحمد شياع السوداني كرئيس للوزراء الشهر الماضي، أنهى بذلك عملية تشكيل الحكومة التي دامت عاماً كاملاً وشلّت البلاد، وأشار إلى تغييرات وشيكة في المناصب الحكومية الرفيعة والمهمة بالنسبة للعلاقات مع الولايات المتحدة. إلا أن وسائل الإعلام الغربية لم تذكر سوى القليل عن السوداني نفسه. فما هي الخلفية الشخصية والسياسية لرئيس الوزراء العراقي وبأي نوع من المسؤولين يحيط نفسه وسط ظهور معالم حكومته الجديدة؟
المسيرة السياسية
حصل السوداني، الذي هو مسلم شيعي وُلد في بغداد عام 1970، على درجة البكالوريوس في العلوم الزراعية من جامعة بغداد عام 1992 وعلى درجة الماجستير في إدارة المشاريع عام 1997. وخلال طفولته، أعدم نظام صدام حسين والده إلى جانب خمسة آخرين من أفراد عائلته بتهم الانتماء إلى “حزب الدعوة” المحظور، وهو فصيل إسلامي مقرّب من إيران. وقد أصبح السوداني نفسه ناشطاً في الحياة السياسية في سنّ مبكرة وشارك في الانتفاضات الشيعية التي أعقبت حرب الخليج عام 1991. ولاحقاً، عمل مع حكومة صدام كمشرف على مشاريع زراعية كبيرة.
وبعد نشأته في محافظة ميسان، بدأ السوداني مسيرته السياسية هناك في عام 2004 فور الإطاحة بنظام صدام. وبعد أن كان قائم مقام مدينة العمارة، انتُخب محافظاً للمحافظة عام 2009. ومن ثم، شغل العديد من المناصب الوزارية في حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي، الذي هو عضو زميل في “حزب الدعوة”، منها: وزير حقوق الإنسان (2010-2014) ووزير المالية بالوكالة (2014) ووزير الهجرة والمهجرين بالوكالة (2014) ووزير العمل والشؤون الاجتماعية (2014) ووزير التجارة بالوكالة (2015) ووزير الصناعة والمعادن بالوكالة (2016). وفي أعقاب احتجاجات تشرين الأول/أكتوبر 2019 التي أسفرت عن استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، اعتُبر السوداني مرشحاً لمنصب رئيس الوزراء ولكنه انسحب بعد أن تبيّن أن مصطفى الكاظمي هو المرشح الأوفر حظاً.
وبخلاف معظم أفراد النخبة السياسية الحالية في البلاد، بقي السوداني في العراق طوال حياته ولم يعش في المنفى خلال حكم صدام حسين. في المقابل، أقام الكاظمي بين الولايات المتحدة ودول غربية أخرى قبل أن يعود إلى وطنه بعد عام 2003، حتى أنه حصل على الجنسية البريطانية.
تشكيل مجلس الوزراء
بالنظر إلى نفوذ طهران الكبير في بغداد، يتعامل السياسيون العراقيون بحكم الضرورة مع شخصيات مدعومة من إيران، بمن فيها تلك المرتبطة بكيانات خاضعة لعقوبات أمريكية. ولا يشكّل السوداني استثناءً، فخلال الأشهر الأخيرة، على سبيل المثال، التقى بسياسيين بارزين موالين لإيران على غرار حسين مؤنس، رئيس حزب “حركة حقوق”. ولم يكن هذا الاجتماع مفاجئاً لأن الحزب يخضع لإدارة ميليشيا “كتائب حزب الله” المصنفة كجماعة إرهابية، والتي هي من أبرز عناصر “الإطار التنسيقي” الذي يشرف على ائتلاف الأغلبية في مجلس النواب العراقي والذي ساهم فعلياً في وصول السوداني إلى رئاسة الوزراء بعد تفوق “الإطار” بدهاء على فصائل منافسة.
وعلى نحو مماثل، شملت التعيينات الأولى في حكومته وفريق عمله أفراداً مرتبطين بوكلاء لإيران خاضعين للعقوبات:
الإعلام والتعليم: سيرأس مكتبه الإعلامي ربيع نادر، الذي عمل سابقاً لصالح منافذ إخبارية تابعة لـ «كتائب حزب الله»، و«عصائب أهل الحق» التي هي جماعة أخرى أدرجتها الولايات المتحدة على قائمة المنظمات الإرهابية. بالإضافة إلى ذلك، تمّ تعيين نعيم العبودي، الذي هو عنصر آخر من «عصائب أهل الحق»، وزيراً للتعليم العالي والبحث العلمي.
الاستخبارات. قام السوداني أيضاً بفصل بعض الموظفين الرئيسيين من فترة الكاظمي أو تغيير مناصبهم. ففي الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، أقال رائد جوحي من منصب رئيس جهاز المخابرات الوطني العراقي، ثم أعلن أنه سيشرف شخصياً على الجهاز. وسابقاً، تولى الكاظمي إدارة الجهاز في عام 2016 واستمر في إدارته بعد أن أصبح رئيساً للوزراء، وبالتالي رسّخ نفوذه عليه؛ ولم يُعيَّن جوحي في هذا المنصب حتى تموز/يوليو 2022. ومن خلال إزالة أحد مساعدي الكاظمي من أعلى المراكز ضمن جهاز المخابرات، يتيح السوداني المجال أمام توظيف حاشيته، التي قد تضم شخصيات موالية لإيران في مناصب قيادية. وقد يجعل هذا السيناريو من الصعب الحفاظ على التعاون الوثيق مع الولايات المتحدة، لأن واشنطن ستكون حذرة من مشاركة معلومات حساسة مع مثل هؤلاء الأفراد، لا سيما بشأن إيران ووكلائها. وبالفعل، قد يتأثر مستقبل العلاقات الأمنية الثنائية بين البلدين برمتها.
المالية ومكافحة الفساد. وسط هذه التطورات المقلقة، قد يمثّل تعيين طيف سامي وزيرة للمالية خطوة إيجابية. فلكونها موظفة حكومية محترفة في الوزارة، منحتها وزارة الخارجية الأمريكية الجائزة الدولية للمرأة الشجاعة تقديراً لجهودها في مكافحة الفساد المالي في العراق عندما كانت نائب الوزير. وبالنظر إلى تعهد السوداني بمكافحة الفساد، فقد تلعب سامي دوراً مهماً في مبادرة حكومية تشتد الحاجة إليها. وفي المقابل، قد تواجه تهديدات مستمرة من جهات فاعلة خبيثة تعارض أي جهود جدية لمكافحة الفساد.
وبالإضافة إلى منح مجلس النواب العراقي حكومة السوداني الجديدة الثقة، وافق المجلس على برنامج وزاري مكوّن من 29 صفحة بأغلبية 250 صوتاً من أصل 329. ويشمل البرنامج مكافحة الفساد وتحسين الخدمات العامة وإصلاح الاقتصاد. ومع ذلك، قد تعيق تبعية السوداني للمالكي مساعيه لمكافحة الفساد – على افتراض أن الأعضاء الفاسدين للغاية في “الإطار التنسيقي” سيسمحون له حتى بمحاولة تنفيذ هذا البند من جدول أعماله في المقام الأول. وقد بدأ أساساً اختبار مبكر لهذا المجال: فبعد فترة وجيزة من تولي السوداني منصبه، طالب بإعادة نحو 2.5 مليار دولار من أموال الدولة المسروقة من وزارة المالية. وستكون خطوته التالية لاستعادة الأموال فعلياً دليلاً كبيراً على توجهاته المستقبلية.
مي قدّو وإريك يافورسكي هما مساعدان لشؤون البحوث في “برنامج السياسة العربية” في معهد واشنطن.
المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى