إنهاء سطوة الزعامات التي تهمين على الدولة من أهم التحديات التي ستواجه محمد شياع السوداني. لم تواجه خطوات رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني في استبدال وتغيير العديد من المسؤولين في مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية، بردود واعتراضات كبيرة خلال شهره الأول في السلطة.
وربما يأتي هذا الصمت على هذه الخطوات لكونها لم تستهدف قيادات بارزة في التيار الصدري داخل مؤسسة الدولة ومثال ذلك الأمين العام لمجلس الوزراء العراقي حميد الغزي وأخرى محسوبة على قيادات الإطار التنسيقي إلا باستثناءات قليلة وبمناصب غير مؤثرة في سياق عمل الدوائر الحكومية.
مقربون من الكاظمي
واستهدفت التغييرات التي أجراها السوداني حتى الآن قيادات وشخصيات مقربة من رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي مثل مستشاره السياسي مشرق عباس ومستشاره العسكري وسكرتير القائد العام محمد البياتي ومدير جهاز المخابرات وكالة رائد جوحي ورؤساء هيئات الاتصالات والنزاهة والاستثمار والعشرات من المدراء العامين وإلغاء عقود العديد من المستشارين في رئاسة الحكومة.
فيما جاء بعضها على خلفية اتهامات بالتقصير كما جرى من خلال إعفاء رئيس سلطة الطيران المدني العراقي نائل سعد، ومدير مطار بغداد الدولي علي تقي، من منصبيهما وذلك بعد حرائق في مطار بغداد الأسبوع الماضي.
الأوضاع لن تتغير
ويرى الباحث بالشأن السياسي عبد السلام برواري أن عملية إقالة واستبدال بعض المدراء في مؤسسات الدولة العراقية أمر طبيعي، لكن استبعد أن تسفر العملية عن تحسن الأوضاع في البلاد.
وقال إن أي حكومة جديدة بعد تشكيلها تجري عملية تغير واسعة في المناصب السيادية والدرجات العليا وهذا يحدث في عدد كبير من الدول، مشيراً إلى أن غالبية التغييرات طالت ممن يعملون بصفة مستشار وكذلك طال الأمر بعض المدراء العامين.
ترضية حزبية
وأضاف برواري أن ما جرى من عملية تبديل هو ترضية لأحزاب ساهمت في تشكيل الحكومة لكون القوى المشاركة فيها عددها كبير وجميعها تريد أن يطالها توزيع الحصص، مبيناً أن بعض هذه القوى لم تحصل على وزارات أو وكلاء وزراء ويتم تعويضهم بمناصب أخرى كمدراء عامين وسفراء ومناصب أخرى.
واستبعد أن تؤدي التغييرات التي أجراها السوداني إلى تغير الوضع العراقي بسبب انعدام المؤسسات والعقلية التي يتم فيها إدارة السلطة، مشيراً إلى أن وجود وزير أو مدير ناجح بعمله يمكن أن يعطي أمل في تغيير الواقع.
البرنامج الحكومي
ويبدو أن حملة الإقالات التي أجراها السوداني قد تفتح الباب عليه مستقبلاً بمطالبات بحصص من قبل التحالف الداعم له وهو تحالف إدارة الدولة والذي يضم مجموعة من القوى السياسية الشيعية السنية الكردية، خصوصاً أمام الإطار التنسيقي ما قد يقف أمام أي إصلاح حقيقي في البلاد.
ويرى مدير مركز التفكير السياسي إحسان الشمري أن عملية التغييرات التي يقوم بها السوداني تدخل في باب تطبيق برنامجه الحكومي في إعادة هيكلة مؤسسات الدولة وتنفيذ قرارات المحكمة الاتحادية، فيما رجح أن يواجه أزمة ما بعد الإقالة.
وقال الشمري إن “السوداني يدفع باتجاه تطبيق واحدة من نقاط برنامجه الحكومي وكذلك تطبيق قرارات المحكمة الاتحادية التي نصت على أن حكومة تصريف الأعمال ليس من حقها تنصيب مدراء عامين ودرجات خاصة”.
إعادة المحاصصة
وأوضح أن الإطار التنسيقي يضع في حساباته أن عملية الإقالات هي إعادة توزيع للمحاصصة ليس فقط بين مكونات الإطار وإنما داخل ائتلاف إدارة الدولة ورغبتهم بتقسيم المناصب، معتبراً أن أزمة السوداني لا تكون بالإقالات وإنما بالصراع في ملء فراغ هذه الإقالات، فسيكون هناك من يتدافع لشغل المناصب من غالبية القوى السياسية.
وقد يواجه رئيس الوزراء العراقي أزمة في ملء الفراغ الخاص بالإقالات إذا ما أراد جلب شخصيات مستقرة لكون هذا الأمر قد يوّلد خلافات، بحسب الشمري، الذي أكد أن مفهوم الدولة العميقة قد لا تكون من مستويات تفكير السوداني الا أنها قد تكون واحدة من أهداف داعميه.
مقربون من السوداني
وكشف الشمري أن من مهام السوداني إنهاء سطوة الزعامات التي تهمين على الدولة وقد يكون هذا الأمر من أهم التحديات التي سيواجهها في قادم الأيام، لافتاً إلى أن رئيس الوزراء دفع باتجاه بعض المواقع الحساسة بشخصيات مرتبطة به وقريبة من منهاجه فهو بحاجة إلى أشخاص يتعاطون مع برنامجه الحكومي بشكل إيجابي.
ولعل سلسلة التغييرات لم تستثنِ المؤسسة العسكرية ولعل آخرها ما قام به وزير الداخلية عبد الأمير الشمري بنقل عدد كبير من الضباط من رتبة نقيب فما دون إلى مراكز الشرطة لسد النقص، في خطوة وصفت أن هدفها الإصلاح بالمؤسسة العسكرية.
خطوة مهمة
ويشدد مدير مركز الجمهوري للدراسات الأمنية والاستراتيجية معتز محي عبد الحميد، على أهمية تبديل القيادات الأمنية لمكافحة الفساد وتبديل الاستراتيجيات الأمنية.
وقال عبد الحميد إن “السوداني له معرفة بالقيادات وتأثير بعض الأحزاب على تلك القيادات وضرورة تقليص أعداد الحمايات التي شابها المزيد من شبهات الفساد” مبيناً أن هناك رؤية لدى رئيس الوزراء يقدرها كل الناس الذين يحاربون الفساد تتمثل بتغيير كل قائد يبقى في مكانه أكثر من عام.
مرحلة أولى
وأضاف أن ما اتخذه رئيس الوزراء “يمثل مرحلة أولى من القرارات وستعقبها قرارات أخرى وهي جس نبض للأحزاب ومدى تأثيرها وقدرتها على تنفيذ الأوامر ومقدار الضغوط التي يواجهها في هذه المسألة”، مشيراً إلى أن السوداني لديه رؤية لاستبدال جميع القيادات الموالية للحكومات السابقة خصوصاً القيادات المسؤولة عن حماية المنطقة الخضراء والأماكن الحساسة في البلاد.
وتضم المنطقة الخضراء وسط بغداد، التي كانت تعرف سابقاً بالمنطقة الدولية وسميت ووضعت حدودها قيادة الجيش الأميركي في العراق بعد أبريل (نيسان) 2003، مقار الحكومة والبرلمان والسفارات الأميركية والبريطانية والتركية والإماراتية ومقار وزارة الدفاع العراقية وجهاز المخابرات والفرقة الخاصة المكلفة بحماية المناطق الحساسة في العاصمة وجهاز مكافحة الإرهاب ومستشارية الأمن الوطني وقيادة العمليات المشتركة للقوات المسلحة العراقية ومجلس القضاء الأعلى وهيئة الاستثمار العامة.
وأكد عبد الحميد أن خطوة السوداني جيدة لأن عملية التغيير ستعمل على وضع استراتيجيات أمنية جديدة، لافتاً إلى أن جرائم ونزاعات مسلحة وإخفاقات لم تتمكن قيادات بعض المحافظات من تجاوزها كما حصل في النزاعات العشائرية وعدم قدرة تلك القيادات على فضها مما يشير إلى حجم الإخفاق.
المصدر: اندبندنت عربية