- كشَف وباء “كوفيد- 19” بشكل أكثر وضوحاً من أي وقت مضى عن طبيعة طموح الحزب الشيوعي الصيني الحاكم وإصراره على وضع نفسه في مركز القوة والنفوذ العالميين.
- في البداية، بدا وكأن الفيروس يشكل انتكاسة كبيرة للصين، نظراً لدورها كمصدر ومركز للوباء في كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير).
- مع بروز الصين المحتمل الآن كأول اقتصاد عالمي رئيسي ينهي الإغلاق ويستعيد النمو، يوفر “كوفيد- 19” فرصة تأتي مرة واحدة في قرن لتسريع التحول الجيوسياسي لصالح بكين خلال العام 2020 وما بعده.
كشفت جائحة “كوفيد 19” بوضوح أكثر من أي وقت مضى عن طبيعة طموح الحزب الشيوعي الصيني الحاكم وسعيه الذي لا يلين إلى وضع نفسه في مركز القوة والنفوذ العالميين.
الآن، تحول ما كان في السابق سياسة مبهمة، صاغها الزعيم الصيني دنغ شياو بينغ: “أخفِ قوتك، انتظر وقتك”، إلى النهج الشفاف، ولو غير المصرح به تماماً، الذي ينتهجه الرئيس شي جين بينغ: “اغتنِم لحظة كوفيد- 19” -قبل أن تنغلق نافذة الفرصة.
بدا الفيروس في البداية أشبه بانتكاسة هائلة للصين، نظراً لدورها كمصدر ومركز لمسبب “كوفيد- 19” في كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير). ومع ظهور الصين المحتمل كأول اقتصاد عالمي رئيسي ينهي عمليات الإغلاق ويستعيد النمو، يوفر “كوفيد- 19” الآن فرصة تأتي لمرة واحدة في القرن لتسريع وتيرة التحول الجيوسياسي لصالح بكين خلال العام 2020 وما بعده.
وهكذا، يتحرك القادة الصينيون بوتيرة لا تكشف عن طموحاتهم فحسب، وإنما عن خوفهم من إمكانية أن تنغلق هذه اللحظة التاريخية بالسرعة التي فتحت بها أيضاً.
في كتابه الصادر للتو بعنوان “ساحات القتال: الكفاح من أجل الدفاع عن العالم الحر”، يكتب الجنرال (المتقاعد الآن)، إتش آر ماكماستر، المستشار السابق للأمن القومي للرئيس الأميركي دونالد ترامب: “يعتقد قادة الحزب (الشيوعي الصيني) أن أمامهم نافذة ضيقة من الفرصة الاستراتيجية لتعزيز حكمهم وتعديل النظام الدولي لمصلحتهم”.
ويرى ماكماستر أن قيادة الحزب تتحرك بسرعة كبيرة جداً إلى “الاحتواء، والإكراه، والإخفاء” في الداخل والخارج “قبل أن يفسُد الاقتصاد الصيني، وقبل أن يتقدم السكان في العمر، وقبل أن تدرك الدول الأخرى أن الحزب يسعى إلى عملية إعادة تجدد وطني على حسابها، وقبل أن تكشف أحداث غير متوقعة -مثل جائحة فيروس كورونا” نقاط ضعفهم.
في الوقت نفسه، تتصارع بكين مع الأعباء الجديدة للقيادة العالمية: مطالبات الدول المدينة بتخفيف عبء الدّين، والدول النامية بالمساءلة، وضحايا “كوفيد- 19” بالتعويضات، وناشطي حقوق الإنسان العالميين بقمع أقل وشفافية أكبر.
فيما يلي أربع جبهات فقط في هذه الدراما المتكشفة:
الدعوات إلى تخفيف عبء الديون
ذكرت صحيفة الـ”فاينانشيال تايمز” مؤخراً، أن بكين “تلقت موجة من الطلبات لتخفيف عبء الديون من البلدان المتضررة من الأزمة، والمدرجة في ‘مبادرة الحزام والطريق‘”.
وسوف يزداد عدد هذه البلدان بينما تظهر آثار القوة الكاملة للفيروس في الأسواق الناشئة. ومن بين الـ138 دولة المدرجة في “مبادرة الحزام والطريق” فإن الغالبية العظمى هي دول نامية، لدى العديد منها تصنيفات ائتمانية متأرجحة والتي تصبح الآن أسوأ.
الشيء الإيجابي هو أن الصين وقعت على اتفاقية مجموعة العشرين الشهر الماضي والتي نصت على تجميد سداد القروض الثنائية للدول الفقيرة حتى نهاية العام. ومع ذلك، ما يزال القادة الصينيون بعيدين عن المسامحة بأصل الدّين أو الفائدة.
ومع اقتراب اجتماع مجموعة العشرين المهم في تموز (يوليو) في جدة، ينبغي توقع المزيد من الصين باعتبارها الدولة التي يجب أن تكون في مركز الحوافز المالية العالمية وجهود تخفيف الديون، أخلاقياً ومالياً على حد سواء.
التوترات الأميركية والدعوات إلى المساءلة
من المرجح أن تكون القصة التي الرائجة في السوق هذه الأيام والتي يستكشف فيها المسؤولون الأميركيون إمكانية اتخاذ إجراءات عقابية ضد الصين بسبب “كوفيد- 19” مجرد بداية للمطالبات بأن تلتزم بكين بتحذير “الرجل العنكبوت” من أنها “مع القوة الكبيرة تأتي المسؤولية الكبيرة”.
ربما تبدو فكرة أن البيت الأبيض والكونغرس قد يعملان على إزالة الحصانة السيادية للصين حتى تمكن مقاضاة بكين في المحاكم الأميركية للحصول على تعويضات بعيدة المنال -بل إنها قد تأتي بنتائج عكسية ضد مصالح الولايات المتحدة.
مهما يكن ما يحدث على هذه الجبهة، يمكن لبكين أن تتوقع ظهور دعوات متزايدة من الولايات المتحدة وغيرها إلى التحقيق بطريقة أكثر شمولًا في أصول “كوفيد- 19” وطريقة الاستجابة له، حتى لو كان ذلك فقط لمجرد التهرب من رداءة الأداء.
ينبغي قراءة الهجوم المركز الذي شنه وزير الخارجية الأميركية، مايك بومبيو، الأسبوع الماضي على الصين بسبب “التضليل الشيوعي الكلاسيكي” بشأن “كوفيد- 19″، إلى جانب فيض التقارير المتزايدة والمفصلة حول ما وصفته مجلة “وايرد” Wired -في تقريرها الاستقصائي الغني بأنه “تستر (الصين) على فيروس كورونا”.
العرض الصيني بالنسبة لأوروبا
ثار الجدل بين أوروبا والصين الأسبوع الماضي بسبب تسريب لمجلة “بوليتكيو أوروبا” بشأن قرار يبدو أن “هيئة العمل الخارجي للاتحاد الأوروبي” قد اتخذته، تحت ضغط من بكين، بإزالة إشارات من تقرير عن “حملة التضليل العالمية التي قامت بها الصين لتفادي اللوم عن تفشي الوباء وتحسين صورتها الدولية”.
وأصر جوزيب بوريل، وزير خارجية الاتحاد الأوروبي بحكم الأمر الواقع، على “إننا لم نرضخ لأحد”، لكنه أضاف بعد ذلك: “من الواضح والمؤكد أن الصين أعربت عن مخاوفها عندما علمت بتسريب الوثيقة… لن نكشف كيف تم ذلك لأننا لا نفسر هذا النوع من الدبلوماسية”.
لا توجد مرحلة أكثر أهمية من أن تتعقب أوروبا مسار الهجوم الدبلوماسي الصيني بتقديم مساعدات “كوفيد- 19″، ورصد استثماراتها المتزايدة في أوروبا، وقياس الانزعاج المتزايد في أوروبا من استئساد بكين وفتوحاتها التكنولوجية.
ومع ذلك، يزِن الأوروبيون الشكوك الجديدة بشأن النوايا الصينية في مقابل التصورات المتزايدة بشأن التزام الولايات المتحدة المتضائل في أوروبا.
معايير التكنولوجيا العالمية الجديدة في الصين
مع تشتت انتباه العالم بسبب “كوفيد- 19″، راقِب إصدار الصين المتوقع في وقت لاحق من هذا العام لـ”المعايير الصينية 2035”. ليست نية بكين أقل من تحديد المعايير العالمية للتكنولوجيات الناشئة على مدى عقود قادمة.
كتبت إميلي دي لا بروير وناثان بيكارسيك في موقع نشرة “تيك كرانش” الأميركية مؤخراً: “سوف تركز ‘معايير الصين 2035’ على وضع معايير الصناعات الناشئة. التصنيع المتطور فائق الجودة؛ المركبات غير المأهولة؛ التصنيع المضاف؛ المواد الجديدة؛ الإنترنت الصناعي؛ الأمن السيبراني؛ الطاقة الجديدة؛ الصناعة البيئية… بعد تأمين موطئ قدم لها في المجالات المادية المستهدفة، أصبحت بكين مستعدة لوضع قواعدها هناك”.
ما يؤكده هذا الاتجاه هو كيف يختلف نهج الصين في القيادة العالمية عن نهج الولايات المتحدة. ففي حين تحاول واشنطن عادة قيادة الآخرين من قمة المجتمع الدولي، تطمح الصين إلى “التحرك أقرب إلى مركز المسرح العالمي”، على حد تعبير الرئيس شي.
كان الشيء الأكثر وضوحاً في الأسابيع الأخيرة هو أن الصين تعمل على تشكيل فترة “كوفيد- 19” وما بعدها بتركيز وتخطيط كبيرين. وفي الوقت نفسه، كان رد الولايات المتحدة على الصين غير متساوق، ومفتقر إلى وجود استراتيجية طويلة الأجل وتنسيق وثيق مع الحلفاء. ينبغي البحث في ما يمكن أن تفعله الدول الديمقراطية لمواجهة هذا التحدي معاً. لكن الخطوة الأولى، مع ذلك، هي فهم أن الصين تدرك هذه الفرصة التاريخية وملاحظة ما تفعله لاغتنامها.
*مؤلف أعماله من الأكثر مبيعاً، وصحفي حائز على جوائز ورئيس والرئيس والمدير التنفيذي لـ”مجلس الأطلسي”، أحد أكثر مراكز الفكر تأثيراً في الولايات المتحدة في الشؤون العالمية. عمل في صحيفة “وول ستريت جورنال” لأكثر من 25 عاماً كمراسل أجنبي ومساعد مدير تحرير وكأطول محرر للطبعة الأوروبية للصحيفة. كتابه الأخير -“برلين 1961: كينيدي، خروتشوف، وأخطر مكان على وجه الأرض”- كان من أكثر الكتب مبيعاً ونُشر بأكثر من اثنتي عشرة لغة.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: China has a big but brief chance right now to speed its way to global leadership
المصدر: (سي. أن. بي. سي) / الغد الأردنية