عقد مسؤولون أتراك اجتماعاً مع قادة في الجيش الوطني السوري، يوم الأربعاء الماضي، بعد هجوم شنته هيئة تحرير الشام وفرقتي الحمزة والسلطان سليمان شاه ومجموعات أخرى من الجيش الوطني، ضد الفيلق الثالث في منطقة عفرين وغربي مدينة اعزاز وريف حلب الشرقي منتصف شهر تشرين الأول الماضي.
واستمر الاجتماع نحو 45 دقيقة فقط، طرح فيه الجانب التركي متمثلاً بمسؤول المتابعة للملف السوري الملقب بـ “أبو سعيد”، خطوطاً عريضة لضبط الأوضاع العسكرية والأمنية والإدارية في مناطق نفوذ الجيش الوطني السوري، إضافة لقواعد عمل جديدة من شأنها تغيير ملامح المنطقة وطريقة إدارتها، فيما لو وجِدت الجدية اللازمة للتنفيذ.
كواليس الاجتماع ونتائجه
تقاطع ما أكدته مصادر خاصة مطلعة على تفاصيل الاجتماع لموقع تلفزيون سوريا، أنه لم يسبق أن حصل مثل هذا اللقاء مع قادة الجيش الوطني والمسؤولين الأتراك، حيث كان مقتضباً واستغرق 45 دقيقة فقط، كما لم يكن هناك ترحاباً بين الطرفين كما جرت العادة خلال اللقاءات السابقة.
وأشار المصدر إلى أن مسؤول متابعة الملف السوري لدى تركيا “أبو سعيد”، وبعض المسؤولين الأتراك، دخلوا إلى اللقاء بعد تجمع قادة الفصائل، وكانت ملامح عدم الرضا واضحة لدى الجانب التركي.
وبدأت الجلسة بتشديد المسؤولين الأتراك على عدم قبول تركيا لدخول “هيئة تحرير الشام” إلى ريف حلب الشمالي، وأنهم فوجئوا بالأمر، فيما توقع المصدر أن يكون سبب هذا الموقف، بعض الضغوط التي مورست من عدة دول لمنع توغل الهيئة بريف حلب.
ودقق الجانب التركي على مسألة إتمام خروج قوات “تحرير الشام” من عفرين، كما طرح عدة بنود للعمل عليها مستقبلاً وضبط الأوضاع بريف حلب، منها تشكيل لجنة استشارية من قادة الفيالق الثلاثة في الجيش الوطني، ووزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، مهمتها التنسيق مع المسؤولين الأتراك فيما يخص إدارة المنطقة.
وخلال اللقاء طُرح بند لعدم اللجوء إلى اللجان لحل الإشكاليات بين فصائل الجيش الوطني، كما حدث عند تشكيل لجنة لمتابعة ما نُسب من انتهاكات لـ “فرقة السلطان سليمان شاه” بقيادة “أبو عمشة”، أو كاللجنة التي شُكّلت بعد الخلاف بين “الفيلق الثالث”، و”أحرار الشام – القطاع الشرقي”.
وطرح الأتراك بنداً لإدارة المعابر، وتوزيع وارداتها على فصائل الجيش الوطني، وذلك يعني عدم عودة “الفيلق الثالث” للتفرد بإدارة “معبر الحمران” الفاصل مع مناطق سيطرة “قسد” شرقي حلب، ووفقاً للمصدر، هناك غموض حول هذا البند، ويمكن أن يتوسع النقاش حوله خلال اجتماع جديد سيتم عقده اليوم الجمعة، أو غداً السبت.
وجاءت البنود المختصرة التي تلاها مسؤول الملف السوري في المخابرات التركية على الشكل التالي:
تشكيل مجلس عسكري تحت سقف وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة
تسليم الحواجز للشرطة العسكرية
تسليم جميع المعابر الداخلية إلى جهة يتم تحديدها لاحقاً
إعادة هيكلة الشرطة العسكرية
حل كل أمنيات الفصائل وإفراغ سجونها
عدم التنسيق مع جهات أجنبية إلا من خلال الجانب التركي
كف يد المجلس الإسلامي السوري ولجان الصلح عن الفصائل
إخلاء المدن والمناطق السكنية من القطع العسكرية
تشكيل مجموعة استشارية من الضباط في وزارة الدفاع
من يضمن إخراج “تحرير الشام”؟
ذكر المصدر أن الهيئة الاستشارية المزمع تشكيلها، هي المعنية بتطبيق البنود المطروحة خلال الاجتماع، بما في ذلك إخراج “تحرير الشام” من عفرين وريفها، مضيفاً أن التحديات القادمة تتمثل بالخروج الحقيقي للهيئة، كونها زرعت عناصرها داخل الشرطة العسكرية والمدنية، بعد تسليمهم بطاقات شخصية صادرة عن “أحرار الشام”، وفرقة “سليمان شاه”.
ولفت إلى أن الجانب التركي ذكر خلال الاجتماع، أنه سيتم استدعاء مسؤولي بعض الفصائل التي تحالفت مع الهيئة، إلى أنقرة لمحاسبتهم، في حين شكك المصدر بذلك، لأن المسؤولين الأتراك كانوا على اطلاع كامل على مجريات الأحداث، وكان بمقدورهم منع توغل الهيئة منذ اليوم الأول للقتال.
ولم يطلب الجانب التركي عزل أي قيادي في الجيش الوطني، سواء كان ضمن الفيلق الثالث، أو ضمن الفصائل التي تحالفت مع الهيئة، وفي الوقت نفسه شدد على ضرورة عدم التواصل مع دوائر صنع القرار في تركيا، أو بعض الدول والجهات الإقليمية والدولية دون التنسيق مع جهاز الاستخبارات التركي.
ووفقاً للمصدر، لا توجد ضمانة لتنفيذ البنود، لكن وضعت مدة شهرين للتطبيق، كما أكد الأتراك، على أن المجلس الإسلامي السوري هو المرجعية الشرعية للثورة، ولا يجب أن يكون له أي دور داخل الفصائل.
ولم يطرح الجانب التركي دمج “أحرار الشام – القطاع الشرقي” ضمن فصيل “السلطان مراد” كما أشيع، بينما أكد على إلغاء الحواجز التابعة للفصائل وتسليمها للشرطة العسكرية، وتوحيد المعابر بصندوق واحد، وإلغاء “الأمنيات” والسجون ضمن الفصائل.
وجدد الجانب التركي التأكيد على عدم تجدد الاقتتال بين الفصائل في المستقبل، مهدداً بمحاسبة قائد الفصيل الذي يتسبب بأي قتال بين تشكيلات الجيش الوطني.
ما موقف هيئة تحرير الشام؟
لم يصدر أي تعليق رسمي من “تحرير الشام” على نتائج الاجتماع، خاصة أنه جاء بعد تصريحات لقائدها “أبو محمد الجولاني”، اعتبر فيها أن أي خطة عمل أمنية أو سياسية أو عسكرية بريف حلب الشمالي “تفشل أمام تعدد الفصائلية”، مشيراً إلى أن “كل فصيل في الريف الشمالي لديه مفرزة أمنية خاصة وقضاء خاص به وحواجز خاصة وقانونه الخاص”.
وبيّن أن “مكتسبات إدلب تتعرض لمخاطر كبيرة بسبب فرقة مناطق المحرر بين إدلب والدرع والغصن، وهذا ما يجعلنا نضطر لفصل بعض الملفات بيننا وبين الشمال كالاقتصاد والأمن”.
وانتشرت أنباء عن اجتماع عقده الجانب التركي مع قادة “هيئة تحرير الشام” و”أحرار الشام” في منطقة أطمة الحدودية مع تركيا، بالتزامن مع الاجتماع بين الأتراك وقادة الجيش الوطني، ولم تؤكد الهيئة ذلك، كما لم يتسرب عن اللقاء المفترض أية بنود.
وحول رد فعل الهيئة من بنود الاجتماع، قال مصدر في الجيش الوطني لموقع تلفزيون سوريا: “بحسب المعلومات لدينا، موقف الهيئة سلبي وسيئ جداً، كما يوجد إشكاليات داخلية واضحة ضمن الهيئة”، وفق وصفه.
وأضاف: “ظهرت الهيئة أمام الرأي العام أنها ألعوبة وأداة وعصا مسلطة على رقاب الفصائل والحراك الثوري، الذي يرفض استبداد القرار، كما أن بعض الفصائل مثل فرقة الحمزة وفرقة السلطان سليمان شاه وأحرار الشام تفاعلت مع الهيئة وتعاونت معها، بناء على أن موضوع التصنيف على قوائم الإرهاب أصبح من الماضي، لكن عودة الملف إلى الواجهة تسبب بأزمة لهذه الفصائل”.
ما موقف الفيلق الثالث؟
أعلن الفيلق الثالث عن اجتماع لمجلس الشورى ضمن الفصيل لـ “بحث ومناقشة آخر المستجدات في المناطق المحرّرة”، ووفقاً للصور التي بثها الفيلق، كان من أبرز الحضور، قائد الفيلق حسام ياسين، والقائد السابق مهند الخلف (أبو أحمد نور)، ورئيس مجلس الشورى عبد الله العثمان.
وربما أراد الفيلق الثالث توجيه رسائل على تماسك صفوفه من خلال الإعلان عن الاجتماع، وذلك بسبب وجود عدة شخصيات ضمن الاجتماع، قيل إنها عقدت لقاءات مع “الجولاني” بشكل فردي، مثل عبد العزيز سلامة، وأبو توفيق تل رفعت، وأبو عمر حجي حريتان، فضلاً عن وجود قادة المجلس العسكري لـ “تل رفعت”، الذي علّق عمله ضمن الفيلق قبل أن يتراجع عن ذلك.
وقال قائد الفيلق الثالث حسام ياسين، في تغريدة على تويتر، إنَّ “وحدةَ الصَّف والراية ووضوح الهدف والغاية، والثبات على مبادئ ثورتكم والوقوف على مطالب حاضنتكم وعدم الخضوع للتهديد والترهيب أو الانجرار خلف نداءات المرجِّفين وأوهام الجبناء الخائفين، أفشل مخططات البغي والعدوان ومشاريع الشر والطغيان فكان موعدكم النصر”.
وأضاف أن “تشتت المشهد الثوري وفقدانه للتماسك ووحدة الكلمة والصف لا يخدم سوى أجندات النظام وميليشيات النهب والإجرام، ويحقق مخططات الشر ومشاريع الخديعة والمكر، ويمهد الساحة لقوى الظلام لطمس أهداف ومكتسبات السوريين ووسم ثورتهم بالفساد والإرهاب”.
وقال مصدر مطلع على تفاصيل لقاء أعضاء مجلس الشورى في الفيلق الثالث لموقع تلفزيون سوريا، إن الاجتماع ناقش تفاصيل اللقاء مع الجانب التركي، وأبرز البنود التي طرحها المسؤولون الأتراك.
وأشار إلى أن الفيلق الثالث متوافق مع معظم البنود في حال تم تطبيقها بالشكل الصحيح، كما أنه مع إدارة واحدة للمعابر وتوزيع الواردات حسب النسب، وإلغاء الحواجز، ودعم المؤسسات بشكل حقيقي، بما يخفف الضغط على المدنيين ويزيد الثقة بين الفصائل، وفق وصفه.
الجدير بالذكر أن القتال بدأ بين “الفيلق الثالث” من جهة، وهيئة تحرير الشام وفرقة الحمزة وفرقة السلطان سليمان شاه وحركة نور الدين الزنكي وأحرار الشام من جهة أخرى، في الريف الشمالي لحلب، في 11 تشرين الأول الماضي، على خلفية هجوم الفيلق الثالث على مقار لـ “فرقة الحمزة” في مدينة الباب بريف حلب، بعد التأكد من تورط قادة في الفرقة بقتل الناشط الإعلامي “محمد عبد اللطيف أبو غنوم” وزوجته.
وتدخلت “تحرير الشام” لمؤازرة فرقة الحمزة، وهاجمت – بمساندة فرقة السلطان سليمان شاه (العمشات) – مقار الفيلق الثالث في غصن الزيتون، وبذلك اشتعلت شرارة المواجهات التي استمرت لنحو أسبوع، ثم انتهت بتدخل تركي، أعقبه الاجتماع الأخير مع فصائل الجيش الوطني لوضع أسس جديدة لإدارة المنطقة، ويعتمد ذلك على جدية التنفيذ والتزام الأطراف.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا