عند موت المعتصم العباسي واستلام خليفته السلطة قال فيهم الشاعر دعبل الخزاعي:
الحمد لله لا صبر ولا جلد ولا عزاء اذا أهل البلاد رقدوا
خليفة مات لم يحزن له أحد
وآخر قام لم يفرح به أحد
أخيرا وبعد طول انتظار تم تسليم مقاليد السلطة من رئيس الوزراء المنتهية ولايته «المبخوت» مصطفى الكاظمي واعضاء حكومته ومستشاريه سيئي الذكر ، إلى رئيس الحكومة الجديد محمد السوداني المدعوم من جهات إقليمية ! .
يتذكر العراقيون جيداً كيف بدأت حكومة الكاظمي أيامها الأولى وسنذكرها لاحقاً ، بماذا يبادرنا رئيس الحكومة محمد شياع السوداني ؟ .
لقد بدأ الكاظمي مرحلته ب (الو : عماد) ومسرحيته المضحكة ، إلى تقديم برنامج حكومته الشهيرة «بالورقة البيضاء» ، وإرسال قوات مكافحة الإرهاب عند منافذ الحدود بحجة السيطرة على التهريب دون جدوى ، في حين أن المنافذ الشمالية الرسمية مفتوحة على مصراعيها دون حسيب أو رقيب ، إضافة إلى المنافذ غير الرسمية المنتشرة في تلك المناطق والتي يتجاوز اعدادها أضعاف ذلك ، اما نكبة تخفيض قيمة العملة الوطنية أمام الدولار التي أضرت السواد الأعظم من الشعب واستفاد منها مصاصي دماء العراقيين وهي كارثة حقيقية ، كذلك الاتفاقيات الوهمية المتعددة ، ومنها شراء الكهرباء من دول تعاني عجزا داخلياً حقيقياً في إنتاج الطاقة الكهربائية ، ومشاريع أخرى غير مجدية إقتصاديا ساهمت بتبديد ثروات البلاد ، الى تدهور الخدمات العامة ومستوى التعليم والصحة وحرق المستشفيات وفساد العقود والمشاريع الاستثمارية ، وبيع المناصب الوظيفية ودرجات التعيين والمراكز الأمنية ، وبيع الدولار في مزاد العملة بشكل فوضوي لم يسبق له مثيل في جميع الحكومات التي مرت على العراق بعد عام 2003 ، اما بروبكاندا الاستعراضات الوهمية ومنها استهداف منزله فقد كانت واضحة للعيان لدى الرأي العام الداخلي والخارجي وسيئة في إخراجها ، وسلط اراذل القوم على رقاب الناس وقتل شباب المتظاهرين ، إلى الوعود الكاذبة بالكشف عن المجرمين الذين استهدفوا الشخصيات العراقية البارزة ومنهم على سبيل المثال هشام الهاشمي وغيره .
أما موضوع منح الأراضي الزراعية لمجموعة من المتنفذين وبمساعدة المتملق وزير زراعته وأذرعه الإخطبوطية في الوزارة والتلاعب بملفات وعقود الأراضي وأكذوبة السلة الغذائية الكاملة ، وتسليم الأموال العامة دون وجه حق للقيادات الانفصالية الكوردية شمال العراق ، وانبطاحه بتسليم القرار السيادي لهم ، بالإضافة إلى تردي الملف الأمني الداخلي بشكل خطير وزيادة خلق الفتن والفوضى داخل المجتمع العراقي من خلال مستشاريه السيئين ومدير مكتبه حتى أنهم باعوا العراق بالتفصيخ العلني ، وختمها بفضيحة القرن المالية ، وهذه كلها جرائم كبرى لا تغتفر ولا تسقط بالتقادم وتحتاج إلى وقفة حازمة لإحالة المتورطين إلى القضاء وانزال العقوبات المشددة بحقهم .
وقد رافق هذه المرحلة زيادة في ضحالة الدبلوماسية العراقية خارجيا ، وخاصة لقاءاته الدولية منذ تسنمه رئاسة الوزراء وزيارته الشهيرة إلى تركيا التي خرجت عن التقاليد والأعراف الدبلوماسية حيث الرقص والطرب ، إلى آخر زيارته الخارجية وكانت لواشنطن التي امتازت بالسرية لأستلام التعليمات الأخيرة من الامريكان ، حيث لم يتم استقباله فيها لأكثر من ثلاثة دقائق وأمروه بالعودة وتسليم السلطة .
هذا غيض من فيض ، وهي مقتطفات لمرحلة من الفساد والخراب والتخريب ، وكل ملف فيها يحتاج إلى كوادر متخصصة ومتمرسة للتحقيق في هذه الملفات وإعادة الأمور إلى نصابها ، ولم نجد أي إيجابية تذكر في مرحلة حكمه ، فقد تسلق على أكتاف المتظاهرين والدماء الزكية التي أريقت مطالبين بالإصلاح الحكومي وكانت النتيجة تراكم جرائمه .
وبعد مخاض عسير جاء خليفته محمد شياع السوداني ، هذا الرجل ليس لنا معه خلافا ، كما أنه ليس من سياسيي جيلنا ، وكنا نتمنى أن يخرج علينا بحكومة تعيد للناس بصيصا من الأمل بعد أن فقدت الثقة بالجميع ، لكن ما حصل من مزادات علنية لمجموعة مناصب وزارية خلال تشكيل حكومته ، جعلت الرأي العام مشمئزا منها لأنها حكومة محاصصة بامتياز بعد تلك الخسائر والتضحيات ، وهذه لن تكون حكومة {إنجاز} كما وعد ، بل هي حكومة ترقيع وتسيير أعمال وتصفية حسابات بين الخصوم جميعا ، مما يدفع البلاد نحو الهاوية ، والغريب ان هنالك مجموعة من المتفائلين يطالبون ( لنعطي فرصة ونجرب ) كما هو الحال في كل مرحلة ، وفي النهاية يرحل الحاكم وأعضاء حكومته ومستشاريه ومعهم المال الوفير دون حساب ، ويبقى الخاسر الأكبر هو الشعب العراقي وضياع مستقبل أبناءه .