يتساءل المتابعون والمراقبون هذه الأيام كثيرًا، ويعيدون السؤال مرة إثر مرة. هل سنشهد صعود الدخان الأبيض من فيينا قريبًا، نحو إعادة إنتاج وإخراج للاتفاق النووي الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من الإنجاز، حسب الاستقراءات والاستنتاجات الأولية، وكذلك التصريحات الأميركية والاقتراحات الأوروبية، ومنها ما قاله الناطق باسم مجلس الأمن الوطني الأميركي، جون كيربي، بتاريخ 24 آب/ أغسطس 2022، من أن “الاتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي أصبح أقرب مما كان عليه في أوائل أغسطس/آب، رغم استمرار الخلافات بين الجانبين”.
والواقع الاستقرائي يقول: إن الأميركان يدركون أهمية الوصول إلى توقيع قريب للاتفاق النووي بعد ما ينوف على سنتين على تسلم إدارة بايدن مقاليد البيت الأبيض، وهو الذي كان قد وعد الشعب الأميركي في حملته الانتخابية للرئاسة، بإنجاز الاتفاق النووي مع إيران بعد أن ألغاه وعطله الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، باعتباره منجزًا أوباميًا لإدارة ديمقراطية، يرى فيه الجمهوريون أنه لا يخدم المصالح الأميركية، ولا يحفظ الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، ومن ثم لا يلبي المطالب الإسرائيلية الأمنية، وهي الأكثر أهمية بالنسبة للأميركان.
بينما يريد الإيرانيون ويرغبون بإلحاح التوصل إلى اتفاق نووي جديد أو معدل، يساهم في رفع العقوبات التي أثقلت كاهل الاقتصاد الإيراني، وخلقت حالة من الانتفاضات المستمرة في الشارع الإيراني، ضد سياسات اقتصادية إيرانية حكومية بائسة وغير مجدية، ويفسح المجال أمام حالة مباشرة من رفع الحجز عن الأموال الإيرانية المجمدة، والتي يصر الأميركان على عدم رفع الحجز عليها، ويرون أن ما يمكن رفعه هو فقط الحجز على الأموال والعقوبات التي جاءت تحت يافطة النشاط النووي الإيراني غير المسموح به دوليًا، وليس غير ذلك، حيث يعود حجز البعض من هذه الأموال إلى أيام (آية الله الخميني) الذي انقلب على شاه إيران أواخر السبعينيات من القرن الفائت، وهو الذي كان في حينها يسمى بالشرطي الأميركي في المنطقة والخليج العربي خاصة.
ولأن كلا الطرفين يحتاجان إلى الوصول للتوقيع على الاتفاق النووي، ويبدو أنهما قد أصبحا على مقربة من ذلك، إلا أن هناك الكثير من المعوقات والعقبات التي تضع العصي بالعجلات وتؤخر قليلًا أو كثيرًا من توقيع الاتفاق النووي ونذكر في هذا المجال بعض هذه العقبات:
- التحفظات والتخوفات الإسرائيلية غير المقتنعة وغير الواثقة من أن أمنها القومي سيكون محفوظًا إقليميًا بعد توقيع الاتفاق المشار إليه. وأن الضمانات التي طلبتها من الأميركان لإنجاز هذا الاتفاق مازالت غير معطاة أو ممنوحة من قبل الإيرانيين. وهذه التحفظات قد تعيق الوصول السريع إلى الاتفاق وتعرقل إنجازه سريعًا. لما لأمن إسرائيل من أهمية لدى الأميركان، ولدور اللوبي الصهيوني في الفعل السياسي داخل الإدارات الأميركية المتعاقبة، ولأن الإفراج عن الأموال الإيرانية المحتجزة، سوف يساعد إيران كثيرًا في استمرار تمددها في المنطقة، وتمويل أدواتها مثل ميليشيا حزب الله، والميليشيات الأخرى، وهو ما لا توافق عليه إسرائيل إلا وفق محددات ضامنة، تراها هي، ومازال الأميركان يحاورونها بشأنها.
- كذلك فإن أحد معوقات الوصول إلى الاتفاق، كان إصرار إيران على رفع الصفة عن تصنيف (الحرس الثوري الإيراني) كمنظمة إرهابية، وهذا الطلب بات مهمًا لدى الإيرانيين، لكنه صعب المنال مع الأميركان الذين يرون أن رفع اسم الحرس الثوري الإيراني من هذا التصنيف لا يكون إلا بالممارسة العملية، التي يراها الغرب ضرورية لرفع ذلك، حيث مازال الحرس الثوري الإيراني في المنطقة العربية، وخارجها، يمارس ماهو واضح للعيان، كأعمال إرهابية تهدد أمن الشعوب في المنطقة، وأيضًا في أوروبا، وأحيانًا بعيدًا عنها، وهو ماحدث مؤخرًا عبر الكشف عن العملية الإرهابية التي كانت مزمعة للحرس الثوري الإيراني حيث كانت تستهدف رئيس الأمن القومي الأميركي السابق (جون بولتون)، وهذا يؤكد أن الحرس الثوري الإيراني مازال في صلب الاشتغال الإرهابي العالمي، وهو ما يحول دون إمكانية رفع هذه الصفة والتصنيف عنه قبل أن يثبت للعالم بالممارسة لا بالوعود غير ذلك.
- ومن المعيقات المهمة في عملية إمكانية إنجاز هذا الاتفاق هو التحرش المستمر من قبل الميليشيات الطائفية التابعة لإيران في كل من سوريا والعراق، بالقواعد الأميركية في كل من التنف وحقل العمر النفطي، ومواقع أخرى داخل العراق وسوريا. وهي مسألة تقلق الأميركان وتدفعهم للتشدد في إعاقة إنجاز الاتفاق قبل الحصول على ضمانات من عدم تكرار ذلك. ويبدو أن الإيرانيين يربطون هذه الضمانات بضمانات أخرى يطلبونها من الأميركان، بعد قصف مواقع إيرانية في سوريا، وهو ما يصعب إعطاؤه وتأكيده من قبل الأميركان ولا من قبل الإسرائيليين.
- من المعوقات الأخرى استمرار صعود الأصوات الناقدة للاتفاق النووي الجديد المتوقع مع إيران داخل الكونغرس الأميركي، من قبل الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء.
حيث يؤكد السفير الأميركي السابق في دمشق (روبرت فورد) أنه “وعلى ما يبدو، لن ينال الاتفاق الجديد مع إيران الدعم المطلوب من ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ ليصبح معاهدة رسمية لها صفة قانون في الولايات المتحدة. ومثلما كان الحال مع أوباما، لن يكون أمام بايدن سوى تنفيذ الاتفاق، من خلال الأداة القانونية المتمثلة في إصدار أوامر تنفيذية، يستمر سريانها حتى يتمكن رئيس آخر من اتخاذ قرار بالتغيير أو الإلغاء، مثلما فعل ترامب مع الاتفاقية النووية القديمة عام 2018”.
هذه المعوقات وغيرها الكثير ما زالت تجعل من إمكانية الوصول الآمن إلى يوم التوقيع المفترض على الاتفاق النووي مع إيران، وانفراط عقد مجموعة (خمسة زائد واحد)، ليس قريبًا جدًا، بالرغم من كل الضرورات والحاجات الإيرانية والأميركية لإنجازه، والتدخلات الأوروبية التي تستعجل توقيعه، ويبدو أن الأيام المقبلة سوف تكون حُبلى وتشهد الكثير من التغيرات الدراماتيكية التي تسرع أو تقلل من الوصول إلى موعد التوقيع، وهو في كل الأحوال بحال توقيعه ستكون فائدته الأكبر لصالح حكومة الملالي الإيرانية، سواء تم توقيعه الآن أم في المستقبل القريب، حيث أصبح هذا الاتفاق ضرورة وسيتم إنجازه عاجلًا أم آجلًا، لما للمصالح الأميركية والإيرانية من حيز أهم في ذلك، وفق الرؤيا الأميركية والإيرانية أيضًا.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا