الخبر الساخن من دمشق، لم يصل بعد. لكنه سيصل في غضون الأيام القليلة المقبلة، ليضع نقاطاً على حروف في صراع، يتواصل بين آل الأسد وآل مخلوف، وكلاهما في النواة الصلبة للنظام الحاكم، حيث يتحكم آل الأسد في السلطة، ويتحكم آل مخلوف في الاقتصاد، وقد شهدت الأيام القليلة الماضية، تصعيداً في الصراع، وإخراجاً له إلى المجال العلني والمباشر، وهو أمر شديد الأهمية، فيما تتواصل فيه أقوال وإجراءات، أخذت طابع الشد المتبادل من الطرفين، وسط الإصرار على تصعيد الضغوطات، خصوصاً الأمنية من جانب آل الأسد، ممثلين بأدواتهم من مؤسسات النظام وأجهزته، وسعي لتهدئة مشروطة من جانب آل مخلوف عبر تسجيلين مصورين لرجل الأعمال رامي مخلوف.
أساس الصراع الذي تصاعد في الأشهر الأربعة الماضية، قصة معروفة، بدايتها رفض رامي مخلوف طلباً من الرئاسة بتسديد مبلغ للروس هو جزء من تكلفة الحرب، بحجة عدم توفر السيولة المالية، ما استدعى رداً عنيفاً، شمل قيام جهاز الأمن الرئاسي بحملة تفتيش وتدقيق لأغلب الشركات والمؤسسات العائدة لرامي مخلوف، وإجراء تحقيقات مع عاملين فيها، أعقبها القيام بوضع اليد على بعض الشركات والمؤسسات؛ أبرزها شركتا الخليوي «سيرتيل» و«TMT»، و«جمعية البستان»، وقد تأسست الأخيرة بداية الثورة في عام 2011 للقيام بأعمال خيرية من أجل الشعب السوري، ثم وجد مخلوف أن بين الأعمال الخيرية للجمعية، تأسيس ميليشيا من عشرات آلاف المسلحين للقتال إلى جانب النظام ضد المتظاهرين المطالبين بالحرية والعدالة والمساواة.
وللحق، فإن هجمة آل الأسد، قبل أشهر، بدت عامة، شملت شخصيات ومؤسسات مقربة من النظام، وقد تضرروا جميعاً بتسويات مختلفة، لكن الأهم في الأضرار كان من نصيب شركات ومؤسسات مخلوف، وهذا طبيعي، لأنها تمثل نحو 60 في المائة من إجمالي بنية القطاع الاقتصادي ونشاطاته، وقد أدت الحملة ضدها إلى مصادرة أموال وموجودات في بعض شركاتها، وإغلاق مكاتب، بينها مكاتب «جمعية البستان»، ثم مطالبتها شركة الهاتف الخليوي «سيريتل» بتسديد مستحقات لخزينة الدولة تبلغ 233.8 مليار ليرة سورية، تعادل نحو 334 مليون دولار قبل الخامس من مارس (أيار) 2020، ما دفع رامي مخلوف لبث شريطه المصور الأول، مطالباً بالتعامل بلين مع ظروف شركة الخليوي، لكن طلبه رفض، وتم تأكيد ضرورة السداد تحت طائلة التصعيد الذي جاء في إطاره اعتقال نحو 30 شخصاً من إداريي وتقنيي شركة الخليوي «سيرتيل»، وهو ما أثار مخلوف وكان حافزه لإصدار شريطه المصور الثاني، جدَّد فيه مناشدة الأسد وقف الإجراءات ضد شركاته، مذكراً بما تم تقديمه من خدمات للنظام، وأجهزته الأمنية، في السنوات الماضية، مضيفاً إلى ما سبق سيره إلى النهاية في مواجهة ما اعتبره انتهاكاً لحقوقه.
حدود الخبر الساخن المنتظر من دمشق، أنه يتصل بمآل الصراع بين الطرفين بعد الإشارات والتصريحات المتبادلة، وسط غياب ظاهر لأي أفق لتسوية بين الطرفين، حيث يملك النظام إرثاً كبيراً في التعامل مع متمردي بيت النظام، بينها تجربته مع أنصار رفعت الأسد، التي قام بفصل مهم فيها باسل الأسد، ثم تجربته في ردع تمردات بعض أبناء العمومة، التي قاد بعض معاركها بشار الأسد، قبل أن يصبح رئيساً، مما يعني أن أرجحية حل النظام للصراع الحالي سيتم بالقوة، وقد تضمن شريط رامي مخلوف المسجل استعداده للذهاب إلى هذا المستوى، رغم أنه ما زال يراهن على تسوية توافقية.
ورغم أن مسار القوة في الخبر الساخن المنتظر من دمشق هو المرجح، فإن ثمة عوامل تحيط بالصراع الجاري، يمكن أن تؤثر على احتمالاته، فتجعله في واحد من اثنين؛ حل بالقوة يجرد فيه مخلوف من كل شيء، وهو المرجح، وحل توافقي يستجيب فيه مخلوف لمطالب النظام، وهذا ضعيف، والأضعف منه أن تتمخض الظروف المحيطة عن حل ثالث مختلف نتيجة تدخل دولي كبير.
إن الأبرز والأهم في العوامل المؤثرة على خاتمة الصراع وأولها، أن الصراع سيكرس انقساماً جديداً في النواة الصلبة للنظام، ويعزز تمدده إلى الدائرة الأوسع في حاضنة النظام، سواء كانت الحاضنة الطائفية – العشائرية، أو حاضنة المؤيدين، التي لا شك أن للمتصارعين فيها أنصاراً، بغض النظر عن حصة كل منهما، كما أن الصراع سيؤدي إلى مزيد من التدهور في القطاع الاقتصادي، الذي تسيطر فيه شركات مخلوف على جزء مهم منه، ما سيفاقم مشكلات الاقتصاد السوري المدمر نتيجة صراعات السنوات التسع الماضية، وسيؤدي إلى آثار اجتماعية في أوساط مؤيدي النظام من العاملين في شركات ومشاريع مخلوف البالغين عشرات ألوف الأشخاص، وسينضم إليهم جزء كبير من أقرانهم، الذين تم صرفهم من ميليشيا «جمعية البستان»، التي حلها النظام مؤخراً، واستولى على مقراتها.
وإذا كانت العوامل الداخلية مهمة في تأثيرها على مسار الصراع الجاري، فإنه لا يجوز إهمال العوامل الخارجية. ذلك أن الصراع في أحد أسبابه، يعود إلى رفض مخلوف تسديد مبلغ من فاتورة الحرب لروسيا، التي تصنفه في عداد المرتبطين بإيران، وقد كانت موسكو طرفاً محرضاً ضده، فيما أوضاع إيران الداخلية، تزداد تردياً، ووجودها في سوريا يواجه تحديات صعبة؛ أبرزها تدني إمكانات تمويل أنشطتها هناك، وتزايد نقمة السوريين عليها، وسط تحميلها مسؤولية انتشار فيروس كورونا، وتعرضها المتواصل مع حلفائها من «حزب الله» والميليشيات الشيعية لقصف إسرائيلي متواصل، تتجنب وتعجز عن الرد عليه، فيما حليفها الروسي يلتزم الصمت حيال سياسة إسرائيل، ويتابع عمليات تمدده في سوريا، ولجم التمددات الإيرانية، متابعاً تعريضه بالأسد وعائلته وحكومته.
ويستحق العامل الأوروبي – الأميركي إشارة خاصة فيما يفرضه من تأثيرت على إجمالي الوضع السوري، وبالتالي على الصراع داخل نواة النظام الصلبة، وقد شدد الأميركان والأوروبيون، في الأشهر الأخيرة، ضغوطاتهم على نظام الأسد وحلفائه، فكان في نصيب الأول، إضافة إلى العقوبات، التي ستتصاعد مع «قانون سيزر»، افتتاح أول محاكمات لضباط أمن سابقين في ألمانيا بتهم ارتكاب جرائم حرب، ما يعني فتح ملف جديد للنظام، فيما تستمر واشنطن في سياسة تصعيد ضد إيران، وتتابع تصعيد عقوباتها على طهران وموسكو.
وقبل الخاتمة، فإن ثمة إشارة لا بد منها، تتعلق بجواب عن سر «الثقة العالية» التي كان يبديها رامي مخلوف في حديث الشريطين المسجلين، واستعداده للذهاب إلى الصراع، حتى آخره، وما إذا كان لهذه الثقة صلة بالموقف الأوروبي – الأميركي، خصوصاً أن مخلوف هو أخف أهل البيت الداخلي «خطيئة»، وقد يكون الوجه المقبول للتعامل معه.
المصدر: الشرق الأوسط