لا شك في أن الكرملين هو أكثر المستفيدين من الزوبعة الإعلامية التي أثارها تصريح وزير الخارجية التركي عن إستعداد أنقرة للتطبيع مع نظام الأسد. ومع أنه لم يلاحظ تدخل يذكر من جانب المسؤولين الروس في هذه الزوبعة، إلا أن إعلام الكرملين وذاك الدائر في فلكه أبدى حماسة شديدة للمشاركة فيها، بل وأصر على وقوف بوتين وراء مبادرة تركيا. ومعظم النصوص والتحليلات التي تناولت الموضوع في هذا الإعلام غلبت عليها التكهنات والتخمينات، ولم يبرز فيها سوى نص التصريح عينه والتصريح الذي أعقبه للوزير التركي يناقض فيه ما جاء في الأول. وقد يكون تدخل المسؤولين الروس إقتصر على تعليق الناطق بإسم الكرملين على “الأنباء عن مخططات أردوغان التحدث إلى الأسد”، كما ذكرت وكالة نوفوستي الرسمية. فقد نسبت لمسؤول الكرملين قوله بأن المسائل المتعلقة بسوريا “تمت مناقشتها في لقاء سوتشي( بين بوتين وإردوغان في 5 من الشهر الجاري)”. واضاف بأن ما يتعلق بمستقبل الإتصالات الهاتفية بين الطرفين التركي والسوري ” يجب أن يسأل عنها الطرف التركي أو السوري”.
إصرار إعلام الكرملين وذاك الدائر في فلكه على دور بوتين في “إقناع” أردوغان بضرورة التطبيع مع الأسد يتكرر منذ سنوات. في اليوم التالي للقاء سوتشي نسبت نوفوستي لأردوغان قوله بأن “السيد بوتين يتخذ نهجا عادلا تجاه تركيا في هذه القضية (السورية)”. وأضاف أن بوتين يردد له دائماً بأنه “سيكون أكثر دقة لو كنت تفضل أكثر حلها مع النظام”، وهو ما يرد عليه إردوغان بالقول إن “منظمتنا المخابراتية تتعامل في هذه القضايا مع المخابرات السورية، لكن جهودنا تهدف إلى الحصول على نتيجة”.
موقع “منظمة الأبحاث العلمية” في قيوغيزيا isap نشر في خريف السنة الماضية نصاً بعنوان “هل يصالح بوتين إردوغان مع الأسد”. نقل الموقع عن “مراقبين عرب” قولهم عن محادثات بوتين وأردوغان في ذلك الخريف بأن “روسيا تسعى لإقناع تركيا بالموافقة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الجانب السوري”، وأن تدرج هذه العملية في مسار سياستها الجديدة بإقامة علاقات مع مختلف دول المنطقة ـــــ مصر الإمارات والسعودية. وينسب إلى هؤلاء المحللين تأكيدهم بأن عملية التطبيع مع الأسد يجري الإعداد لها من قبل المخابرات التركية والسورية “بمساعدة موسكو”. وإذا صح هذا الكلام، فإنه يلقي على عاتق الدبلوماسية الروسية مهمة إقناع أردوغان بأن تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق “لن يضر بالصورة الدولية لتركيا، ولن يؤدي إلى خسارة مواقعها الجيوسياسية في المنطقة”. وللبداية يمكن لموسكو وأنقرة ودمشق أن تعمل معاً لتسوية الوضع في إدلب، سيما وأن تركيا تعلن في تصريحاتها عن إلتزامها بفكرة الحفاظ على وحدة سوريا. إضافة إلى ذلك، على أنقرة وكذلك دمشق أن تطلقا المبادرات بصورة مستقلة لا أن تدعو موسكو إلى “ممارسة الضغط”.
ورأى الموقع حينها أن الوقت قد حان لوضع النقاط فوق الحروف وسحب أنقرة من منطقة المشاكل الإقليمية الحادة، سيما وأن في جعبة موسكو وأنقرة رصيداً من الحوار الصعب، الواقعي، ومن العلاقات الشخصية بين رئيسي البلدين. واعتبر أن من الصعب القول بإمكانية إنتشال الحوار بشأن التسوية السورية من الروتين، سيما وأن أردوغان يمارس لعبته الخاصة، وغالباً ما يُنظر إلى تأكيداته عن الصداقة مع روسيا بأنها مناورة تمويه. والعلاقات بين أنقرة ودمشق لا تزال متوترة، وعلى موسكو أن ترضى حالياً بتخفيض مخاطر المواجهة بين البلدين.
زوبعة تصريح وزير الخارجية التركي الحالية إنتهت إلى القول بإمكانية التواصل هاتفياً بين الرئيسين التركي والروسي. فقد نقلت نوفوستي عن الصحيفة التركية Türkiye المقربة من الدوائر الرسمية بأن أردوغان والأسد قد يجريان محادثات هاتفية “بإقتراح من الزعيم فلاديمير بوتين”. تنقل الصحيفة عن مصادرها قولها بأن الزعيم الروسي إقترح على الطرفين اللقاء “للمناقشة”، لكن أنقرة صرحت بأن الوقت لا يزال مبكراً جداً لمثل هذا اللقاء، إلا أنه يمكن أن تجري مفاوضات هاتفية بين أردوغان والاسد. وفي سياق حركة المفاوضات بين سوريا وتركيا بدأ تشكيل لجنة من الخبراء “المحيطين جداً (بأوضاع) المنطقة”.
الموقع الروسي colonelcassad تحدث في 17 الجاري عن 5 مطالب للأسد من عملية”التطبيع”المفترضة مع أردوغان. وقال أنه بعد لقاء بوتين أردوغان في سوتشي نشط بشدة طرح موضوع إحياء العلاقات بين سوريا وتركيا. وابتعد الإعلام التركي الرسمي عن خطاب عدم الإعتراف بالأسد، وينشط حالياً نقاش مستقبل تطبيع العلاقات التي يُنظر إليها الآن من زاوية المساومة بين أنقرة ودمشق، وهو ما كانت تريده منذ زمن روسيا وإيران.
في إطار المفاوضات المفترضة مع الجانب التركي بدأت تتبلور مطالب نظام بشار الأسد. فهو يطالب بإدلب وسيطرته على معبري كسب وجيلفا جوزو (باب الهوى) ومدينتي دير الزور والحسكة وطريق حلب إنطاكية М4. كما تطالب دمشق بمساعدة تركيا في مسألة العقوبات الأميركية الأوروبية المفروضة على الشركات والمسؤولين المؤيدين للأسد.
كما تحدث الموقع عن المطالب التركية المقابلة، وقال بأن تركيا تطالب ب”التنظيف التام” للأراضي الحدودية من “المنظمة الإرهابية” مثل حزب العمال الكردستاني، وإنجاز عملية التكامل السياسي والعسكري للمعارضة مع دمشق، والعودة الآمنة للمهجرين السوريين إلى وطنهم وتوطينهم في أماكنهم. كما تطالب أنقرة بجعل حمص وحلب ودمشق في المرحلة الأولى مناطق إختبار للعودة الآمنة والكريمة للمهجرين السوريين، وتوسيع هذه المناطق مستقبلاً.
إضافة إلى المطالب السورية المذكورة، يقول الموقع أن نظام الاسد يأمل أن تدعمه تركيا لاستعادة سيطرة دمشق على النفط السوري، وكذلك السدود، الطرقات، الكهرباء، المؤسسات التعليمية، المياه والزراعة. ويؤكد الأسد بأنه سوف يحترم قرارات ترويكا أستانة بشأن عودة المهجرين.
ومن جملة المطالب التي يطالب بها تركيا الأسد وروسيا معاً ــــــ الدعم العلني في إدلب. وبين الموضوعات التي يريد النظام السوري أن يطرحها على طاولة المفاوضات المفترضة ـــــــ موضوع تجديد إتفاقية أضنة.
كما يأمل الأسد، حسب الموقع، بأن يحصل على دعم تركيا في إستعادة سوريا مقعدها في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وسواها من المؤسسات والمنظمات الدولية التي أوقفت عضوية سوريا فيها بسبب الحرب. وفي المقابل تواصل تركيا إصرارها على عملية جنيف بشأن الدستور السوري، وعلى إجراء إنتخابات حرة والإطلاق الفوري للسجناء السياسيين، وبالدرجة الأولى الأطفال والنساء والعجزة والمرضى.
موقع وكالة الأنباء الروسية المحلية Regnum نشر في 12 الجاري نصاً بعنوان “أنقرة ـــــ دمشق: هل من دخان بلا نار؟”. ينقل الموقع عن الصحافة الإيرانية تأكيدها أن المرشد والرئيس الأيراني حاولا مع بوتين في قمة طهران إقناع أردوغان بضرورة المصالحة مع الأسد والعودة إلى إتفاقية أضنة، وكذلك وضع رؤية جديدة لقضايا المنطقة “لا مكان فيها للولايات المتحدة”. وحسب الموقع قرر شاووش أوغلو في السياق أن يتذكر “لقاءاً مقتصباً” مع زميله السوري العام الماضي في بلغراد على هامش إجتماع “حركة عدم الإنحياز”.
ينسب الموقع إلى مصادر تركية مقربة من الخارجية التركية قولها بظهور “خطة سرية” في حزب “العدالة والتنمية” تلحظ تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق. تنفيذ هذه الخطة يفترض بروز معادلة جديدة تقضي بإعتراف دمشق بالتشكيلات الكردية بوصفها منظمات إرهابية، وتبدأ بمواجهتها مع أنقرة، وتتخلى تركيا عن دعمها للمعارضة السورية.
المصدر: المدن