الربط بين اختيار الرئيس الجديد ونجاح وساطة هوكشتاين وبيروت تواصل ضغوطها على إسرائيل. في انتظار ما سيحمله الوسيط الأميركي بين لبنان وإسرائيل في ترسيم الحدود البحرية كبير مستشاري أمن الطاقة في الخارجية الأميركية آيموس هوكشتاين رداً على العرض الذي قدمه لبنان في هذا الشأن وسط سيطرة لعبة الأعصاب المشدودة على المسرح السياسي اللبناني الذي يواجه استحقاقات مهمة بعد شهر. ويضاف إلى هذه اللعبة أن التداول في أسماء المرشحين لرئاسة الجمهورية سيتكثف في شكل متزامن مع مفاوضات الترسيم بحيث بات بعض الوسط السياسي يتهيأ للاستحقاق الرئاسي مستبعداً النظرة التشاؤمية بأن فراغاً رئاسياً سيحصل.
لدى الفرقاء كافة في لبنان وكذلك لدى الدول المعنية بوضعه، قناعة بأن شهر أغسطس (آب) من أدق الأشهر التي تمر بها الأزمة السياسية الاقتصادية اللبنانية لأسباب عديدة يمكن ذكر اثنين منها يخصان البلد المأزوم في شكل مباشر، إضافة إلى أسباب أخرى إقليمية يتأثر بها مستقبل الوضع في شكل متفاوت:
الرئاسة ومهلة مفاوضات الترسيم
الأول: تنفتح في الأول من سبتمبر (أيلول) مهلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية وفق المادة 73 من الدستور، أي قبل شهرين من نهاية ولاية الرئيس ميشال عون. ومن الطبيعي أن تنشط محاولات التهيؤ من قبل الفرقاء كافة للتموضع في خانة المرشح للرئاسة الذي يفضلونه، بناءً على مدى تقدم حظوظه ومدى ملاءمته للمرحلة المقبلة التي يفترض أن تكون منطلقاً لحلول الأزمة اللبنانية. وفي وقت يحيط الغموض في شأن مصير هذا الاستحقاق وسط مخاوف من أن تؤدي التعقيدات المحيطة بانتخاب الرئيس الجديد إلى فراغ رئاسي جراء صعوبة التوافق على اسم من بين المرشحين المعروفين فإن المشاورات الداخلية والخارجية ستتكثف خلال الأسابيع المقبلة. والاستحقاق مدار بحث في العواصم المعنية بالشأن اللبناني. والفرقاء المحليون يتسقطون توجهات الدول التي تهتم لهذا الاستحقاق، حيث أفادت تسريبات بأن باريس تمزج فرقاء لبنانيين وعواصم معنية بأسماء ثلاثة مرشحين من خارج الطبقة السياسية، من غير التقليديين الذين تتردد أسماؤهم، أي رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد عون الذي أبدى رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع استعداداً لدعم ترشيحه، فيما بات رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل مستبعداً لعلمه بأنه مرفوض محلياً وخارجياً، خصوصاً أنه قال في حديث تلفزيوني “لا أنا ولا سليمان فرنجية”.
الترسيم ومهلة التهديد بالحرب
الثاني: أن نهاية أغسطس تسجل نهاية المهلة التي تحدث عنها الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله لإنجاز الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل الذي يعمل عليه الوسيط الأميركي، وإلا ينفذ تهديده باستهداف المنصة العائمة، باخرة شركة “إنرجين باور” التي ستستخرج النفط والغاز من حقل “كاريش” الإسرائيلي، مؤكداً أنه “لا يوجد هدف إسرائيلي في البحر أو في البر لا تطاله صواريخ المقاومة الدقيقة”، كما قال في مقابلة مع قناة “الميادين”. وإسرائيل حددت بداية سبتمبر للبدء في عمليات استخراج الغاز الإسرائيلي الذي عقدت اتفاقات مع الاتحاد الأوروبي لتوريده من أجل تعويض جزء من الغاز الروسي للقارة العجوز. ونصر الله يعتبر أن الرئيس الأميركي جو بايدن “لا يريد حرباً في المنطقة، وهذا الأمر فرصة لنا للضغط من أجل الحصول على نفطنا”. وهذه المهلة تطرح احتمال وقوع مواجهة عسكرية بين إسرائيل و”حزب الله”، إذا قام الأخير بإطلاق مسيرات مسلحة هذه المرة في اتجاه حقل “كاريش” تطبيقاً لمعادلة “إذا يمنع على لبنان استخراج نفطه وغازه سنمنع إسرائيل من استخراج نفطها”.
لكن المسؤولين اللبنانيين يراهنون على توجه أميركي جديد بممارسة ضغوط على إسرائيل كي تقبل بالعرض اللبناني الأخير الذي حمله هوكشتاين إليها الشهر الماضي في شكل يوفر على لبنان احتكاكاً عسكرياً مع الدولة العبرية.
يقود كل ذلك إلى أن الاستحقاق الرئاسي مرتبط بمفاوضات الترسيم من زاوية التزامن إذا لم يكن من الناحية السياسية وسط تكهنات بأن “حزب الله” يعزز موقعه السياسي في البلد بحيث يكسب أمام اللبنانيين أن تهديداته كانت وراء موافقة إسرائيل وأميركا على العرض اللبناني حول الحدود البحرية مخافة الحرب، وأن سلاح الحزب المتطور حقق مطالب لبنان مما يعزز موقعه في انتخابات الرئاسة لمصلحة المرشح الذي سيؤيده مقابل مرشحين آخرين.
هل الترسيم مرهون بالاتفاق على النووي؟
إلا أن المسألة لا تقف عند هذا الحد في نظر أوساط سياسية بارزة قالت لـ”اندبندنت عربية”، إنه إذا كان الاستحقاق الرئاسي مرهوناً بمفاوضات ترسيم الحدود فإن الترسيم مرتبط أيضاً بإمكان إنقاذ المفاوضات بين الولايات المتحدة وبين إيران على الاتفاق النووي. ومع أن “حزب الله” يبرر تهديداته لإسرائيل بالمماطلة من قبلها ومن قبل الجانب الأميركي في التسليم بحق لبنان البحري، فإن قراءة هذه الأوساط تشير إلى أن رفع الحزب منسوب تهديداته ليس منفصلاً عن التشدد الإيراني في بعض الميادين الإقليمية ومنها لبنان واليمن إزاء رفض إدارة بايدن مطالبة بأن يشمل الاتفاق على النووي رفع العقوبات عن “حرس الثورة” الإيرانية، الذي رفضه الرئيس الأميركي الحالي نظراً إلى الحملة في الكونغرس المعترضة على تقديمه مزيداً من التنازلات لإيران.
يراقب عديد من الأوساط السياسية التحركات المتعلقة بإنقاذ الاتفاق على النووي ويتسقطون أخبارها بعد المقال الذي نشره في هذا الصدد المسؤول عن الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في صحيفة “فايننشيال تايمز”، واقترح فيه مسودة تسوية تتناول بالتفصيل رفع العقوبات المفروضة على إيران إضافة إلى التدابير النووية اللازمة لإحياء الاتفاق تفادياً لأزمة نووية “خطيرة”.
النووي قبل أو بعد انتخابات أميركا
البعض في لبنان يخشى أن يطول انتظار ما ستؤول إليه هذه المحاولات، خصوصاً إذا صحت تقارير دبلوماسية تلقاها مسؤولون في بيروت لا تستبعد أن يضطر بايدن إلى تأجيل الموافقة على الاتفاق مع طهران إلى الخريف المقبل، أي إلى ما بعد الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي حتى لا تؤثر التنازلات المحتملة التي يمكن أن يقدمها للجانب الإيراني سلباً في حزبه خلال هذه الانتخابات التي يخوضها أصلاً من موقع ضعيف نظراً إلى هبوط شعبية الديمقراطيين لمصلحة الحزب “الجمهوري”.
وسأل أحد السياسيين المتابعين تعليقاً على هذه التقارير، “ومن قال إن إيران تريد الاتفاق مع بايدن قبل الانتخابات النصفية؟”، فلطالما قيل إن طهران تفضل استكمال التفاوض مع بايدن بعد الانتخابات التي ترجح الاستطلاعات أن يخسرها حزبه، هذا فضلاً عن أن قضايا شائكة مطروحة على بساط البحث من أجل تسهيل إنجاز الاتفاق. فطهران إضافة إلى اشتراطها رفع العقوبات عن “حرس الثورة” والضمانات لعدم العودة عن الاتفاق من أي إدارة أميركية مقبلة، أثار الجانب الأميركي وقف خطط إيران من أجل الانتقام لقائد فيلق القدس السابق من القومي السابق جويل رايبورن وغيرهما من أي استهداف إيراني.
إلا أن المتابعين لهذا الملف يدعون إلى رصد ما ستؤول إليه تصريحات أميركية تبدو أكثر تساهلاً حيال بعض الشروط الإيرانية ومسألة رفع العقوبات بما فيها عن “حرس الثورة”، من دون “فيلق القدس”.
ربط الخيارات المطروحة في شأن الرئاسة اللبنانية بمسألة ترسيم الحدود ثم ربط الترسيم بالمفاوضات على النووي، يطلق سيلاً من التكهنات تصل بالمحللين إلى انعكاسات الانقسام الدولي الحاد حول الحرب في أوكرانيا على وضع المنطقة ومنها لبنان المطلوب تحييده عن الصراعات الكبرى كي يتمكن من انتخاب رئيس جديد، وإطلاق خطة للتعافي الاقتصادي توفر عليه الاضطراب الذي يعيشه راهناً. ويمكن الإفادة إيجاباً من حاجة الإدارة الأميركية إلى تركيز جهودها على الحرب في أوكرانيا، بالتالي ميلها إلى الانتهاء من الملف النووي، خصوصاً أن إعادة طهران إلى سوق الطاقة العالمية تؤمن جزءاً من النقص في الغاز الروسي لأوروبا وتخفض أسعار النفط عموماً.
المصدر: اندبندنت عربية