للمرة 18 منذ مطلع العام الحالي، قصفت إسرائيل مجدداً أهدافاً داخل سورية، فجر الجمعة، مستهدفة مواقع للمليشيات الإيرانية والدفاع الجوي التابع للنظام السوري في محيط العاصمة دمشق، فيما توغلت قوة إسرائيلية داخل الأراضي السورية قرب حدود الجولان السوري المحتل، وهو ما يعكس تمسك إسرائيل بأهدافها المعلنة بمكافحة الوجود الإيراني في سورية، على الرغم من الاعتراضات اللفظية من جانب روسيا والنظام السوري.
وذكرت معلومات متقاطعة أن الضربات الصاروخية الإسرائيلية أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى بين المليشيات الإيرانية وقوات الدفاع الجوي التابعة للنظام، والتي حاولت من مواقعها في غرب دمشق التصدي للصواريخ الإسرائيلية، فتعرضت للقصف بدورها، ما أدى إلى مقتل 3 عسكريين، وفق ما نقلت وسائل إعلام النظام عن متحدث عسكري رسمي.
من جهته، أفاد “المرصد السوري لحقوق الإنسان” بأن “حصيلة القتلى ارتفعت إلى ثمانية، ثلاثة منهم من جنسيات غير سورية”، موضحاً أن الضربات استهدفت “مكاتب للمخابرات الجوية ومكتباً لضابط رفيع المستوى وسيارة في منطقة مطار المزة العسكري، كما سقطت صواريخ قرب حاجز أمني في محيط المطار العسكري، وأوتوستراد المزة، إضافة إلى استهداف مستودع أسلحة للإيرانيين في محيط منطقة السيدة زينب، ما أدى إلى تدميره بالكامل”.
الضربات الإسرائيلية تطاول الإيرانيين
ووفق المعلومات التي وردت في صفحات ومواقع محلية ومنها موقع “صوت العاصمة”، فإن القصف تسبب في مقتل وإصابة عدد من العناصر الإيرانيين أو المليشيات التابعة لهم، خصوصاً القصف الذي استهدف مستودع تخزين مؤقت تابع للحرس الثوري الإيراني بين منطقتي السيدة زينب وحجيرة.
كما طاولت الضربات، وفق المصادر نفسها، مصنعاً لتصنيع الطائرات المسيّرة في السيدة زينب التي تعد أحد أهم مراكز الوجود الإيراني قرب العاصمة دمشق.
ولفت مصدر خاص تحدث لـ”العربي الجديد”، إلى أن النظام السوري يعلن فقط عن الإصابات التي تقع في صفوف قواته، ويتجاهل الخسائر بين الإيرانيين ومليشياتهم، وهؤلاء لا يعلنون عادة عن خسائرهم البشرية مباشرة، لكن تصدر بعد فترة نعوات أو تقدم تعاز على الصفحات المقربة منهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأضاف المصدر أن القصف تسبب في مقتل عدد من عناصر المليشيات وإصابة آخرين، مشيراً إلى أن حركة كثيفة لسيارات الإسعاف أعقبت القصف، بينما فرضت المليشيات طوقاً أمنياً على المواقع المستهدفة.
“المرصد السوري”: الضربات استهدفت المخابرات الجوية ومستودع أسلحة
هذا الهجوم هو الـ18 الذي تشنه إسرائيل هذا العام داخل الأراضي السورية، وفق المرصد السوري. وكان قصف جوي إسرائيلي قد طاول مواقع في ريف محافظة طرطوس قرب الحدود مع لبنان في مطلع الشهر الحالي، قالت وسائل إعلام النظام إنه طاول مداجن، لكن ناشطين أكدوا أن القصف طاول موقعاً لحزب الله أقامه تحت إحدى المداجن السابقة.
كما استهدفت إسرائيل في 10 يونيو/ حزيران الماضي مطار دمشق الدولي، وأخرجته عن الخدمة لنحو أسبوعين بعدما ألحقت به أضراراً فادحة بما في ذلك مهابط الطائرات والإنارة الملاحية.
ووفق دراسة صادرة عن مركز “جسور للدراسات” في فبراير/ شباط الماضي، تستهدف الضربات الإسرائيلية عادة مستودعات أسلحة ورؤوس صواريخ ومنظومات دفاع جوي تابعة لإيران، قبل نقلها إلى لبنان، إضافة إلى نقاط رصد متقدمة لحزب الله.
ولا يستبعد مراقبون أن لدى إسرائيل، إضافة إلى وسائل الرصد الجوي والإلكتروني، عملاء على الأرض يحدّثون باستمرار “بنك المعلومات” الخاص بالتحركات الإيرانية في سورية، وهو ما يجعلها على اطلاع دائم على هذه التحركات، خصوصاً المعلومات المتعلقة بوصول شحنات أسلحة، أو أماكن تخزين تلك الأسلحة، قبل نقلها لـ”حزب الله” داخل الأراضي اللبنانية.
وفي هذا الإطار، ذكر “المرصد السوري لحقوق الإنسان” أن إسرائيل تمتلك بنك أهداف داخل الأراضي السورية، يحدّثه باستمرار عملاؤها على الأرض، مشيراً إلى أن “المقر المستهدف في محيط السيدة زينب كان مقراً دينياً، ثم متنزهاً، فكيف علمت إسرائيل أنه تحول إلى مقر عسكري لتصنيع الطائرات المسيّرة؟”. ورأى أن إسرائيل “تعلم بكل تحركات حزب الله داخل سورية وتخترق الحزب والإيرانيين بشكل كبير”.
فشل تصدّي النظام للغارات الإسرائيلية
من جهته، ذكر الباحث شادي عبد الله، في حديث مع “العربي الجديد”، أن قوات النظام السوري تحاول غالباً التصدي للضربات الإسرائيلية عبر إطلاقات صاروخية كثيفة، تنجح أحياناً في إصابة بعض الصواريخ قبل وصولها إلى أهدافها، لكنها تفشل غالباً، وكثيراً ما يؤدي سقوط الصواريخ التي تطلقها قوات النظام إلى خسائر في الممتلكات أو وقوع إصابات بين المدنيين.
وأضاف أن أغلب قتلى قوات النظام جراء الهجمات الإسرائيلية هم من عناصر الدفاع الجوي، الذي يحاولون التصدي للطائرات أو الصواريخ الإسرائيلية، فيتم استهداف مواقعهم، بالتوازي مع الضربات الموجهة لإيران ومليشياتها.
وحول الموقف الروسي من هذه الضربات، رأى عبد الله أن هناك تفاهمات سابقة بين روسيا وإسرائيل تقضي بأن تغض موسكو النظر عن هذه الضربات، فلا مصلحة لها أيضاً بأن تقوي إيران حضورها في سورية وتستحوذ على القرار السياسي في دمشق وتعطل الخطط الروسية المتعلقة بمستقبل سورية.
لكن ذلك لا يمنع، وفقاً لعبد الله، أن تبدي روسيا بين الفينة والأخرى امتعاضاً “شكلياً” من هذه الضربات، من دون أن تحاول تفعيل أنظمة الدفاع الجوي التي أدخلتها إلى سورية من طراز “أس 300” منذ عام 2018.
ولفت عبد الله إلى أن النظام يحاول تقوية دفاعاته الجوية في المنطقتين الرخوتين اللتين تشن منهما إسرائيل غالباً ضرباتها، وهما الأجواء اللبنانية والجولان المحتل، لكن حتى الآن ما زال النظام حذراً في ردوده، خشية التورط في حرب أوسع مع إسرائيل، وهو ما لا يريده، لأن انشغالاته العسكرية كثيرة، ولا قدرة له على خوض حرب مع إسرائيل.
وإلى جانب الضربات الجوية والصاروخية توغلت، أمس الجمعة، قوة إسرائيلية مدعومة بالدبابات والجرافات المنطقة العازلة من جهة الأراضي السورية قرب حرج الحرية في بلدة جباتا الخشب، في محافظة القنيطرة، وذلك لليوم الثاني على التوالي.
وذكرت مصادر محلية أن القوة قامت بتجريف سواتر وأحراج خشية استخدامها من جانب عناصر “حزب الله” في رصد أو مهاجمة أهداف إسرائيلية.
واعتادت إسرائيل على القيام بمثل هذه التوغلات المحدودة، إضافة إلى استهداف أشخاص محددين تعتقد أنهم يتعاونون مع “حزب الله”، الذي يحاول تعزيز حضوره في المنطقة.
وكانت قوة إسرائيلية مكونة من جرافات ودبابات قد توغلت في مطلع الشهر الماضي في المنطقة الحدودية مع سورية لمسافة 400 متر، وقامت بجرف عشرات الأشجار في منطقة الحرية، كما أطلقت النار على الرعاة في المنطقة، من دون أن تقع إصابات بينهم، فيما استهدفت طائرة مسيّرة إسرائيلية، في 6 يوليو/ تموز الحالي، فريد فؤاد مصطفى، القيادي في “حزب البعث” والمقرب من حزب الله اللبناني، ما أدى إلى مقتله غربي محافظة القنيطرة.
المصدر: العربي الجديد