عاد تبادل الرسائل بالنار إلى محافظة إدلب السورية، في ظلّ التعقيد السياسي الذي يشهده الملف السوري أخيراً، لجهة اختلاف المتنفذين والفاعلين الإقليميين المتدخلين في الملف حيال إشكاليات عدة، لا سيما بين الروس والأتراك، وتحديداً حول إدلب ذاتها. فقد عاد الطيران الروسي إلى قصف المناطق الخارجة عن سيطرته وسيطرة النظام، مسجلاً مجزرة جديدة بحق المدنيين، وهذه المرة في إدلب.
ويأتي ذلك في ظل اعتراض روسي – إيراني واضح لمسعى أنقرة توسيع نفوذها في شمال سورية، من خلال عمل عسكري جديد تصّر أنقرة عليه، ليأتي الرد بالقصف وإحداث خروقات ميدانية، فيما يدفع المدنيون ثمن هذه الخلافات.
مجزرة روسية في إدلب
وارتكبت الطائرات الحربية الروسية، فجر أمس الجمعة، مجزرة راح ضحيتها 7 مدنيين بينهم أطفال، إثر شنّها غارات عدة على قرية الجديدة ومحيط بلدة اليعقوبية القريبتين من الحدود السورية – التركية غربي إدلب، شمال غربي سورية.
وقال بناء بحري، وهو متطوع لدى “الدفاع المدني السوري” (الخوذ البيضاء)، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “7 مدنيين، بينهم 4 أطفال من عائلة واحدة، قُتلوا صباح (أمس) الجمعة، وأُصيب 12 آخرون، بينهم 8 أطفال، بهجوم إرهابي جديد ارتكبته الطائرات الحربية الروسية باستهداف مزرعة لتربية الدواجن يقطنها مهجرون، ومنازل مدنيين، على أطراف قرية الجديدة في ريف إدلب الغربي”. وأوضح أن فرق الدفاع المدني أسعفت المصابين، وانتشلت القتلى من تحت الأنقاض.
وقالت مصادر محلية لـ”العربي الجديد” إن ثلاث طائرات حربية روسية أقلعت من قاعدة حميميم فجر أمس الجمعة، ونفذت أربع غارات جوية مستخدمة صواريخ شديدة الانفجار، مشيرة إلى أن إحدى الغارات كانت مزدوجة، أي ضربة في إثر ضربة، وتسببت بوقوع المجزرة.
وبالتزامن مع الغارات الروسية، استهدفت القوات المدعومة من روسيا، أمس، براجمات الصواريخ، قرى حميمات وشاغوريت والعنكاوي في منطقة سهل الغاب بريف حماة الشمالي الغربي، ملحقة دماراً واسعاً في منازل المدنيين، من دون تسجيل سقوط ضحايا.
ورداً على المجزرة في ريف إدلب الغربي، استهدف فصيل “أنصار الإسلام” مواقع عسكرية لقوات النظام في منطقة سهل الغاب بقذائف المدفعية، معلناً في بيان وقوع قتلى وجرحى من قوات النظام جراء الاستهداف.
وتقع كل المواقع المستهدفة، سواء من قبل الطائرات الحربية أو راجمات الصواريخ، ضمن منطقة “خفض التصعيد الرابعة”، أي إدلب ومحيطها، والتي تضم كامل إدلب وأجزاء من أرياف حماة الشمالي والغربي، وحلب الجنوبي والغربي، واللاذقية الشرقي.
وسابقاً قضم النظام بدعم روسي وإيراني مساحات واسعة من هذه المنطقة قبل إعلان وقف إطلاق النار في مارس/آذار 2020، غير أن هذا الاتفاق الذي أبرم بين روسيا وتركيا لا يزال هشّاً، ويتعرض بشكل شبه يومي للخرق، لا سيما من قبل الروس والنظام والإيرانيين.
وتأتي عودة السلاح الجوي الروسي إلى استهداف مواقع في إدلب أو مناطق خفض التصعيد، بعد أيام من القمة الثلاثية التي عقدت في طهران، يوم الثلاثاء الماضي، بين الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ونظيريه الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، والتي أصر خلالها الرئيس التركي على المضي بتنفيذ عمل عسكري شمال شرقي سورية لإبعاد خطر المجموعات الكردية عن حدود بلاده، الأمر الذي ترفضه روسيا وإيران بالمطلق، ويبدو أنهما بدأتا بتوجيه الرسائل على الأرض إلى تركيا.
ومهّدت روسيا للقصف يوم أمس بادعاء أنها أسقطت طائرتين مسيّرتين للمعارضة السورية في سماء قاعدة حميميم الجوية الروسية بريف اللاذقية، ما يخلق ذريعة للرد والاستهداف.
المعارضة السورية جاهزة للرد
وقال القيادي في المعارضة العسكرية المقاتلة في إدلب العقيد مصطفى بكور، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “مجزرة (أمس) في ريف جسر الشغور تأتي في سياق توجيه رسالتين، واحدة للمجتمع الثوري في إدلب بعد زيارة زعيم “هيئة تحرير الشام” (أبو محمد الجولاني) إلى جسر الشغور أخيراً، مفادها بأن استمرار سكوتكم على وجود الهيئة وتعاونكم معها سيجلب عليكم المجازر”، مضيفاً أن “الرسالة الثانية موجهة إلى تركيا بعد قمة طهران الفاشلة، بأن روسيا مصرة على متابعة ما بدأته عام 2015 في سعيها لاستعادة كافة الأراضي الخارجة عن سيطرة نظام بشار الأسد لتكون تحت سلطته”.
وتؤكد روسيا بهذه الرسالة، بحسب بكور، أنها “ستستمر باستهداف مناطق انتشار الفصائل ووجود القوات التركية حتى تتنازل تركيا عن مواقفها المتشددة بخصوص شمال حلب وما تبقّى من إدلب، خصوصاً أن المنطقة المستهدفة تقع بالقرب من جبل التركمان بريف اللاذقية الذي كان عصياً على الاحتلال (الروسي) حتى الآن”.
وحول مواجهة أي تطورات وسيناريوهات مقبلة من قبل المعارضة، أشار بكور إلى أن “كافة الفصائل صرحت عن استعدادها للتصدي لأي محاولة تقدّم روسية – إيرانية – أسدية على الشمال السوري المحرر، وتشدد تركيا كذلك عبر تصريحات المسؤولين فيها، خصوصاً العسكريين الموجودين في النقاط التركية، الذين قالوا أكثر من مرة إن إدلب وجبل الزاوية من الخطوط الحمراء ويدخلان في مجال الأمن القومي التركي ولن يجرى التفاوض على ما تبقى من المحرر”.
ورأى أنه “يمكننا الاستنتاج أن الموقف حتى الآن يوحي بعدم وجود أي اتفاق روسي تركي حول منطقة شمال حلب ولا جنوب إدلب”.
من جهته، رأى المحلل السياسي محمد سالم أن القصف “رسالة وترجمة عملية للاعتراض شديد اللهجة الروسي والإيراني على العملية التركية المرتقبة”، لافتاً في حديث مع “العربي الجديد” إلى أنه كذلك يمثل “تهديداً بإحراج تركيا من خلال تكرار المجازر ضد المدنيين بوتيرة عالية، خصوصاً أن بعض الضباط الأتراك قد أرسلوا رسائل طمأنة للسكان المحليين في جبل الزاوية تحثهم على العودة لقراهم، ما يعني أن تكرار مثل هذه المجازر يضرب بمثل هذه الوعود التركية عرض الحائط”.
وحول توقعه عما إذا كان الميدان سيشهد تطورات لاحقة بناء على المعطيات السياسية، قال سالم: “نعم في حال مضي تركيا بالعملية العسكرية في الشمال السوري، فهنالك موجة تحشيد وتهديدات من مختلف المليشيات التابعة لإيران في الإقليم كلّه”.
وأعرب سالم عن اعتقاده بأن “تركيا قد تنتظر فرصة أفضل لتنفيذ العملية وتقوم بالتالي بتأجيلها حالياً”. وذكّر بأن “الكثير من الأطراف، على اختلافهم، متفقون على معارضة العملية العسكرية التركية، والحديث هو عن: إيران، روسيا، إسرائيل، الولايات المتحدة، والغرب عموماً”.
المصدر: العربي الجديد