يبدو أن زعيم “هيئة تحرير الشام” أبو محمد الجولاني لا يزال متمسكاً بمشروع إنشاء كيان سني تحت قيادته شمال غرب سوريا، بعد تأكيده أن مشروع الهيئة لم يعد ثورة ضد الظلم، ما يطرح التساؤلات حول التغيرات التي شجعت الجولاني على إعادة طرح مشروعه.
وقال الجولاني في كلمة مرئية خلال اجتماعه مع ممثلي حكومة الإنقاذ الجناح المدني لتحرير الشام، إن “مشروع الهيئة ومن خلفها حكومة الإنقاذ، هو بناء كيان إسلامي سني يتناسب مع طبيعة الشعب وتاريخه”، معتبراً أن “اقتصار الثورة على أنها فكرة عسكرية أو أمنية هو توصيف خاطئ، بعدما بات أهل السنّة معرضين لخطر وجودي في سوريا، رغم أغلبيتهم وكثرة عددهم، بسبب سياسة التهجير واستبدال الهوية السنية بهوية أخرى، من خلال تجنيس النظام أعداداً كبيرة من الإيرانيين واللبنانيين من الطائفة الشيعية”.
تجديد المشروع السني
ولم تكن المرة الأولى الذي يتحدث فيها الجولاني عن مشروع الكيان السني في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام شمال غرب سوريا، فقد سبق أن دعا إلى توحيد الفصائل العسكرية وإنشاء كيان موحد يمثل “أهل السنة” ويدافع عنهم عسكرياً وسياسياً خلال إعلانه تشكيل هيئة “فتح الشام” وإلغاء العمل باسم جبهة النصرة يوم 28 تموز/يوليو 2016، وأكده في مقابلة تلفزيونية مع قناة “الجزيرة” عام 2016.
وبالفعل حاول الجولاني دمج فصائل “جيش الفتح” في ذلك الوقت تحت مظلة وقيادة موحدة، وسخر شخصياته وواجهته الإعلامية لدعم هذا التوجه، إلا أن محاولاته اصطدمت برفض غالبية الفصائل العسكرية والحركات الإسلامية المحلية، التي اعتبرت مشروع الجولاني محاولة للتفرد في حكم المنطقة وصهر تنظيمه ضمن التشكيلات العسكرية المحلية لنزع صفة الإرهاب عنه.
ومع خلو منطقة ادلب من المنافسين المحليين لسلطة “هيئة تحرير الشام” العسكرية وذراعها المدني متمثلة بحكومة الإنقاذ، عاود الجولاني طرح مشروعه، لكن هذه المرة، بواقع ومتغيرات جديدة تفرضها سلطة “تحرير الشام” المطلقة على منطقة ادلب وأجزاء من ريف حلب الغربي واللاذقية الشمالي.
إعلان استباقي
ويعتقد الصحافي السوري عمار جلو، أن “تحرير الشام” تحاول تعزيز سلطتها العسكرية والمدنية بسلطة دينية تمهيداً للسيطرة على القرار السياسي في مناطق المعارضة، في ظل ما قد يطاول القضية السورية من حلول.
ويقول: “لا تزال هيئة تحرير الشام متوجسة من الفصائل الراديكالية، لا سيما بعد تزايد الضغوط والتهم عن تقديم الجولاني تنازلات مستمرة للغرب بهدف إزالته من قوائم الإرهاب، فضلاً عن تعمق فكر المذهبية والعرقية السياسية في الحالة السورية، وخلل العقد الاجتماعي والرابط الوطني في المجتمع السوري”، مشيراً إلى أن حديث الجولاني عن الخطر الذي يحيط بالسنة، “يهدف إلى شرعنة استبداده الديني والسياسي في جغرافية حكومته ويكرسه زعيماً للتيار السياسي السني في أي حل سوري ينزلق للمذهبية والاثنية”.
مشروع سني يحمي الجولاني
ويعتبر كثيرون من المهتمين في شؤون الجماعات الجهادية، أن تصريحات الجولاني تنافي التوجه السياسي الأخير لـ”تحرير الشام” في محاربة الجماعات الجهادية المتطرفة والتضييق عليهم في ادلب، والترويج على أنها جماعة إسلامية معتدلة قادرة على حامية الأقليات من خلال زيارات الجولاني المتكررة إلى القرى والمناطق التي تقطنها الأقليات الدرزية والمسيحية.
لكن الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية عباس شريفة، يعتبر أن خطاب الجولاني لم يحمل أي جديد، ذلك أن “الخطوات السابقة لتحرير الشام من خلع العباءة العقائدية إلى تشكيل حكومة الإنقاذ ومحاولة استمالة المجلس الإسلامي السوري، تصب جميعها في صالح نجاح مشروع الكيان السني”.
ويوضح شريفة في حديثه لـ”المدن”، أن سياسة الجولاني قائمة على عدد من الخيارات لفرض نفسه كخيار وحيد بالنسبة إلى الدول الباحثة عن حل للقضية السورية، وحصر تمثيل المكون السني في “هيئة تحرير الشام”.
ويقول: “يعمل الجولاني على استثمار المظلومية السنيّة ومخاوف التمدد الشيعي لتثبيت حكمه وتحصيل مشروعية تمكنه من دخول النسيج السياسي السوري المغيب عنه، لمعرفته بحتمية فشل الاعتماد على العصبية المناطقية أو القبلية، نتيجة غياب البعد العشائري عن منطقة ادلب واحتضانها مهجرين من مختلف المناطق”.
ويضيف: “يريد الجولاني حصر المناطق المحررة في مشروع واحد، خصوصاً وأن وجود منطقة خارج سيطرة الإنقاذ بريف حلب يزيد من حجم الضغوط ، ويجعل من الجولاني ورقة قابلة للاستبدال في أي لحظة”.
حتمية الرفض التركي
لكن طموح الكيان السني يصطدم بالعديد من المعوقات والعراقيل المؤدية إلى فشله، أبرزها وجود مشروع منافس في ريف حلب الذي تديره الحكومة السورية المؤقتة بدعم تركي، فضلاً عن الرفض الدولي لأي مشروع يؤدي إلى تقسيم سوريا، حسب ما يقول شريفة.
ويرى أن هذا الطرح، “يشير إلى عدم نضوج الجولاني سياسياً، خصوصاً وأنه يصب في إطار الفوضى الخلاقة والاقتتال الطائفي، ويزيد من جموح المكونات الأخرى إلى إقامة كياناتها الخاصة، الأمر الذي ترفضه دول المنطقة وتركيا على وجه الخصوص، في ظل حربها ضد حزب العمال الكردستاني وأذرعه الداعية لإقامة إقليم كردي في سوريا”.
يمكن ملاحظة تبني الجولاني العصبية الخلدونية في مشروعه، والتي تعتمد على إيجاد قوة عصبية يقوم عليها المشروع، ومع تخلي “هيئة تحرير الشام” عن قوتها العقائدية وضعف الحاضنة الشعبية لها، لم يعد أمامها سوى الاستثمار بالمكون السني، ليقدم الجولاني خدمة جلية للنظام الذي ما انفك يردد مزاعم محاربته جماعات طائفية تهدد وحدة سوريا.
المصدر: المدن