أول ما أطل برأسه على العالم كان مجرد مرضٍ غامض. وفي غضون وقتٍ قصير، تبين أنه فيروس جديد من سلالة الفيروسات التاجية، فما لبث أن أُطلقت عليه تسمية “سارس كوف 2”. وعندما فرضت الدول الإغلاق العام من أجل إبطاء وتيرة تفشيه، تحول إلى عنوانٍ للركود العالمي. وفي أبريل (نيسان) الماضي، حذرت الأمم المتحدة من بُعدٍ آخر لحالة الطوارئ المتأتية عنه إذ إنه “جائحة مستترة” من العنف تفتك بالنساء خلف الأبواب المُوصدة.
تعلمنا على مر التاريخ أن تفشي الأوبئة – من الإيدز إلى زيكا فإيبولا – يسلك مساراً محدداً ومتشابهاً إلى حد مخيفٍ أحياناً، أي بعبارة أخرى، حينما يضرب أحد الأمراض طوقاً حول المجتمعات البشرية، ينبش قوى التهميش القائمة فيها ويستغلها بهدف إرساء خطوط تصدع بين الأجناس والأعراق والفئات والطبقات. وعلى هذا الأساس، ليس من قبيل المصادفة أن يموت الأميركيون السود بمعدلاتٍ متفاوتة في الولايات المتحدة أو أن يؤثر كورونا، المرض الناجم عن الفيروس التاجي المستجد، بشكلٍ غير متكافئ وعلى نطاقٍ واسع في حياة النساء وسبل عيشهن على الرغم من ارتفاع نسبة الوفيات جرائه في صفوف الرجال مقارنة بالنساء.
وكل يوم يمر يأتي لنا بأمثلة جديدة عن كيفية تهميش النساء عن التدابير التي يستجيب بها العالم للوباء. ونذكر من بين هذه الأمثلة: تجاهل المستشفيات المُثقلة بالأعباء لوضع الحوامل في مرحلة المخاض؛ وعدم تعويض عاملات المنازل اللواتي فقدنَ مصادر دخلهن بمبالغ تحفيزية؛ وتعذر المراهقات عن مواصلة دراستهن عبر الإنترنت لمجرد أن مجتمعاتهن تستهجن من رؤية هاتفٍ في يد امرأة.
ورداً على هذه الأمثلة، يتكرر على ألسنة المدافعين عن حقوق النساء والفتيات شعار “عدم التمييز بين الجنسين لا يعني الحياد بين الجنسين”. وفي هذه اللحظة الحاسمة، لا بد من أن يكون هذا الشعار مصحوباً بالدعوة إلى التحرك. إذ لو أشاح صناع السياسة بنظرهم عن الطرق المختلفة التي يؤثر بها المرض وتبعاته على الرجال والنساء، فسيُخاطرون بإطالة أمد الأزمة وإبطاء التعافي الاقتصادي. أما لو استغلوا حالة الطوارئ هذه فرصةً لاستبدال الأنظمة القديمة بأخرى جديدة وأكثر فعالية، فسيفتحون المجال أمام الدول لتنهض من جديد وتبني لنفسها مستقبلاً أكثر ازدهاراً وجاهزيةً ومساواة.
الوطأة الخفية
استناداً إلى كافة المؤشرات تقريباً، كان شهر فبراير (شباط) من العام 2014 التوقيت الأمثل والأكثر أماناً للحمل في سيراليون بعدما كان معدل وفيات الأمهات تحت مظلة النظام الصحي للدولة والمعروف تاريخياً أنه من بين الأسوأ في العالم، قد انخفض بنسبة تزيد على 50 في المئة منذ عام 1990 وبعدما كانت الرعاية قبل الولادة قد وصلت أقرب ما يُمكن إلى المستويات العالمية. ثم في مارس (آذار)، أعلنت منظمة الصحة العالمية عن انتشار فيروس إيبولا في المنطقة، وكان إعلانها بمثابة الزناد الذي دفع بالتقدم الصحي إلى تراجع القهقرى. وبحلول نوفمبر (تشرين الثاني)، اتخذت القصة منحنيين مروعين وانعكاسيين: أحدهما أظهر ارتفاعاً شديداً في حالات الإيبولا؛ والآخر هبوطاً مساوياً في عدد الحوامل اللواتي يتلقين الرعاية.
وعندما انتهت الأزمة، تبين أن عدد الوفيات الخفية في صفوف النساء والأطفال أعلى بكثير من الحصيلة الرسمية: فقد أودى فيروس إيبولا بحياة 3589 شخصاً في سيراليون، بينما تراوحت وفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة بين 3593 و4936.
وهذا هو حقاً ما تفعله الأوبئة، أي أنها تُنهك أجهزة المناعة بقدر إنهاكها للأنظمة الصحية. وطالما أن الأقسام المخصصة لرعاية النساء هي الأكثر هشاشةً والأقل تمويلاً، من المنطقي أن تنهار أولاً وسريعاً. وبحسب ما تُفيد به البيانات الأولية، فإن اقتطاع الدول منخفضة ومتوسطة الدخل من ميزانية رعاية الأمهات خلال تفشي كورونا سيحصد أرواح ما يصل إلى 113 ألف امرأة.
لكن القطار لم يفت بعد ولا يزال هناك متسع من الوقت لتجنب مثل هذه النتيجة. كيف؟ من خلال تصنيف رعاية الصحة الجنسية والإنجابية على أنها “خدمات “أساسية” في كل بلد – ولكل امرأة. فأثناء الأوبئة، لا يتجرأ أحد على إخبار مريضٍ يُعاني نوبةً قلبية أن رحلته إلى غرفة الطوارئ ليست ضرورية. وفي مقابل ذلك، يُقال لملايين النساء الحوامل ألا بأس لو ولدنَ بمفردهن في المنزل. والحقيقة هي العكس تماماً؛ والدليل على ذلك أن المسبب الأكبر لوفيات الأمهات خلال تفشي فيروس إيبولا عام 2014 هو تزايد أعداد النساء اللواتي يلدنَ من دون مساعدة طبية. من هنا تنبع ضرورة بحث وزراء الصحة حول العالم عن طرق وأساليب لتوفير رعاية آمنة للأمهات حتى في حالات الوباء. وبالنسبة إلى بعض البلدان، قد يعني ذلك تخصيص مرافق صحية منفصلة – منها للأمهات والأطفال حديثي الولادة المصابين بكورونا، ومنها للأمهات والأطفال غير المصابين بالعدوى. أما بالنسبة إلى بلدان وأماكن أخرى، فقد يكون من الأسهل والأكثر أماناً إثراء المعرفة والخبرة العيادية لدى الأمهات أنفسهن.
وإلى جانب ما تقدم، من المهم جداً تأمين الحماية لإمدادات وسائل منع الحمل. فالتقديرات الأولية تُشير إلى أن الجائحة المستجدة ستحرم 49 مليون امرأة إضافية من وسائل منع الحمل، الأمر الذي قد يُفضي إلى 15 مليون حالة حمل زائدة غير مُخطط لها. ويقع على عاتق المجتمع الدولي جزء من مسؤولية معالجة هذا الأمر. فكما هو معلوم، تقوم مجموعة صغيرة من الدول بتصنيع معظم المكونات الأساسية النشطة لموانع الحمل العامة. لكن منذ انتشار كورونا، حرصت هذه الدول على تخزين إنتاجها من المكونات إياها، على الرغم من عدم وجود دليل على انتقاصها، مُتبعةً بذلك سياسةً تجارية قاسية – لا معنى لها.
ولا يقتصر النظام الصحي على سلاسل الإمدادات أو مجموعة الخدمات الأساسية، بل يمتد إلى الأشخاص التابعين له أو العاملين الصحيين. وهؤلاء في الخطوط الأمامية بحاجة ماسة إلى أدوات ومعدات تُحافظ على سلامتهم. وهذا يعني في الوقت الحاضر تزويدهم بمعدات الحماية الشخصية المؤاتية، بانتظار منحهم أخيراً الأولوية الأولى للحصول على لقاحٍ مضاد لفيروس كورونا. وكثيراً ما يتم تصميم معدات الوقاية الشخصية التي تُسلم إلى المستشفيات والعيادات لتُناسب الرجال، مع العلم أن 70 في المئة من العاملين الصحيين في جميع أنحاء العالم هم من النساء. ومن هذا المنطلق، يتعين على الشركات المصنعة التأكد من إنتاجها ما يكفي من معدات الوقاية الشخصية التي تُلائم الأشخاص الذين يحتاجون إليها، وعلى الأنظمة الصحية التأكد من شرائها الكمية الكافية من هذه المعدات.
ويتعين على القادة بدورهم استخدام الوباء كآلية التزام لإدماج الرعاية الصحية للمرأة. ففي العديد من البلدان منخفضة الدخل، يُحدد التقويم العشوائي كيفية حصول هذا الشخص أو ذاك على الرعاية: يوم الاثنين للقاحات والثلاثاء للرعاية السابقة للولادة والأربعاء لتنظيم الأسرة. وبدلاً من حجز موعدٍ واحدٍ لكل شخص، يُتوقع من المرأة أن تحضر إلى المستشفى أو العيادة تزامناً مع آخرين يلتمسون الخدمات الطبية، وتقضي اليوم بطوله في انتظار دورها، ثم تعود في صباح اليوم التالي لتُعيد الكرة من جديد. والحقيقة أن الجداول الموحدة لم تكن يوماً منطقية، لكن في ظل الجائحة الحالية التي تمنع المكوث فترات طويلة داخل غرفٍ مزدحمة، يُمكن القول إنها تحولت إلى تدبيرٍ واه بكل ما للكلمة من معنى.
النساء في ميدان العمل
إذا كان على صناع السياسات الصحية اختيار مكانٍ يُبين بشكلٍ واضح تأثير فيروس إيبولا غير المتكافئ على النساء في 2014، فالأرجح أن يُشيروا إلى جناح الأمومة. أما خبراء الاقتصاد، فقد يكون لهم رأي آخر وقد يُشيرون إلى مكانٍ مختلف كلياً، ألا وهو: أكشاك الطعام.
فبعد مرور أشهر على انحسار الوباء، قامت منظمة “أوكسفام الدولية” بالتعاون مع “هيئة الأمم المتحدة للمرأة” بتقييم الأثر الذي خلفه إيبولا على اقتصاد المنطقة. ووجدت أنه قد تسبب في ارتفاع معدل البطالة في ليبيريا بواقع ثلاثة أضعاف تقريباً في أوساط الرجال والنساء على السواء. لكن مداخيل الرجال ما لبثت أن انتعشت على وقع احتواء التفشي، فيما استغرقت مداخيل النساء وقتاً أطول للتعافي، لا سيما أن أكثرية هؤلاء يعملنَ لحسابهن الخاص – والعديد منهن بائعات مواد غذائية – وفي خضم وباءٍ يُصيب ويقتل، من الطبيعي ألا يرغب أحد في “تناول الطعام خارج منزله”.
ويبدو اليوم أن كورونا يسير على خطى إيبولا ويُؤثر في سبل عيش النساء أكثر من الرجال. فبناءً على التقديرات الأولية، سيتوجه العالم إلى الاستغناء عن الوظائف التي تشغلها النساء بمقدار 1.8 مرة مقارنةً بالرجال في ظل شبح الركود الذي يلوح في الآفاق الاقتصادية. وفي مقابل هذا التضاؤل بفرص العمل المدفوع، يتزايد عمل النساء غير المأجور في رعاية الأطفال وأفراد الأسرة. قبل الجائحة، كان العمل غير المأجور هذا عائقاً أساسياً في وجه مساواة المرأة اقتصادياً بالرجل. أما الآن، ومع إغلاق الكثير من المدارس واكتظاظ الأنظمة الصحية بالمرضى، قد يُضطر المزيد من النساء إلى ترك ميدان العمل بصورةٍ نهائية.
لكن لو حدث وعرقل الوباء خطى التقدم نحو تحقيق المساواة بين الجنسين، فستكون التكلفة بالتريليونات؛ إذ حتى لو اتخذت إجراءات جديدة في هذا الاتجاه بعد أربع سنوات من الانتظار – عن طريق تقديم تدخلات للنهوض بالإدماج الرقمي والمالي للنساء – فستكون النتيجة خسارة الناتج المحلي الإجمالي العالمي فرصاً بقيمة 5 تريليونات دولار في 2030. وفيما يدأب صناع السياسة اليوم على حماية الاقتصادات وإعادة بنائها، من المهم أن تُراعي استجاباتهم العبء غير المتناسب لكورونا على النساء – والأدوار الفريدة التي يُفترض بهؤلاء الاضطلاع بها من أجل التخفيف من تبعات الوباء.
لنأخذ، على سبيل المثال، الأنظمة الغذائية. ففي هذا العام وبسبب زخم الكوارث التي ابتُلي بها العالم – بين الاحترار المناخي وكارثة الجراد والجائحة العالمية – ثمة أكثر من 100 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات غذائية طارئة. (والمشكلة النواة هنا ليست النقص في الغذاء، بل قدرة الأسر على دفع ثمن الغذاء) والتي تؤثر في النساء بشكلٍ خاص لسببين: أولهما، اعتماد عدد كبير من النساء على النظام الغذائي في معيشتهن؛ وثانيهما، الأعراف الثقافية التي تفرض على النساء أن يكن آخر من يتناول الطعام في الأسرة – بالتالي، عندما يكون الطعام شحيحاً، يكن أول من يُحرم منه. ومن أجل إيجاد حل لهذه المشكلة، ينبغي على برامج الحماية الاجتماعية أن تتأكد من قدرة النساء على تحمل كلفة شراء ما يكفي من الغذاء المغذي لإطعام أفراد أسرهن جميعاً. كما ينبغي على صناع السياسة أن يمدوا يد العون للمزارعات من خلال زيادة التأمين والمدخرات والأدوات المالية الأخرى لحمايتهن من أسوأ تبعات الأزمة الحالية وتهيئتهن لمواجهة الأزمة التالية التي لا مناص منها.
ناهيك عن ذلك، ومن أجل ضمان قدرة الأسر والعائلات على تلبية احتياجاتها، يجب على حكومات الدول تصميم برامج تحويلات نقدية طارئة تأخذ واقع النساء في الاعتبار. ويُقدر البنك الدولي أن أكثر من مليار شخص حول العالم استفادوا من تحويلات نقدية مباشرة من حكوماتهم لتلبية احتياجاتهم الأساسية في ظل أزمة كورونا، بعدما توقفت تدفقات السلع والخدمات أينما كان نتيجة الجهود المبذولة لإبطاء وتيرة التفشي. وبما أن الحكومات عموماً لا تعبأ بالنساء الأكثر تهميشاً من الناحية الاقتصادية – أي اللواتي لا تظهر أسماءهن في القوائم الضريبية ولا يمتلكنَ هوية رسمية ولا حتى هاتفاً محمولاً – لم تنل النساء نصيبهن من هذه التحويلات. وقد أثبتت الأبحاث أن برامج الحماية الاجتماعية التي تتجاهل الجنسانية يُمكن أن تُفاقم حالة عدم المساواة في المجتمعات، فيما يُمكن للتحويلات النقدية المصممة تصميماً جيداً أن تعود عليها بفوائد جمة. نعم، هذا صحيح. بحسب دراسة أُجريت في الهند عام 2019، فإن معدلات مساهمة الإناث في القوى العاملة قد ارتفعت نتيجة إيداع المساعدات النقدية في حسابات النساء (بدلاً من حسابات أزواجهن) وإطلاع هؤلاء النساء على كيفية استخدام الحسابات المصرفية.
استطراداً، ينبغي على صناع السياسة أن يقدموا للنساء مبالغ تحفيزية عن طريق توجيه الأموال نحو الأعمال التجارية التي يمتلكنها. ففي بعض الأحيان، يستتر التمييز بين الجنسين تحت خباء التفاصيل الدقيقة. ومن الأمثلة على ذلك، عدم تأهل غالبية الأعمال التجارية الخاصة بالنساء للحصول على قروضٍ حكومية أو خطط مشتريات تشترط بعض متطلبات الرسملة، والسبب: صغر حجمها وتحقيقها إيرادات أقل من الشركات المدارة من قبل الرجال. وفي هذا الخصوص، يُمكن للحكومات أن تحذو حذو كندا وتضمن تخصيص بعض المزايا للمؤسسات الخاضعة لقيادة نسائية، أو تسير على نهج دول أخرى وتوجه الأموال بحكمةٍ نحو القطاعات التي تشارك فيها المرأة على نحوٍ كبير: شراء الأرجنتين أقنعة من العاملات من منازلهن وإلغاء بوركينا فاسو رسوم المرافق لبائعات الفاكهة والخضار.
ويعتمد وصول النساء إلى هذا النوع من المزايا على قدرتهن المتساوية للوصول إلى الهواتف المحمولة. فقد بات استخدام هذه الأجهزة ضرورياً بشكلٍ متزايد عند شراء البضائع وبيعها، وعند تزويد المعلومات وطلبها، وعند مناقشة القضايا الحيوية، وعند نقل الأموال بين الحسابات المصرفية الإلكترونية. ومع ذلك، لا تزال أعداد النساء اللواتي يمتلكنَ هواتف محمولة في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، أقل بنسبة 10 في المئة من الرجال، ولا تزال أعداد النساء اللواتي يستخدمنَ الإنترنت عبر الهواتف المحمولة أقل بواقع 313 مليوناً مقارنةً بالرجال. والنتيجة هي حلقة مفرغة: انعدام المساواة بين الجنسين يُولد فجوةً رقمية بينهما والفجوة الرقمية تزيد من حدة انعدام المساواة وهكذا دواليك. ولكسر هذه الحلقة، يتعين على الحكومات أن تتمثل بكينيا وبنغلاديش اللتين تقدمان باقات خطوط وبيانات خاصة تُراعي بأسعارها وأسلوب تسويقها احتياجات النساء.
أخيراً، ينبغي على العالم الاعتراف بأعباء العمل غير المأجور وتخفيفها وإعادة توزيعها. ولربما يُتوقع من النساء أينما كان تمضية ساعات طويلة كل يوم في الطبخ والتنظيف وتقديم الرعاية غير المدفوعة الأجر حفاظاً على استمرارية أسرهن، لكن هذا التوزيع غير المتكافئ للعمل غير المأجور يُضعف فرادى النساء ويُقوض الاقتصاد ولا شك في أنه سيُبطئ مسيرة التعافي بعد كورونا. وعلى الصعيد العالمي، يُمكن لزيادة أوقات عمل النساء في مجال الرعاية غير المأجورة مقدار ساعتين أن تُخفض المشاركة النسائية في القوى العاملة بواقع 10 نقاط مئوية. ولهذا، يتوجب على الحكومات أن تحرص على تقدير أعمال النساء غير المدفوعة عن طريق سن سياسات تُعنى بمنح إجازات مدفوعة الأجر للوالدين العاملين وإعطاء الأولوية لاستثمارات البنى التحتية، مثل الكهرباء ومياه الأنابيب، التي تجعل العمل غير المأجور أقل استهلاكاً للوقت. وبالنسبة إلى أرباب العمل، فيُمكنهم أن يقدموا للموظفين ساعات مرنة وإمكانية العمل عن بعد حيثما أمكن، إلى جانب مروحة من الخيارات، من قبيل خدمات رعاية أطفال في مواقع العمل للموظفين الحضوريين. وعسى لكل هذه السياسات أن تشمل الرجال والنساء على حد سواء، على أمل قلب أدوار الجنسين رأساً على عقب بدلاً من تقويتها.
الإصغاء إلى الخبراء
“اصغوا إلى الخبراء” – عبارة أخرى تردد صداها أثناء الجائحة. ولا أحد ينفي أن منحنى الأزمات بقي مسطحاً في الأماكن التي اتبع فيها الناس توجيهات مسؤولي الصحة العامة في كل شيء، من ارتداء الأقنعة إلى إغلاق المطاعم، لكن نصائح خبراء العلوم ليست الوحيدة المطلوبة في الوقت الحالي. لنتأمل مثلاً المقترحات الواردة في هذا المقال والتي تتمحور بمعظمها حول الاعتراف بالنقاط العمياء وطرح أسئلة جديدة: إذا حولنا العاملين الصحيين إلى علاج المصابين بفيروس كورونا، عم عسانا نُبعدهم؟ هل تعكس البيانات الاقتصادية التي تحرك دفة استجابة أمتنا تجارب النساء أيضاً؟ هل يُعقل أن تظل دور إيواء ضحايا العنف الأسري مفتوحة تحت لواء “الخدمات الأساسية”؟ صدقوا أو لا تُصدقوا، يُمكن لطرح أسئلة مثل هذه أن يُمسي أكثر احتمالاً بوجود عناصر نسائية تتطرق إليها.
وكلنا يعلم أن غالبية رؤساء الدول وثلاثة أرباع المشرعين الوطنيين في العالم هم من الرجال، بهامش كبير. لكن بعض هؤلاء الرجال مناصرون حقيقيون للجنسانية (نذكر من بينهم: رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا الذي لم يتوانَ عن المجاهرة بضرورة وضع حد نهائي للعنف الجنساني حتى أثناء الإغلاق التام الذي فرضه كورونا على بلاده). وفي سياق الوضع العالمي الراهن، باتت مصلحة كافة المسؤولين الرجال تقضي في ضمان مشاركة النساء في صناعة القرارات المتعلقة بآليات الاستجابة لكورونا.
ومما لا شك فيه أن الفيروس المستجد قد حرك عدداً هائلاً من لجان الشريط الأزرق والمجموعات الاستشارية غير الرسمية وسواها من الهيئات المخصصة التي تساعد في تحديد كل شيء، بدءاً بوقت إعادة فتح الاقتصادات وصولاً إلى كيفية توزيع اللقاحات. ولكي تُؤتي هذه التحركات ثمارها، لا بد من أن تكون النساء – والأهم من ذلك، النساء من خلفيات متنوعة – ممثلات فيها بالتساوي؛ ولا بد من أن تتجاوز حكومات الدول أروقة السلطة النموذجية وتتضافر الجهود مع المنظمات النسائية الشعبية التي يمكن أن يساعد فهمها العميق للفئات المهمشة في عدم إهمال الاستجابات الرسمية لأي امرأة. وهذا الأمر ليس بجديد، فقد سبق لبعض الحكومات أن رأت في هذه المجموعات حلفاء مهمين لها في مكافحة الفيروس المستجد. في الهند مثلاً أوائل مايو (أيار)، قام الآلاف من أعضاء المنظمات النسائية الشعبية بتصنيع أكثر من 100 مليون كمامة طبية و200 ألف علبة معدات وقاية شخصية و300 ألف ليتر من معقم اليدين.
هذه هي إذن الطريقة التي ستُتيح لنا الخروج من الوباء بجميع أبعاده: الإقرار بأن النساء لسنَ مجرد ضحايا لعالمٍ محطم والتسليم بقدرتهن على هندسة عالمٍ أفضل.
– مليندا غيتس هي الرئيسة المشاركة لـ”مؤسسة بيل ومليندا غيتس” (BMGF).
مترجم عن فورين آفيرز 15 يوليو (تموز) 2020
المصدر: اندبندنت عربية