يحاول الزعيم التركي الاستفادة من انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي لإضعاف الدعم الدولي لـ «وحدات حماية الشعب» في سوريا، لكنه قد يكون راضياً عن تنازلات رمزية تعزز فرص إعادة انتخابه.
في 13 أيار/مايو، وضع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عصاه في عجلة خطط “الناتو” الرامية إلى توسيع الحلف رداً على الغزو الروسي لأوكرانيا، وأعلن أنه سيعترض على انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف خلال اجتماع القمة المقرر انعقاده في مدريد هذا الأسبوع. ومن بين الأسباب الأخرى التي أشار إليها أردوغان هي وجود شبكات مرتبطة بـ «حزب العمال الكردستاني»، الجماعة التركية المقاتلة التي يعتبرها حلف “الناتو” كياناً إرهابياً وصُنفت رسمياً على هذا النحو من قبل العديد من الدول الأعضاء في الحلف.
وسابقاً، أجرى دبلوماسيون أتراك وسويديون محادثات وراء الأبواب المغلقة حول إيجاد حل لمسألة «حزب العمال الكردستاني» قبل انضمام السويد إلى حلف “الناتو”، غير أن أردوغان قرر إخراج هذه المناقشات إلى العلن. ويُفترض أنه فعل ذلك تماشياً مع فلسفته السياسية الراسخة المتمثلة في تحويل “ما هو جيد لتركيا” إلى “ما هو جيد لأردوغان” – أي أنه سيواجه انتخابات في حزيران/يونيو المقبل (أو في تشرين الثاني/نوفمبر، إذا تم إجراؤها مبكراً) ويرى فائدة كبيرة في استغلال توسع حلف “الناتو” في البلدان الشمالية لتعزيز فرص (نجاحه في الانتخابات).
وبغض النظر عن مثل هذا التسييس، فإن بعض مخاوف أنقرة على الأقل من شبكات «حزب العمال الكردستاني» في السويد مبنية على وقائع: فالدولة الشمالية تضم عدداً كبيراً من السكان الأكراد في الشتات، من بينهم عناصر صغيرة ولكنها لا تتوانَ عن التعبير علناً عن تأييدها لـ «حزب العمال الكردستاني»، وبالفعل تُعتبر بعض الأنشطة المبلغ عنها هناك إشكاليةً (مثل حملات جمع التبرعات للجماعة). وهناك مصدر قلق ثانوي وهو العلاقات العلنية بين ستوكهولم و«وحدات حماية الشعب» – الفرع السوري لـ «حزب العمال الكردستاني» – والتي شملت عًقد اجتماع في كانون الأول/ديسمبر 2021 بين وزيرة الخارجية السويدية آن ليندي والمسؤولة في «وحدات حماية الشعب» إلهام أحمد. ومع ذلك، قد لا يكون بعض مسؤولي “الناتو” متعاطفين مع هذا القلق. فعلى الرغم من اعتراف بعض الحكومات الأعضاء في الحلف، بما فيها واشنطن، بالروابط بين «حزب العمال الكردستاني» و «وحدات حماية الشعب»، إلا أنها لا تعتبر هذه الأخيرة كياناً إرهابياً – وفي الواقع، اعتمدت بشكل كبير على قوات «وحدات حماية الشعب» لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا منذ أن انضوى التنظيم رسمياً تحت مظلة «قوات سوريا الديمقراطية» عام 2015.
أما بالنسبة لفنلندا، فيمكن اعتبار محاولة انضمامها المتعثرة على أنها أضرار جانبية للجدال السويدي – ليست هناك تقريباً شبكات لـ «حزب العمال الكردستاني» في فنلندا، وليس لهلسنكي علاقات مع «وحدات حماية الشعب». ومع ذلك، تتعامل تركيا مع الطلبين المتزامنين من هذين البلدين في الشمال الأوروبي وكأنهما طلب واحد. وفي النهاية، تأمل أنقرة في استخدام طلب عضوية السويد لإرساء سابقة بين المرشحين الحاليين والمستقبليين للانضمام إلى الحلف، أي أنه ليس من المقبول أن يقيم حلفاء “الناتو” علاقات وثيقة مع «وحدات حماية الشعب» أو الاحتفاء بها علناً.
ومع ذلك، لن يكون من السهل تلبية جميع مطالب تركيا المحددة، إذ تريد أنقرة من ستوكهولم رفع حظر الأسلحة الفعلي الذي فرضته ضد تركيا بعد توغلها العسكري في عام 2019 في الأراضي التابعة لـ «وحدات حماية الشعب» في شمال سوريا. وقد سبق أن ذكر المسؤولون السويديون أساساً أنه حظر غير رسمي، مما يوحي بإمكانية رفعه. كما تريد أنقرة من السويد الاعتراف علناً بالتهديد الذي تشكّله «وحدات حماية الشعب» لتركيا، وربما التزام ستوكهولم بتقليل مستوى العلاقات مع الجماعة تمهيداً لحلّها بالكامل في نهاية المطاف.
غير أن المستقبل السياسي للحكومة السويدية الراهنة يعتمد على تصويت نائبة واحدة، هي أمينة كاكابافيه. فهي من أصل كردي ومتعاطفة مع «وحدات حماية الشعب». وأشارت مؤخراً إلى أنها لن تدعم الحكومة بعد الآن إذا تراجعت عن دعمها للجماعة السورية. وبالتالي، تجد السويد نفسها في موقف حرج، وسيكون من الصعب تحقيق أي تقدم في قمة مدريد هذا الأسبوع.
ويدرك أردوغان جيداً هذه الصعوبات، وقد يكتفي بالتراجع عن بعض مطالبه فقط، مثل إعلان ستوكهولم أن “السويد ستقف إلى جانب تركيا بوجه جميع التهديدات الإرهابية من سوريا”. ونظراً لأنه يسيطر على حوالي 90 في المائة من وسائل الإعلام في تركيا، فيمكنه تصوير أدنى تنازل سويدي لأنقرة باعتباره فوزاً كبيراً بين قاعدة مناصريه الشعبويين المتعصبين للوطن قبل الانتخابات المقبلة – على سبيل المثال، إذا اختار إجراء انتخابات مبكرة في تشرين الثاني/نوفمبر، فقد يتماشى ذلك بشكل جيد مع الاجتماع الوزاري لحلف “الناتو” المقرر عقده في ذلك الوقت تقريباً. وحتى خطوة رمزية إلى حد كبير يمكن اعتبارها انتصار لأردوغان على أوروبا ورجوعٌ مُجازي عن الهزيمة العثمانية على أبواب فيينا عام 1683 – وهذا نوع من المشاعر القومية التي من شأنها أن تلقى أصداء إيجابية بين الأتراك الذين لا يدعمون عادة أردوغان. وبدلاً من ذلك، إذا قرر أردوغان إجراء الانتخابات في حزيران/يونيو المقبل كما هو مقرر، فقد يؤجل الموافقة على انضمام السويد إلى حلف “الناتو” إلى حين انعقاد قمة “حلف شمال الأطلسي” في عام 2023 في ليتوانيا. وفي كلتا الحالتين، سيكون تركيزه الأساسي على محاولة الاستفادة من هذه القضية من منظور سياسي داخلي.
وبشأن العلاقات الأمريكية التركية، أجرى أردوغان والرئيس بايدن مكالمة هاتفية في الثامن والعشرين من حزيران/يونيو الحالي وتحدثا عن الاجتماع في قمة مدريد. ويتوق أردوغان إلى التعامل مع واشنطن، على الرغم من عدم إجرائه الكثير من الحوار مع بايدن منذ تولي الرئيس الأمريكي منصبه العام الماضي. إذاً، من بعض النواحي، يمكن اعتبار مصاعب السويد في الانضمام إلى حلف “الناتو” على أنها أضرار جانبية من التوترات بين الولايات المتحدة وتركيا. وقد يتطلب كسر الجمود الذي يواجهه “حلف شمال الأطلسي” على صعيد الشمال الأوروبي في وقت مبكر من قمة هذا الأسبوع، إجراء مناقشات مباشرة حول هذه القضية بين بايدن وأردوغان – وفي هذه المرحلة، تكون احتمالات إعطاء أنقرة الضوء الأخضر لانضمام السويد وفنلندا عاجلاً وليس آجلاً قد تحسنت لتصل إلى المناصفة بين الإيجابي والسلبي. ومهما يحدث حول هذه القضية، تدرك إدارة بايدن واقع كَوْن شراكة أمريكا مع تركيا مهمة وتستحق الاهتمام الوثيق.
سونر چاغاپتاي هو زميل “باير فاميلي” ومدير “برنامج الأبحاث التركي” في معهد واشنطن، ومؤلف كتاب “سلطان في الخريف: أردوغان يواجه قوات تركيا التي لا يمكن احتوائها”.
المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى