لم تتوقف التهديدات التركية بشن عملية عسكرية جديدة ضد التنظيمات الكردية التي تتهمها أنقرة بـ«الإرهاب»، إذ تم رصد ما لا يقل عن ثماني تهديدات تركية رسمية، من دون أن تُترجم بتحركات عسكرية على الأرض، الأمر الذي جعل مصداقيتها على المحك.
وبعد حديث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 23أيار/مايو الماضي، أكد مجلس الأمن القومي على ضرورة العملية العسكرية لأمن تركيا القومي، وبعدها بأيام جدد أردوغان تأكيده على ضرورة العملية في اتصال هاتفي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تزامناً مع تصريحات لوزير دفاعه خلوصي آكار، أعلن من خلالها الجهوزية الكاملة للجيش والشرطة التركية على الحدود السورية لأي عملية عسكرية جديدة داخل الأراضي التركية.
ومطلع حزيران/يونيو الحالي أعاد أردوغان التأكيد على أن بلاده تستعد لعملية عسكرية تستهدف بالدرجة الأولى طرد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من مدينتي منبج وتل رفعت في ريف حلب الشمالي، وبعدها بنحو أقل من أسبوع قال أردوغان إن تركيا تواصل بعناية الأعمال المتعلقة باستكمال الخط الأمني على حدودها الجنوبية عبر عمليات جديدة. وفي 8 حزيران/يونيو انضم وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو إلى قائمة المسؤولين الأتراك الذين هددوا بإطلاق العملية، قائلاً خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف إنه «يجب تطهير سوريا من التنظيمات الإرهابية التي تهدد وحدة أراضيها وأمن تركيا»، مضيفاً أن تركيا لا يمكنها أن تتسامح مع الهجمات التي تتعرض لها.
وكذلك، قال أردوغان في منتصف حزيران أيضاً: «نناضل وفق مصالحنا وأهدافنا، ونحن جاهزون للدخول إلى تلك المناطق خلف حدودنا، وتدمير كل من يزعجنا بغض النظر عن الطرف الموجود هناك». وأخيراً، أكد الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، الأحد، أن قوات بلاده مستعدة للعملية العسكرية الجديدة في شمال سوريا، ويمكن أن تبدأ في أي لحظة.
وبذلك يكون تهديد قالن، هو الثامن من نوعه في غضون شهر واحد، من دون أن يشهد الشمال السوري، المسرح المرتقب للعملية التركية «المحتملة» أي تحرك عسكري على الأرض، إلى جانب تصريحات عديدة مشابهة من قبل «الجيش الوطني السوري».
ويقول الباحث في الشأن السياسي محمد السكري، إن تصريح المتحدث باسم الرئاسية التركية، يأتي تأكيداً على مساعي أنقرة بشن عملية عسكرية في سوريا، لكن، بتقديري لا يخرج عن إطاره السياسي كونه خرج عن جهة سياسية وعلى المستوى الفني في الرئاسة. ويضيف لـ«القدس العربي» أن من الواضح أن هناك صعوبة لجهة تنفيذ العملية العسكرية بعد الفيتو الأمريكي، والروسي المشترك، رغم امتلاك تركيا أوراق جديدة لكنها ما زالت غير كافية لتحويلها لمكسب عسكري.
ويكمل السكري بأن التصريح لا يقلل من أهمية العملية، فتركيا تريد السيطرة على شريط حدودي بعمق 30 كيلومتراً ضمن سياساتها الاستراتيجية في ملف السياسة الدولية والخارجية، قد لا تتحقق بسهولة وتحتاج إلى وقت، وفي المقابل، تستمر في تأكيداتها على العملية العسكرية.
وفي السياق ذاته، يرى المحلل السياسي فواز المفلح لـ«القدس العربي» أن تواتر التهديدات التركية دون تنفيذها على الأرض يؤشر إلى فشل تركيا في الحصول على موافقة الأطراف الدولية على هذه العملية.
ويقول المحلل، إن تكرار التصريحات والوعيد عن عملية تركية جديدة بدون تنفيذها على أرض الواقع، يعني حكماً عدم موافقة روسيا والولايات المتحدة على هذه العملية، وهو ما عبرت عنه التصريحات الصادرة عن واشنطن وموسكو. والواضح، من وجهة نظر المفلح، أن هناك حالة من التوافق الروسي الأمريكي على قطع الطريق أمام أنقرة للاستفادة من تبعات الحرب الأوكرانية في سوريا» حسبما يرى المفلح.
في المقابل، يرى المحلل السياسي الدكتور باسل المعراوي، أن تواتر التصريحات التركية إنما يؤشر إلى صعوبة الحسابات السياسية المعقدة التي تخوضها تركيا، والتي تفوق بالصعوبة العملية العسكرية على الأرض. ويقول لـ«القدس العربي»: إن «تركيا حريصة على سمعتها على المستوى الشعبي المحلي والدولي، وهذا يعني أن العملية ستنفذ، لكن توقيتها يبقى رهن القرار السياسي» حسبما يرى المعراوي.
المصدر: «القدس العربي»