منذ أن نقلت وكالة رويترز عن مصدرين اثنين في حركة “حماس”، أن الأخيرة قررت استئناف علاقاتها مع سوريا بعد قطيعة امتدت 10 سنوات، وأن حماس اتخذت قراراً بالإجماع لإعادة العلاقة مع سوريا”، وأن مسؤولاً في الحركة -طلب عدم الكشف عن هويته- لـ”رويترز” قال إن الطرفين (حماس ونظام الأسد) عقدا لقاءات على مستويات قيادية عليا لتحقيق ذلك”.
انتشر جدل واسع على المستوى الإعلامي حول هذا الخبر بعد نشره، لكن الغائب الوحيد عن هذا الجدل هو الموقف الرسمي من الحركة تجاه ما أحدثه نشر هذا الخبر، ويبدو واضحاً لا بل ومؤكداً أن هناك تعميماً داخلياً بعدم التجاوب مع وسائل الإعلام للتعليق على هذا الأمر، لا سيما أن العديد من وسائل الإعلام أفادت بأنها تواصلت مع مسؤولين في الحركة ورفضوا الإدلاء بأي تصريح أو تعليق، بحسب ما نشرته هذه الوسائل الإعلامية.
نص الخبر يستدعي وقفة مع كل تفصيل فيه، ولكن لنذهب سريعاً إلى تطور مسار علاقة حماس بالنظام خلال السنوات العشر التي مضت لنا لإنعاش الذاكرة ثم نعود بعدها لتوقيت إعادة العلاقات مع النظام وتمنّع الحركة عن إصدار تعقيب على الخبر وما هو الثمن الذي دفعته.
مع انطلاق شرارة الثورة السورية ارتبكت الفصائل الفلسطينية وبدا التخبط واضحاً في رؤيتها للتعاطي معها، وربما كانت حركة حماس الأكثر حرجاً في ذلك، بينما حسمت الفصائل المحسوبة تاريخياً على النظام السوري موقفها، إذ قررت الاصطفاف إلى جانب النظام وفي مقدمة هذه الفصائل الجبهة الشعبية القيادة العامة.
ويعود حرج حماس إلى كونها لم ترغب في خسارة النظام الذي احتضنها ودعمها، وهذا واقع لم تنكره كل قيادات الحركة بغض النظر عن مآرب النظام في هذا الدعم وغاياته وتوظيفه له، الأمر الذي لم يظهر بوضوح إلا بعد الثورة السورية، وفي ذات الوقت لم تكن تريد حماس أن تقف في وجه الشعب السوري الذي ترى أن مطالبه في حينها مشروعة، إذ أكدت في بيانها الأول الذي اتسم بالحياد الإيجابي تجاه ما يجري في سوريا في 2 من أبريل/نيسان 2011، وقوفها إلى جانب سوريا شعباً وقيادة، قائلة: “ما يجري في الشأن الداخلي يخص الإخوة في سوريا، إلا أننا انطلاقاً من مبادئنا التي تحترم إرادة الشعوب العربية والإسلامية وتطلعاتها، نأمل تجاوز الظروف الراهنة؛ بما يحقق تطلعات وأماني الشعب السوري، وبما يحفظ استقرار سوريا وتماسكها الداخلي، ويعزِّز دورها في صفِّ المواجهة والممانعة”.
وقد تطور الموقف من الحياد الإيجابي إلى الاصطفاف إلى جانب الشعب السوري في ثورته، وقد تمظهر ذلك في تصريحات رئيس مكتبها السياسي آنذاك السيد خالد مشعل سواء من إسطنبول في مؤتمر لحزب العدالة والتنمية أواخر عام ٢٠١٢ أو من قطاع غزة بعدها بفترة وجيزة، وكذا نائبه السيد إسماعيل هنية من على منبر الأزهر الشريف في مصر، وتوالت التصريحات والمواقف التي تشي بوضوح إلى مواقف داعمة للشعب السوري، وجميعها موثقة بالصوت والصورة، فضلاً على مغادرة حماس لسوريا في إشارة تؤكد عدم رضاها عن مواقف النظام وممارساته القمعية وحلوله الأمنية وفشل وساطتها التي تحدث عنها السيد مشعل في أكثر من مناسبة.
سارت الأمور على هذا الحال وصولاً إلى رصد بدايات التحوّل في مواقف الحركة والذي تجلى في وصف الثورة السورية بـ”الفتنة“، على لسان رئيس المكتب السياسي الحالي، إسماعيل هنية، الأمر الذي اعتُبر تقرباً من النظام ومحاولة لعودة العلاقات، وتزامنَ ذلك مع تغيرات عسكرية ميدانية على الأرض لصالح النظام وتطور في المستوى الذي وصلت إليه علاقات الحركة مع إيران وحزب الله بعد الفتور الذي أصابها.
ومن دون شك لا يمكن إغفال تراجع تيار الإخوان في المنطقة وتأثيره على مسار الحركة، فقد كان صعود التيار أحد الأسباب التي شجعت حركة حماس على مواقفها السابقة تجاه النظام إبان صعود الإخوان بعد ثورات الربيع العربي.
وتوالت التصريحات التي تظهر التحوّل في مواقف الحركة لجهة التقارب مع النظام والتقرّب منه، ولعل أبرزها موقف السيد أسامة حمدان على قناة الميادين في رده التحية للنظام بأفضل من تحية النظام نفسه، إلى تصريحات يحيى السنوار المتكررة، وكذا السيد خليل الحية بعد القصف الإسرائيلي لمطار دمشق، وكلها أيضاً موثقة بالصوت والصورة، والكلمة لمن يود العودة إلى مضامينها التي تصب في اتجاه واحد وتأتي أيضاً في سياق واحد، واللافت أنها من خط وتيار واحد في الحركة.
وأمّا عن عدم تعليق حماس وتعقيبها على خبر رويترز، فإن ذلك في تقديرنا لا ينفي اتخاذ قرار بإعادة العلاقات مع النظام السوري، لأن هذا بات بحكم المعروف، ولكن ليس بإجماع كما جاء في الخبر الذي نشرته وكالة رويترز، ربما وصل النقاش داخلياً إلى مراحل متقدمة وغالباً اتخذت خطوات عملية تجاه النظام، لكن على ما يبدو أن توقيت الإعلان عنها وبهذه الطريقة كان إما من جانب من يدعم العودة بقوة لإنهاء الجدل في الأمر وإخراجه إلى حيز الواقع، وإمّا من الطرف غير المقتنع بجدوى إعادة العلاقات للإرباك والتشويش والمشاغبة عليه، والأرجح أنه من الطرف المؤيد والداعم لعودة العلاقات.
وعدم تعليق الحركة رسمياً في رأيي لأننا أمام تسريب من جهة، ومن جهة أخرى إذا علّقت إيجاباً فقد حسم الأمر دون التوافق المطلوب ووفق التوقيت المتفق عليه في الإعلان عن ذلك، وإذا نفت؛ أي علقت سلباً فقد يعود نقاش الأمر إلى المربع الأول ونقطة الصفر فيه.
ونرى أنه لا داعي حقيقة لانتظار النفي أو التأكيد بعد مرور هذا الوقت على نشر الخبر؛ لأن ثمّة تدافع داخل حماس لا تخطئه عين مهتم ومتابع فيما يتعلق بإعادة علاقتها مع النظام السوري، باختصار ستكون الغلبة فيه لمن يؤمّن فاتورة الرواتب وملحقاتها ويتحكم بمسار تدفق المال في شرايينها. وحتى اللحظة يبدو أنه خط وتيار إيران داخل الحركة.
وليست المشكلة بالضرر الذي سيلحق بحماس وحسب، فقد وقع الضرر منذ خطاب هنية الذي وصف به قاسم سليماني بـ”شهيد القدس”، وهو الذي قاد مجازر بحق الشعب السوري، وما تلاه من تصريحات وبيانات جاءت في ذات السياق. ولكن الذي يستحق وقفة حقيقة هو الضرر الكبير الذي سيلحق بالقضية الفلسطينية ورصيدها الأخلاقي والقيمي.
فلا ثمن حقيقياً ولا جدوى عملية من إعادة العلاقات بالمعنى السياسي والقيمي والأخلاقي، ولكنه إرضاء لمطلب إيراني، وبالمناسبة من كلا الطرفين من حماس والنظام، فالنظام ليس راضياً تماماً ولا نعتقد أنه مقتنع بجدوى إعادة العلاقة مع حماس، وتصريحاته كلها تصب بهذا الاتجاه، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر قول الأسد في لقاء مع صحيفة “إكسبرسن” السويدية في أبريل/نيسان 2015، إن “الأحداث أثبتت أن جزءاً من حماس، التي كانت بدورها جزءاً من الإخوان المسلمين، يدعم جبهة النصرة داخل مخيم اليرموك”.
كما قال في مقابلة مع صحيفة “الوطن” المقربة من النظام في ديسمبر/كانون الأول 2016: “كنا ندعم حماس ليس لأنهم إخوان، كنا ندعمهم على اعتبار أنهم مقاومة، وثبت في المحصلة أن الإخونجي هو إخونجي في أي مكان يضع نفسه فيه، يبقى من الداخل إخونجياً إرهابياً ومنافقاً”.
ولكن النظام لا يستطيع حقيقةً رفض طلب إيران التي هي بأمسّ الحاجة لإعادة ترتيب الأوراق داخل المحور الذي تقوده في ظل إعادة التموضع والحراك الذي يجري في المنطقة ضدها، وإيران تدرك تماماً حجم وثقل الورقة الفلسطينية ومن بوابة حماس المقاومة و”السنيّة” تحديداً.
يبقى أن نكرر ونؤكد على أن ثمة خسارة كبرى للقضية الفلسطينية ولحماس بالطبع من هكذا خطوة تطبيعية مع نظام مافيوي مجرم وقاتل لشعبه وللشعب الفلسطيني في سوريا وفي بلدان أخرى أبرزها لبنان، وهو نظام فاقد لأي قيمة عملية حتى على أرضه المستباحة التي لا يملك القرار عليها في ظل تقاسم النفوذ فيها وتعدد محتليها، وستدفع فلسطين وحماس مع الأسف هذه الضريبة من رصيدهما جراء اتخاذ مثل هذه المواقف والتقديرات الخاطئة عاجلاً أو آجلاً.
المصدر: عربي بوست