هجوم فلاديمير بوتين العسكري مستمر في ظل إدانة شبه جماعية من المجتمع الدولي. لا يزال الغزو الروسي لأوكرانيا الذي كان يُخشى وقوعه منذ زمن طويل يحرق الأخضر واليابس عقب إعلان فلاديمير بوتين عن “عمليته العسكرية الخاصة” ضد البلاد في ساعات الصباح الأولى من 24 فبراير (شباط) وقت أعلن الزعيم الروسي، من دون أي مبرر وجيه، عن الحاجة إلى “نزع السلاح واجتثاث النازية” من جارته بعد ثماني سنوات من القتال في دونباس [حوض نهر الدون].
في الوقت الذي يقوم فيه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بتمثيل قدوة يحتذى بها من شوارع كييف ويحاول حشد المجتمع الدولي بلا كلل ولا ملل للحصول على الدعم، فإن شعبه ينظم مقاومة مثيرة للإعجاب، ويعيق القوات المسلحة الروسية عن التقدم قدر المستطاع.
وفي غضون ذلك، يواصل المعتدي اللجوء إلى تكتيكات حرب من قبيل الحصار الوحشي، وتطويق مدن البلاد وإخضاعها لحملات قصف مكثفة، وهي استراتيجية شهدناها سابقاً في الشيشان وسوريا.
وتعرضت مدن من أمثال خاركيف وماريوبول للضرب بالصواريخ الروسية سعياً لتحقيق مكاسب تدريجية على الأرض في شرق وجنوب أوكرانيا في حين أدى استهداف المباني السكنية والمستشفيات ودور الحضانة إلى اتهامات غاضبة باستهداف المدنيين عمداً وارتكاب جرائم حرب.
ولم تتلق مناشدات زيلينسكي الأولية لحلف شمال الأطلسي بفرض منطقة حظر جوي أي استجابة حتى الآن، إذ يخشى الغرب من أن يُفسر مثل هذا التصرف على أنه استفزاز من قبل روسيا ويجر الحلف إلى حرب أكبر من ذلك بكثير على أوروبا الشرقية.
ومع ذلك، أدان الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ونظراؤهم الأوروبيون والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش هجوم موسكو “غير المبرر والذي لم يسبقه أي استفزاز” ووعدوا بمحاسبة روسيا، وتمثل ذلك في فرض الغرب عدة حزم من العقوبات الاقتصادية الصارمة ضد البنوك والشركات ومؤيدي الحكومة الروسية، وزودوا أوكرانيا بأسلحة إضافية ومعدات وتمويل لدفاعها.
وعلى رغم ذلك، واجه الحلفاء أيضاً موجة انتقادات لعدم اتخاذهم إجراءات كافية لدعم أكثر من 5 ملايين لاجئ فروا من الصراع الدائر في وطنهم إلى دول مجاورة مثل بولندا والمجر وسلوفاكيا ورومانيا ومولدوفا.
وبدأت التوترات في المنطقة في ديسمبر (كانون الأول) عندما احتشدت القوات الروسية على حدودها مع أوكرانيا ثم تصاعدت خلال الأسبوع الأخير من فبراير (شباط) عندما قام السيد بوتين بالاعتراف رسمياً بالمناطق الانفصالية الموالية لروسيا، جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوغانسك الشعبية كدولتين مستقلتين.
ومكّنه ذلك من نقل الموارد العسكرية إلى تلك المناطق، تحسباً للهجوم المقبل، تحت ستار توسيع رقعة الحماية للحلفاء.
وعنى ذلك التطور أن المفاوضات الدبلوماسية المحمومة التي تبناها أمثال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتز، ووزيرة خارجية المملكة المتحدة ليز تروس على مدار أشهر على أمل تجنب الكارثة لم تسفر في النهاية عن شيء.
ولكن ما هي القضايا الرئيسية وراء الصراع، ومن أين بدأ كل شيء وكيف يمكن أن تتطور الأزمة؟
كيف اندلعت الأزمة؟
تساعد العودة للوراء وتحديداً إلى 2014 على إضفاء مزيد من السياق للوضع الحالي. في ذلك العام ضمت روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية، عقب طرد المحتجين الرئيس الموالي لموسكو فيكتور يانوكوفيتش من السلطة.
وبعد انقضاء عدة أسابيع، ألقت روسيا بثقلها خلف حركتي تمرد انفصاليتين في مركز أوكرانيا الصناعي الشرقي، المتمثل في دونباس، والتي شهدت في النهاية إعلان المتمردين الموالين لروسيا في دونيتسك ولوغانسك استقلال جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوغانسك الشعبية على رغم أن المجتمع الدولي لم يعترف بهما على الإطلاق.
وتسبب الصراع في قتل ما يربو على 14 ألف شخص واستمر طوال السنوات الماضية، وأنزل الدمار والهلاك بالمنطقة.
واتهمت أوكرانيا والغرب روسيا بإرسال قوات وأسلحة لدعم المتمردين غير أن موسكو نفت هذه المزاعم وصرحت بإن الروس الذين انضموا للانفصاليين فعلوا ذلك بملء إرادتهم.
وفي عام 2015، جرى التوصل إلى اتفاق سلام “مينسك-2” وبوساطة فرنسية ألمانية للمساعدة على إنهاء المعارك التي امتدت على نطاق واسع. وألزم الاتفاق المكون من 13 مادة أوكرانيا بمنح الحكم الذاتي للمناطق الانفصالية والعفو عن المتمردين بينما تستعيد أوكرانيا السيطرة الكاملة على حدودها مع روسيا في الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون.
غير أن هذا الاتفاق معقد للغاية لأن موسكو أصرّت على أنها لم تكن طرفاً في الصراع، بالتالي فهي غير ملزمة بشروطه.
وتتضمن المادة 10 من الاتفاق دعوة لسحب جميع التشكيلات المسلحة الأجنبية والمعدات العسكرية من جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوغانسك الشعبية المتنازع عليهما. وتقول أوكرانيا إن ذلك يشير إلى القوات الروسية لكن موسكو نفت في السابق وجود أي من قواتها في تلك الجمهوريات.
وفي العام الماضي، أثار تصاعد انتهاكات وقف إطلاق النار في الشرق وتمركز القوات الروسية بالقرب من أوكرانيا مخاوف من اندلاع حرب جديدة لكن حدّة التوترات انحسرت عندما سحبت موسكو الجزء الأكبر من قواتها عقب مناورات أجرتها في أبريل (نيسان).
كيف هو الوضع في الوقت الحاضر؟
في أوائل ديسمبر (كانون الأول) 2021، علم مسؤولو الاستخبارات الأميركية أن روسيا تخطط لنشر ما يصل إلى 175 ألف جندي بالقرب من الحدود الأوكرانية استعداداً لغزو محتمل خمنوا حدوثه في أوائل عام 2022.
كما أن كييف اشتكت أن موسكو وضعت أكثر من 90 ألف جندي بالقرب من حدود البلدين، محذرةً من إمكانية حصول “تصعيد على نطاق واسع” في (كانون الثاني) يناير.
إضافة إلى ذلك، قال رئيس أركان القوات المسلحة الأوكرانية إن روسيا لديها حوالى 2100 عسكري في منطقة شرق أوكرانيا التي تخضع لسيطرة المتمردين وأن الضباط الروس يشغلون جميع المناصب القيادية داخل القوات الانفصالية.
وكانت موسكو قد نفت مراراً وجود قواتها في شرق أوكرانيا، ولم تقدم أي تفاصيل عن أعداد أفرادها ومواقعها العسكرية، قائلةً إن انتشار قواتها على أراضيها لا يعني أحداً.
وفي غضون ذلك، اتهمت روسيا أوكرانيا بخرق اتفاق “مينسك-2” وانتقدت الغرب لعدم تشجيع أوكرانيا على الامتثال لشروط الاتفاق.
وفي خضم هذه الحدّة، رفض بوتين عقد اجتماع رباعي مع أوكرانيا وفرنسا وألمانيا، قائلاً إنه لا جدوى منه في ضوء رفض أوكرانيا الالتزام بالاتفاق المبرم عام 2015.
كما انتقدت موسكو بشدة الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي لتزويدهم أوكرانيا بالأسلحة وإجراء تدريبات مشتركة، قائلةً إن ذلك يشجع الصقور الأوكرانيين على محاولة استعادة المناطق التي يسيطر عليها المتمردون بالقوة.
ومن المعلوم أن بوتين يشعر باستياءٍ شديد مما يعتبره تحولاً تدريجياً لحلف شمال الأطلسي شرقاً منذ انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1989 وهو مصمم على منع أوكرانيا من الوصول إلى صفوفه.
ما المتوقع حدوثه؟
بإعلان بوتين في 24 فبراير (شباط)، يكون السيناريو الأسوأ قد تحقق على أرض الواقع.
كان الكرملين قد نفى في السابق بشكل متكرر أن يكون لديه أي خطط للغزو، وهي ادعاءات لم يصدقها إلا ثلة، ولسبب وجيه، كما اتضح في ما بعد.
حتى بعد إعلان الرئيس الروسي الحرب، نفى المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة أن يكون لدى موسكو أي مشكلات مع الشعب الأوكراني وأصر أنه لن يجري استهداف المدنيين وسيكون التركيز على من هم في السلطة فقط.
وقد ثبت أن ذلك مجانباً للحقيقة تماماً.
واتفق القادة الغربيون بالإجماع على تحويل روسيا إلى دولة منبوذة على المسرح العالمي، وتعهدوا بأن عقوباتهم ستدمر الاقتصاد الروسي، مما قد يؤدي في النهاية إلى تجدد الضغط على بوتين في الداخل، على رغم ما بذله من جهود لإسكات وسائل الإعلام الناقدة والحركات الاحتجاجية الناشئة.
وفي غضون ذلك، طمأن الرئيس بايدن المجتمع الدولي بأن روسيا ستخضع للمساءلة عن أفعالها، قائلاً “روسيا وحدها هي المسؤولة عما يحلّ من موت وهلاك جراء هذا الهجوم، وسترد الولايات المتحدة وحلفاؤها وشركاؤها بطريقة موحدة وحاسمة”.
بنت “اندبندنت” تاريخاً حافلاً تفخر به في مجال تنظيم الحملات من أجل دعم حقوق الفئات الأكثر تهميشاً، وقد أطلقنا حملتنا الأولى بعنوان Refugees Welcome (مرحباً باللاجئين) أثناء الحرب في سوريا في عام 2015. واليوم، إذ نجدد حملتنا ونطلق هذه العريضة في أعقاب الأزمة الأوكرانية التي تتكشف، فإننا ندعو الحكومة إلى المضي قدماً بشكل أسرع لضمان وصول المساعدة. لمعرفة المزيد عن حملة Refugees Welcome، الرجاء النقر على الرابط هنا. للتوقيع على العريضة، الرجاء النقر على هذا الرابط. إذا كنتم ترغبون بالتبرع الرجاء النقر على هذا الرابط للذهاب إلى صفحتنا الخاصة على موقع GoFundMe.
المصدر: اندبندنت عربية