يمر على السوريين عيد الفطر الحادي عشر بعد انطلاقة الثورة السورية، مع ازدياد القلق من انسداد الأفق للحل السياسي للقضية السورية، وتعقد أوضاع غالبية اللاجئين منهم في داخل الوطن وخارجه، وتمزق إحدى مؤسسات الثورة التي كانت تتنطح إلى التمثيل السياسي الرسمي للحاضنة الشعبية للثورة بعد ما سمي بحملة إصلاحات طال انتظارها وتعددت الغايات منها، وأتت كالعادة لتحدث انشقاق ضمن صفوف مدعي التمثيل السياسي لثورة انطلقت منادية بإنهاء احتكار السلطة والمطالبة بالتداول الديمقراطي السلمي لها.
وإن كانت الأحداث على الساحة الدولية تعطي مؤشرات على وجود أزمة اقتصادية عالمية بعد الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، عقب بداية خروج العالم من أزمة الكورونا التي عصفت بالاقتصاد العالمي وأدت إلى تراجع النمو في أكبر اقتصاديات العالم، إلا أن هذه الأزمة كان لها الانعكاس المضاعف على اللاجئين السوريين في الداخل السوري وخارجه، بدءاً من التناقص الكبير في فرص العمل نتيجة تراجع الدعم الدولي للمشاريع التنموية إضافة لموجة الجفاف التي تضرب المنطقة للسنة الثانية على التوالي، ثم جاءت الأزمات الداخلية لدول اللجوء التي وجدت أطراف هذه الأزمات في اللاجئين السوريين الورقة الأمثل لتعليق فشلها في حل مشاكلها الداخلية، وتعليق كل عثراتها على مشجب استمرارية وجود اللاجئين السورين في بلدها دون أفق لعودتهم الكريمة إلى وطنهم.
وإن كانت الأعياد عادت تتسم بالنسبة للسوريين بالحركة الاقتصادية العالية إذ أن الجميع كان يدخر وفقاً لإمكانياته المادية لهذه الفرصة في إدخال البهجة لعائلته من خلال توفير احتياجاته السنوية من ملابس وحتى مقتنيات منزلية، إلا أن الأوضاع الاقتصادية وحالات النزوح لم تعد توفر هذه الرفاهية لغالبية السوريين في مناطق اللجوء كما في المناطق تحت سيطرة عصابات الأسد، فالأزمة الاقتصادية التي يعانيها السوريون في مناطق النزوح ضمن أرض الوطن أو في دول الجوار جعلتهم ليس أفضل حالاً مع غالبية السوريين الذين ما زالوا في المناطق التي هي تحت سيطرة عصابات الأسد، ولا يستثنى من ذلك سوى مجموعات ضئيلة يمكن تصنيفها ضمن المستفيدين من استمرارية الوضع القائم أو تجار الحروب.
وإن كان نسبة من السوريين الذين آثروا ركوب البحر واللجوء إلى الدول الأوربية التي اعتبرتهم لاجئين عليها ضمن القوانين الدولية التي تمنحهم مميزات السكن المجاني والضمان الصحي والضمان الاجتماعي وتغطية فترة اندماجهم ضمن مجتمعاتها، وهذه الشريحة التي قطعت معاناتها مع السواد الأعظم من السوريين الذين آثروا البقاء على حدود وطنهم أو ضمنه والتشبث بأمل العودة إلى مدنهم وحياتهم، فإن هذه الشريحة وبعد ظهور حوالي خمسة ملايين لاجئ أوكراني في أوربا خلال الشهرين الماضيين، إضافة إلى محاولات بعض الأنظمة إعادة تعويم نظام عصابات الأسد، فإن مظاهر القلق على استمرارية تنعمها بوضعها الحالية بدأت توضع عليه الكثير مؤشرات انعدام الديمومة.
وإن كانت فترة الأعياد عامة وعيد الفطر خاصة فرصة هامة لإعادة تجديد أواصر صلة الرحم لجميع المسلمين عامة وللسوريين خاصة، فإن أعياد السوريين ما بعد الثورة وخاصة في السنوات الأخيرة قد زادت من صعوبة تأدية هذه الطقوس للسورين عامة، فإن عمليات التهجير القسرية التي تعرض لها السوريون على مدار أحداث الثورة قد شتت العائلات السورية بين داخل أراضي الوطن وخارجه، وبين مناطق سيطرة عصابات الأسد ومناطق سيطرة قوى الأمر الواقع، مما أضاف على مشاكل السوريين الاقتصادية ونكبتهم في تهجيرهم من منازلهم ومدنهم تشتيتهم وتدمير العلاقات الاجتماعية التي كانت إحدى المميزات الأساسية للعائلات السورية عامة والتي تستثمر مناسبة شهر رمضان المبارك والأعياد عامة وعيد الفطر خاصة لتوثيق هذه العلاقات الاجتماعية وتوطيدها.
وتضاف إلى تشتت العائلات بين مناطق النزوح واللجوء، والتي تحرم الكثير من العائلات الفرحة الكاملة بقدوم عيد الفطر، أن الكثير من هذه العائلات إما لديها شهيد أو فقيد أو عاجزاً نتيجة الأعمال العسكرية لعصابات الأسد والقوى المساندة له. ومع ذلك فإن الكثير من العائلات تحاول جاهدة إبقاء الفرحة في نفوس أطفالها لأن هذه المناسبات هي الفسحة الوحيدة الممكن استثمارها لإشاعة نوع من البهجة والمساعدة في نفوس أطفال سورية الذين افتقدوا الكثير من السعادة في أيام طفولتهم. كما افتقدوا منازلهم ومدنهم وقراهم وأصدقائهم وأقربائهم، والبعض يفتقد عائلته.
وقد اعتاد السوريون على غدر عصابات الأسد في أيام عطلة الأعياد، والعديد من المجاز ارتكبتها عصابات الأسد في هذه المناسبات لتذكرهم بإجرامها لكونهم قد خرجوا على سطوة هذه العصابة، وطالبوا بحياة حرة كريمة بعيداً عن سطوة هذه العصابة وإجرامها. وإن كانت المناطق الخارجة عن سطوة هذه العصابة لا تنعم بالأمن والأمان الكافيين، وذلك بسبب تحول قوى الأمر الواقع المسيطرة على هذه المناطق إلى أمراء حرب يتنازعون على المغانم، ويسقط جراء ذلك المزيد من الشهداء والجرحى نتيجة أفعالهم المشينة، ونتيجة تحولهم من قوى ثورة إلى متقاتلين على الثروة.
وإن كانت مناسبات عيد الفطر مدعات لتذكر أيام الثورة التي كان ينتهز فيها ثوار السلمية تجمعهم ليعلنوا للعالم ولعصابات الأسد إصرارهم على متابعة النضال لتحقيق حلمهم بدولة الحرية والكرامة، وإنهاء دولة ماسمي بسورية الأسد، فإن حلمهم يصدم بقوى الأمر الواقع التي حولت هذا الحلم إلى مصدر للاسترزاق، فصحيح أن الثورة ليست طريقاً محفوفاً بالورود، وإنما هي صبر على المكاره وتضحية بكل غال وثمين، ولكن تحول المناطق الخارجة عن سيطرة عصابات الأسد إلى كنتونات لأمراء الحرب، يفرض إعادة توصيف الثورة وإعادة تفعيلها وإعادتها إلى سيرتها الأولى، فالثورة يجب كالشجرة أن تكون أوراقها متجددة، تتساقط منها الأوراق الصفراء المريضة، وتبقى الخضراء اللامعة. وهذا ما يفرض على الثوار مناقشته في اجتماعاتهم بهذه الأعياد، فالثورة ليست مجرد محاولة يائسة، يقوم بها مجموعة من الناس، لتغيير واقع فاسد، وحاكم مستبد، فإن انتصرت نجحت، وإن أجهضت خمدت وانتهت، وإنما الثورة السورية نضجت بفعل الزمن، ولا أحد يستطيع إيقاف الزمن.
المصدر: اشراق