توصل النظام السوري و«وحدات حماية الشعب» الكردية إلى اتفاق مساء الخميس يقضي بفك الحصار المتبادل في مناطق سيطرة الجانبين، حيث تحاصر قوات الفرقة الرابعة في جيش النظام حيي الشيخ مقصود والأشرفية والغالبية السكانية كردية في مدينة حلب، الأمر الذي دفع «الوحدات» الكردية إلى الرد بحصار المربعات الأمنية في القامشلي والحسكة ومنع إدخال الطحين والمواد التموينية للقرى العربية الموالية للنظام.
وقال مصدر محلي في الشيخ مقصود إن قوات الفرقة الرابعة التابعة للواء ماهر الأسد سمحت لنحو عشر شاحنات محملة بالطحين بالدخول إلى الحيين المذكورين، الخميس، مرسلة من «الإدارة الذاتية» في شرق سوريا، مضيفا أن الأفران عادت للعمل وإنتاج الخبز بعد توقف أكثر من شهر.
في المقابل، رفعت قوى الأمن الداخلي «أسايش» التابعة لـ«الوحدات» الكردية حصار المربع الأمني في الثكنة الفرنسية القديمة التي تتجمع فيها الأفرع الأمنية، وانسحب «أسايش» من فرن البعث الحكومي وهو أكبر أفران المدينة وسمحت بدخول الطحين إليه وإعادة تشغيله بالتوازي مع مرور قافلة الطحين إلى الحيين الكرديين في حلب. وفتحت حواجز الوحدات الطريق أمام صهاريج المازوت المخصصة لمولدات الكهرباء في فرن البعث.
ونقل المكتب الصحافي في محافظة الحسكة بحكومة النظام، عن مدير فرن البعث في مدينة القامشلي، أحمد الحسون «بدأنا العمل منذ لحظة وصول كميات الطحين المخصصة فجر الجمعة، وجرى توزيع قرابة عشرة آلاف ربطة خبز على المعتمدين حتى اللحظة». وفي السياق ألغى محافظ الحسكة، اللواء غسان خليل عطلة يوم السبت وعطلة عبد الفطر وطلب من موظفي الأفران العمل لتأمين الخبز بعد توقف 20 يوماً.
وفي سياق متصل، زار اللواء خليل المخبز الآلي بقرية جرمز جنوبي القامشلي، وذلك خلال جولة قام بها صباح الخميس، ودعا لجان فرع السورية للمخابز في الحسكة واللجان الفنية التابعة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي القائمة عليه إلى الإسراع بوضع اللمسات النهائية وإعلان الوقت المناسب لوضعها في الخدمة الفعلية.
وما زال الفرن بمراحله التجريبية ومن المتوقع ان يدخل الإنتاج خلال أيار (مايو) المقبل، ويؤمن الفرن الخبز لقرية جرمز والقرى المحيطة بها وهي القرى الموالية للنظام وتعتبر معقل الدفاع الوطني. وتقدر الطاقة الإنتاجية اليومية للفرن 9 أطنان ويشغل نحو 50 عاملاً. كما بدأ فرن المساكن بمدينة الحسكة بإنتاج الخبز بعد وصول 40 طنا من مادة الطحين، وهو أكبر أفران المدينة التي تتنازع الوحدات الكردية والنظام السيطرة عليه أيضا.
وفي تعليقه على أزمة الخبز، أعلن محافظ الحسكة استعداد حكومته «تقديم الخبز المدعوم لكافة أبناء محافظة الحسكة على كامل الجغرافيا» مشترطا تسليم قسد صوامع الحبوب والأفران والمطاحن إلى سلطة الدولة.
وقبل أيام حذرت الرئيسة المشتركة للمجلس الصحي لأحياء الشيخ مقصود والأشرفية التابع لـ«الإدارة الذاتية» ليلى حسن من نفاد الأدوية في الشيخ مقصود «بسبب الحصار الذي تفرضه الفرقة الرابعة التابعة لحكومة دمشق، مما يعرض حياة عشرات المرضى للخطر». حيث منعت حواجز الفرقة الرابعة دخول الطحين والمحروقات والمواد الغذائية والأدوية، منذ 13 آذار (مارس). وهدفت حواجز الفرقة الرابعة من الحصار رفع مبالغ الاتاوات المفروضة على البضائع وخصوصا الأدوية وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار أدوية الأطفال والأمراض المزمنة.
وتعتبر الأدوية أكثر المواد التي تقوم حواجز الفرقة الرابعة بفرض الأتاوات عليها وذلك بسبب الحاجة الملحة إليها لدى المحاصرين وباعتبارها أصغر حجما وأكثر غلاء من المواد التموينية.
وأشارت حسن في حوار مع وكالة «ANNA» الكردية أن تغير الطقس والانتقال الربيعي أديا إلى حالات اختناق وضيق تنفس وخصوصا لمرضى الربو بسبب نقص أجهزة الرذاذ وعدم توفر الاوكسجين لمعالجة المرضى.
وعن المفاوضات الجارية بين الطرفين، قال مصدران مطلعان على سير المفاوضات، إنها جرت في مطار القامشلي الذي تسيطر عليه القوات الروسية، وحصلت المفاوضات بعد عدة لقاءات، آخرها كان الخميس حضره قائد القوات الروسية العاملة في سوريا، ورئيس إدارة المخابرات الجوية التابعة للنظام، وقائد اللجنة الأمنية والعسكرية في محافظة الحسكة وقائد الفوج – 54 قوات خاصة التابع للفرقة 17 وهو القوة العسكرية النظامية في منطقة القامشلي ويسمى بفوج طرطب، نسبة لتمركزه في قرية طرطب الملاصقة للمدينة.
وحسب متابعة «القدس العربي» فإن «الوحدات» الكردية استمرت بالانتشار أمام المؤسسات الحكومية ولكنها سمحت للموظفين بالعمل فيها بخلاف اليوم الأول للتصعيد، وشملت المؤسسات، دائرة المالية ومؤسسة الكهرباء والمجمع التربوي والمركز العربي الثقافي ومؤسسة الحبوب ومراكز النقابات وشعب حزب البعث. كما عادت حركة الطيران المدني إلى مطار القامشلي بعد توقفها مدة يومين، واضطرار المرضى والمدنيين إلى التوجه إلى دمشق عبر الطريق البري الطويل وغير الآمن مع تزايد نشاط مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» في الرقة وريف حمص.
ومن الواضح، أن المفاوضين الكرد نجحوا في انتزاع الضمانات الروسية الأمنية والعسكرية بعدم تدخل الفرقة الرابعة بحيي الشيخ مقصود والأشرفية ومنطقة الشهباء في ريف حلب الشمالي. وهو ما سعوا إليه منذ بداية التوتر الحاصل، على اعتبار أن النظام السوري لم يف بالتزاماته بقضية الحيين الحلبيين، إذ حاصرت الفرقة نفسها الحيين مطلع عام 2021 وبعد ضغط «وحدات حماية الشعب» الكردية على الحسكة والقامشلي توصل الطرفان إلى حل بفك الحصارات المتبادلة. وفي حين كان مطلب الفرقة العام الماضي زيادة حصتها من النفط القادم من مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية»؛ فإن حصار الفرقة للشيخ مقصود والأشرفية لم يكن له أي مطلب واضح، بل يبدو هو من أجل التضييق وزيادة عائدات الفرقة العسكرية والتي تسيطر على أغلب الحواجز بين مناطق السيطرات العسكرية بين الأطراف المتنازعة في سوريا.
وتجني الفرقة التي يقودها شقيق رئيس النظام السوري، مئات الملايين من الليرات بسبب عمليات التعفيش وتجارة الخردة والاستيلاء على الأراضي الزراعية للمهجرين في الغوطة الشرقية بدمشق ومحافظات حماة وحمص وحلب وإدلب واللاذقية. وللفرقة مكتب أمني واقتصادي يدير أموال الأسد الشقيق، ولها واجهات اقتصادية أبرزها رجل الأعمال الصاعد خضر الطاهر الملقب أبو علي خضر، ووضعته وزارة الخزانة الأمريكية في تشرين الأول (أكتوبر) 2020 على لائحة العقوبات، ويمتلك الطاهر شركة القلعة للترفيق والحراسة وشركة اتصالات «ايما تل» المنافسة لرامي مخلوف لحظة تأسيسها.
ختاماً، تراجعت سيطرة النظام السوري في مدينة القامشلي بعد تحرك «الوحدات» الكردية الأخير، حيث فتحت الشوارع المؤدية إلى المربع الأمني وإزالة كل الحواجز في الطريق الواصل إليها من جهة شارع الرئيس شكري القوتلي والذي يمر أيضا بالمجمع الحكومي وقيادة منطقة القامشلي، ومن الجهة الغربية للمربع كذلك. وفتحت كذلك الشوارع أمام المحكمة وقاضي الفرد العسكري التابع للنظام، وهو الأمر الذي يراه البعض تقويضا لسلطة النظام، إلا أنه في حقيقة الأمر فإن النظام لن يخسر شيئا، على العكس فإن توسع سلطة «الوحدات» في الأحياء المدنية الموالية للنظام يخفف من العبء الملقى على كاهله من تأمين احتياجات الناس الأساسية وخدماتهم، فأولوية النظام هي بقائه في المؤسسات الأمنية والحزبية والسيادية، وعدم التعرض لها. أما مسألة إطعام المواطنين وتأمين الخدمات لهم فهو لا يمانع من تحولها لـ«الإدارة الذاتية» على العكس، ربما هو من يسعى لذلك، وبالطبع فإن «الوحدات» لا تهدف إلى طرد النظام أو إنهاء تواجده، فسيطرة كاملة على الحسكة يشجع أنقرة على عملية عسكرية ضدها، فوجود النظام دريئة تختبئ خلفها «الوحدات» الكردية.
المصدر: القدس العربي