في وقت أكد وزير الأمن في إسرائيل، بيني غانتس، تنفيذ قرار المصادقة على تزويد أوكرانيا بـ”معدات دفاعية” لمساعدتها في مواجهة القصف الروسي، عاد التوتر بين موسكو وتل أبيب، ليتضاعف القلق الإسرائيلي من مدى تداعيات ذلك على حرية سلاح الجو الإسرائيلي في سوريا، حيث يواصل قصفه بذريعة القضاء على أهداف إيرانية وأخرى تابعة لـ”حزب الله”، التي وفقاً للإسرائيليين تشكل تجاوزاً للخطوط الحمراء التي وضعتها تجاه سوريا وفي مركزها منع تموضع وانتشار إيران ونقل أسلحة إلى “حزب الله” في لبنان.
بعد إعلان غانتس، عادت الأجهزة الأمنية إلى مباحثات التعامل مع الرد الروسي على هذا القرار، وإذا ما كان التدهور في العلاقة سيؤدي إلى موقف روسي يهدد من خلاله سلاح الطيران الإسرائيلي في سوريا، من خلال تفعيل منظومات دفاعية روسية متطورة، إلى جانب التدهور في علاقة التنسيق بين الجيشين الروسي والإسرائيلي في سوريا.
وكان غانتس قد أبلغ نظيره الأوكراني، أليكسي ريزنيكوف، موافقة بلاده على طلب دعم أوكرانيا بمنظومات دفاعية تشمل “الخوذ والسترات الواقية”، التي سيتم نقلها إلى قوات الإنقاذ الأوكرانية والمنظمات المدنية هناك.
وسعى غانتس إلى إبعاد مفهوم هذا الدعم عن أي دعم عسكري لأوكرانيا بقوله إنه يأتي في سياق الجهود الإنسانية تجاه أوكرانيا. وحافظ غانتس على موقف إسرائيل الرافض تزويد أوكرانيا بمنظومة الدفاع الصاروخي “القبة الحديدية”، الذي اتخذ قبل فترة وجيزة، في محاولة لعدم التدخل في المعارك بين روسيا وأوكرانيا عسكرياً، والحفاظ على التفاهمات والعلاقات بين روسيا وإسرائيل حول نشاط الأخيرة الجوي في سوريا.
روسيا في سوريا والخطوط الحمراء الإسرائيلية
منذ بداية الحرب الأوكرانية تشهد إسرائيل معضلة حول دعمها أوكرانيا لمنع أي تدهور في العلاقة مع روسيا، لما تشكله العلاقة بينهما من أهمية على حرية الطيران الإسرائيلي في سوريا، علماً بوجود خلافات في إسرائيل، خصوصاً بين متخذي القرار رئيس الحكومة نفتالي بينيت الذي يتخذ موقفاً هادئاً مع روسيا، ووزيري الخارجية يائير لبيد والأمن بيني غانتس اللذين لم يترددا في إطلاق تصريحات منددة بالموقف الروسي في الحرب الأوكرانية.
تصعيد التوتر في العلاقة بدأ قبل موافقة غانتس على المطلب الأوكراني بتزويدها بـ”المعدات الدفاعية”، عندما أطلق لبيد تصريحات اتهم فيها روسيا بارتكاب جرائم حرب، سرعان ما ردت الخارجية الروسية ببيان شديد اللهجة جاء فيه “هذه محاولة لاستغلال الوضع في أوكرانيا من أجل صرف انتباه المجتمع الدولي عن أحد الصراعات الأقدم التي لم يتم حسمها، وهو الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني”. واعتبر السفير الروسي في إسرائيل، أنتولي فيكتوروف، أقوال لبيد “اتهامات لا أساس لها”، داعياً إسرائيل إلى اتخاذ موقف متزن، محذراً بشكل غير مباشر بقوله “موسكو وتل أبيب ما زالتا صديقتين”.
الإسرائيليون من جهتهم فهموا قول “ما زالتا صديقتين”، أن الأمر منوط بالمواقف الإسرائيلية تجاه الحرب الأوكرانية، وهو أمر اعترف الإسرائيليون أنه وضع متخذي القرار في معضلة من جديد، فلم يكن صدفة القرار الإسرائيلي بالامتناع عن الانضمام إلى العقوبات التي فرضت على روسيا، فقد استهدفت الحفاظ على علاقة جيدة مع روسيا لتضمن حرية عملها في سوريا، لكن ووفق مسؤول أمني فإن قرار غانتس وتصريحات لبيد “قد يسهمان في فقدان روسيا صبرها”.
ضباط إسرائيليون في مواقع سرية في أوكرانيا
التوتر في العلاقة بين روسيا وإسرائيل، الذي يخشى الإسرائيليون أن يصل إلى حد وقف أي تنسيق بينهما بات ينعكس في عدة مجالات، التي يمكن أن تسرع في وقف العلاقة، ولا شك أن الاتصال الهاتفي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يعتبر مؤشراً على ذلك. إذ أكد بوتين خلال المحادثة دعم حقوق الشعب الفلسطيني، وبأن موسكو ستواصل تقديم دعمها السياسي للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية كافة، مشدداً على رفضه الممارسات الإسرائيلية التي تحول دون وصول المصلين بحرية إلى المسجد الأقصى، وضرورة احترام الوضع التاريخي القائم للحرم القدسي وللقدس أيضاً.
وقرأ الإسرائيليون مضمون الرسالة كمؤشر لبداية تصعيد في الموقف الروسي ضد إسرائيل، ومن ثم تدهور إضافي للعلاقة بين البلدين. وهذا الأسبوع، أسهم الكشف عن وجود مجموعة من ضباط الاحتياط في الجيش الإسرائيلي في مواقع سرية في أوكرانيا لتدريب متطوعين للقتال ضد الهجوم الروسي في زعزعة هذه العلاقة.
والحديث عن ضباط سبق وخدموا في وحدة “الكوماندوس” في هيئة أركان الجيش ووحدات أخرى، ومهمتهم في أوكرانيا تدريب مواطنين متطوعين على القتال ضد القوات الروسية في مواقع سرية غرب البلاد، كما ذكر تقرير إسرائيلي.
وأثار هذا الكشف نقاشاً إسرائيلياً حذر خلاله أمنيون من مساهمته في توتر العلاقة مع روسيا، حيث جاء الكشف بعد إعلان جنود إسرائيليين من أصل أوكراني عن استعدادهم للسفر إلى أوكرانيا للمساعدة في القتال ضد روسيا.
ملكية أرض كنيسة سبب للتوتر
من جانب آخر، يثير في هذه الأيام حالةً من النقاش والتوتر بين موسكو وتل أبيب، عدمُ تجاوب إسرائيل مع المطلب الروسي بنقل ملكية الأرض الواقعة عليها كنيسة ألكسندر في حي النصارى في القدس إلى الحكومة الروسية وفيها البعثة الكنسية الروسية.
وفي الطلب الذي وصل إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية شدد الروس على أن هذه المسألة تشكل أهمية كبيرة في إطار العلاقات مع إسرائيل، وتقف على رأس جدول أعمال العلاقات الروسية الإسرائيلية منذ فترة.
وتطالب روسيا إسرائيل منذ فترة بتسوية الخلافات التي تتعلق بتسجيل ملكية الأرض، ويخشى الإسرائيليون أن تؤدي هذه القضية إلى أزمة دبلوماسية حقيقية بين إسرائيل وروسيا.
يشار إلى أن هذه الأرض المقامة عليها الكنيسة تعتبر ذات حساسية بالغة، وهي مسجلة في سجل الأراضي باسم “المملكة الروسية”.
وفي وقت تقف العلاقة بين موسكو وتل أبيب على حبل دقيق جداً، تبقى ورقة المساومة الأقوى لدى روسيا قدرتها على منع إسرائيل من توجيه ضربات في العمق السوري، وعدم تنفيذ مثل هذه العمليات بحرية لامتلاك سوريا صواريخ روسية متقدمة مضادة للصواريخ التي يمكن أن تقرر روسيا منح صلاحية استعمالها للسوريين.
المصدر: اندبندنت عربية