رغم أنّه ظاهرياً لا رابط بينهما، لكن لا توجد أزمة عالمية معاصرة ارتبط مصير سورية ومستقبلها بها كما أزمة أوكرانيا، فسورية دولة عربية، متوسطة الحجم، محدودة الإمكانات، تقع على الساحل الشرقي للمتوسط، لا ينبغي أن تثير اهتماماً كبيراً في ما وراء جوارها الإقليمي المباشر، في حين أنّ أوكرانيا تمثل جزءاً من العالم السلافي، تقع شرق أوروبا، على حدود الاتحاد الروسي، وتفصل بينه وبين أوروبا الأطلسية. مع ذلك، ارتبط مصير البلدين بطريقةٍ غير مسبوقة. قبل سقوط نظام فيكتور يانكوفيتش، في فبراير/ شباط 2014، وانتقال أوكرانيا الى المعسكر الغربي، كان الاهتمام الروسي بسورية محصوراً بمحاولة منع تكرار سيناريو ليبيا فيها (وهو سيناريو لم يكن وارداً على أية حال، في ظل مسعى إدارة الرئيس أوباما الخروج من العراق والمنطقة بأيّ ثمن، وتوجّهه إلى التفاهم مع السعودية وإيران بشأن مستقبلها). وعليه، اقتصر التدخل الروسي هنا على تقديم دعم سياسي للنظام في دمشق، خصوصاً في مجلس الأمن. كما حاولت روسيا لعب دور في التوصل إلى حلّ يمنع حصول تغيير عميق في بنية النظام السوري من خلال الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع واشنطن، وأقرّه مجلس الأمن في قراره رقم 2118 لعام 2013، وتضمّن، إلى جانب تسليم النظام سلاحه الكيميائي، بعد مجزرة الغوطتين في أغسطس/ آب 2013، إطلاق عملية سياسية، بدأت أواخر يناير/ كانون الثاني 2014، وعرفت في أدبيات الأزمة السورية بـ جنيف 2. في هذه اللحظة تحديداً، اندلعت أحداث الميدان في كييف وانتهت بهروب يانكوفيتش. اعتبرت روسيا سقوط أوكرانيا في حضن الغرب مجدّداً، بعدما استردتها منه، عبر عودة حلفائها في “حزب المناطق” إلى السلطة في انتخابات عام 2010، ضربة كبيرة لمساعي استعادة مكانتها، أقله على المسرح الأورو- آسيوي. وعليه، ردّت روسيا بضم القرم، ففرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات، اعتبرها الرئيس بوتين إهانةً، ردَّ عليها في سورية.
تمثلت أولى انعكاسات الصراع الروسي – الغربي بشأن أوكرانيا على سورية في فشل مفاوضات جنيف2، إذ طلبت روسيا من النظام التشدّد في مواقفه، ثم ذهبت باتجاه إخراج مسار جنيف كلياً عن مساره، بتأييدها إجراء انتخابات رئاسية في يونيو/ حزيران 2014. قبل ذلك، كانت روسيا، بعكس إيران، تعارض إجراء أي انتخابات رئاسية في سورية، إلّا في إطار حلّ سياسي متفق عليه بين النظام والمعارضة. استمر التشدّد الروسي في المسألة السورية بالتوازي مع تصاعد التوتر في العلاقة مع الغرب خلال الحرب التي اشتعلت في إقليم دونباس، ودعمت روسيا فيها استقلال إقليمي لوغانتسك ودونيتسك اللذين تقطنهما أقلية روسية كبيرة، وأمدّتهما بالمرتزقة والسلاح. وفي عام 2015، استغلت موسكو استفحال مظاهر فشل السياسة الأميركية في العراق وسورية، للتدخل عسكرياً في الأخيرة. أراد بوتين استخدام نتائج حربه في سورية في إطار مقايضةٍ مع الغرب لاستعادة أوكرانيا، لكنّ إدارة أوباما رفضت قطعاً المقاربة الروسية.
لم يكن أوباما يلقي بالاً للصراع في سورية، وكان ينظر إليه جزءاً من صراع “تاريخي” سنّي شيعي، لا حليف مفضلا لأميركا فيه، أما أوكرانيا فصارت أداته الرئيسة في احتواء طموحات روسيا استعادة مكانتها العالمية. لكنّ بوتين لم يصبر على تجاهل الغرب تدخله في سورية، فعمد إلى إغراقه بموجات من اللاجئين السوريين الهاربين من جحيم القصف الروسي. واعتباراً من عام 2018، أخذ يستخدم مناطق المعارضة في شمال غرب سورية أداة للضغط على تركيا في ملفات عديدة متشابكة بينهما، ومنها أوكرانيا التي زودتها تركيا، أخيراً، بطائرات مسيّرة استدعت احتجاجاً روسياً، وهو نمط من السلوك الروسي يتوقع أن يستمر إذا اتخذت تركيا إجراءات أقوى بخصوص الحرب في أوكرانيا، مثل تفعيل معاهدة مونترو لعام 1936، والتي تنصّ على تقييد حركة السفن الحربية في البحر الأسود في حال اندلاع حرب.
خلاف ذلك، سوف يتضرّر السوريون، سواء في مناطق النظام أو المعارضة، من ارتفاع أسعار الطاقة والقمح بفعل الأزمة الأوكرانية، وسوف يرتب ذلك أعباء إضافية عليهم فوق التي يعانون منها أصلاً. أما العملية السياسية فالأرجح ألّا تتأثر كثيراً، لأنّه لا توجد في الأصل عملية سياسية.
المصدر: السورية/ العربي الجديد