في يوم 16 نيسان 1946 جلا آخر جندي فرنسي عن أرض سورية، وتم إعلان يوم 17 نيسان عيدًا وطنيًا للاستقلال. بعد أكثر من ربع قرن من الاستعمار الفرنسي البغيض، سورية التي كانت تسمى بلاد الشام والتي وعدت بالاستقلال التام من الحلفاء بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وتفكك الخلافة العثمانية. وضعت تحت الانتداب الفرنسي _الانكليزي والذي قسمها إلى أربع دول بموجب اتفاقية سرية عام 1916سميت على اسم موقعيها سايكس _بيكو وزيري خارجية البلدين، احتلت بموجبها فرنسا سورية ولبنان واحتل الإنكليز شرق الأردن وفلسطين التي سلموها للكيان الصهيوني بعد الانسحاب منها وأعلنت شرقي الأردن امارة هاشمية. لم تكتف فرنسا باحتلال الساحل السوري عام 18 إنما احتلت كل سورية وأنهت الحكم الوطني الذي أعلنت بموجبه سورية مملكة دستورية في معركة غير متكافئة في 24 تموز 1920 استشهد فيها الكثير من أبطال الجيش السوري الوليد وعلى رأسهم وزير الحربية الشهيد البطل يوسف العظمة، وعطلت حكومة الاحتلال كل التشريعات والقوانين وأوقفت العمل بالدستور وفرضت التعامل بالعملة الورقية لتسرق الرصيد الذهبي للبلد. قامت الثورات والاحتجاجات في كل محافظات سورية من الشمال بقيادة هنانو إلى الساحل بقيادة صالح العلي إلى دمشق بقيادة الخراط والأشمر لتندمج أخيرًا بالثورة السورية الكبرى عام 1925 بقيادة سلطان الأطرش وقياديي الحركة الوطنية في دمشق وغوطتها. التي قمعتها قوات الاحتلال بكل وحشية بعدما خاض الثوار معارك مشرفة وأجبروا الاحتلال على الرضوخ لمطالبهم بإقامة حياة دستورية وجلاء المستعمر الذي بدأ بالمماطلة حتى نشوب الحرب العالمية الثانية التي أجلت الجلاء لما بعد انتهاء الحرب.
حاولت فرنسا التنصل من اتفاقاتها والتزاماتها بعد انتهاء الحرب وقامت باعتداءات غاشمة على دمشق وقلعتها وبرلمانها أسفرت عن ضحايا وتدمير كبير إلا أنها اضطرت تحت الضغط الشعبي والدولي إلى الانسحاب.
سارعت الكتل والأحزاب الوطنية إلى تشكيل مؤسسات حكومية وبناء جيش حديث واهتم بعض الأثرياء بتأسيس قاعدة صناعية متقدمة، فأنشأوا مرفأ اللاذقية ومعمل الاسمنت والعديد من مصانع الغزل والنسيج التي اعتمدت على الإنتاج المحلي من القطن والصوف وغيرها من الصناعات الإستراتيجية. وبدأ البلد يسير حثيثًا نحو الاستقرار إلى أن أتت حرب فلسطين بعد أقل من عامين من الاستقلال ولتكون نتيجتها ضياع فلسطين وإنشاء الكيان الصهيوني الذي مازال يتمدد ويتوسع ويتغلغل إلى الآن. لتبدأ بعدها سلسلة من الانقلابات العسكرية تحركها مصالح إقليمية ودولية تستهدف المنطقة العربية كلها لتخدم سياسات استعمارية ضد مصالح الشعوب ولتنفد بأيادي من يسمون بالوطنيين وهم خونة هذا الوطن وناهبيه.
نعمت سورية منذ عام 54 وحتى عام 61 بحكومات وطنية وبدأ الحلم بالوحدة يتحقق، ولكن سرعة التآمر أجهضت هذا الحلم في 28 أيلول 1961، لتعيش سورية منذ ذلك الوقت في تعثر وتراجع في ظل حكومات أقل ما يقال فيها أنها أجهضت حلم السوريين والعرب في التحرر والتقدم والوحدة.
عنما سئل جون فوستر دالاس وزير خارجية أميركا الأشهر صاحب سياسة حافة الهاوية مع السوفييت لماذا تهتمون بسورية وهي بلد صغير قال: سورية كاليورانيوم تشع حولها وتهدد مصالحنا ومصالح حليفتنا إسرائيل وتهدد السلم العالمي. من هنا كان حجم التآمر على سورية منذ الخمسينات وما زال، ولكن المصيبة الكبيرة أن أكثر الحكومات في بلدنا كانت تنفذ سياسات استعمارية تتماهى مع المخططات العدوة. ولكن ما يحصل في سورية منذ عشر سنوات يفوق الحلم الغربي بتدمير سورية فقد أعادنا النظام الجاثم على صدورنا إلى العصر الحجري.
ولا خلاص اليوم لسورية إلا بإقامة حكم وطني ديمقراطي بإرادة شعبية نحو تحقيق الحرية والكرامة والعدالة وبأيدينا جميعًا، أيدي الوطنيين الأحرار سنتمكن من تحقيق الحلم الذي ضاع.
المصدر: إشراق