واشنطن وحلفاؤها نحو حشد مزيد من التعزيزات والجنود بشرق أوروبا ومخاوف من اندلاع الحرب في أي لحظة.
فبعد أسابيع من التحذيرات والتهديدات المتبادلة بين موسكو والغرب حول المسألة الأوكرانية، يبدو أن رحلة الأزمة المتصاعدة بين الطرفين دخلت إلى مستويات جديدة، بعدما أرسلت الولايات المتحدة وبعض من حلفائها تعزيزات عسكرية إلى شرق أوروبا، مع تعثر المسارات الدبلوماسية في الوصول إلى توافق حول التوترات المتزايدة بشأن الحشود العسكرية الروسية بالقرب من أوكرانيا.
ولم يمر سوى يوم على وصول طلائع الجنود الأميركيين من الفرقة 82 المحمولة جواً، التي تضم قوات متمرسة في القتال، إلى بولندا، السبت 5 فبراير (شباط)، في إطار طمأنة الحلفاء القلقين من موسكو، والتجهيز لـ”تعزيز القدرة على ردع العدوان الروسي وهزمه”، حسب البنتاغون، حتى أعلنت ألمانيا على لسان وزيرة دفاعها، كريستين لامبرخت، الأحد 6 فبراير أن بلادها تدرس إرسال قوات إضافية إلى ليتوانيا، لتصب في الهدف ذاته، وذلك بعد أيام من إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن، إرسال قرابة ثلاثة آلاف جندي إضافيين إلى بولندا ورومانيا، للدفاع عن دول حلف شمال الأطلسي “ضد أي عدوان”.
ولم يقتصر الأمر على كل من واشنطن وبرلين، بل ذكرت تقارير بريطانية، الأحد، أن لندن أرسلت هي الأخرى مجموعة من عناصر القوات الخاصة إلى أوكرانيا، وسط المخاوف من “غزو روسي وشيك”، ما أثار التساؤلات بشأن تداعيات فشل الحلول السياسية المستمرة في الوصول إلى حل للأزمة.
وزار موسكو، أمس الاثنين، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قبل سفره لكييف، اليوم الثلاثاء، لنزع فتيل الحرب على الحدود الروسية – الأوكرانية، وذلك بالتوازي مع اتصالات هاتفية لماكرون، أجراها حسب الإليزيه، مع كل من رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، وأمين عام الحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ وأخرى مقررة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
كذلك يترقب المتابعون للأزمة نتائج لقاء المستشار الألماني أولاف شولتز، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في موسكو الأسبوع المقبل، لعقد مباحثات ثنائية “جوهرية” وفق الكرملين.
اكتمال 70 في المئة من القوة الروسية
على وقع الإصرار الروسي على نفي أي نية لديها لغزو أوكرانيا. معتبرة أن مثل هذه الأحاديث “محض مزاعم”، وأنها تتمسّك وحسب بضمان أمنها، كان لافتاً مع بدء توافد التعزيزات العسكرية الغربية إلى شرق أوكرانيا، بجانب تلك الموجودة أصلاً منذ سنوات، إعلان مسؤولين أميركيين، أن الاستخبارات الأميركية تعتقد أن موسكو تكثف استعداداتها لغزو واسع النطاق للجمهورية السوفياتية السابقة، وأنه بات لديها بالفعل 70 في المئة من القوة اللازمة لتنفيذ عملية كهذه، وأن هذا ما جرى إبلاغه لأعضاء الكونغرس الأميركي وشركاء واشنطن الأوروبيين خلال الأيام الأخيرة.
وبحسب ما نقلت كل من “واشنطن بوست” و”نيويورك تايمز” الأميركيتين، ووكالة “رويترز”، فإنه وبعد أن حشدت موسكو ما يقرب من 110 آلاف جندي على حدود أوكرانيا، فمن المرجح أن تكون لديها القدرة الكافية على شن هجوم في غضون أسبوعين. مشيرة في الوقت ذاته إلى أن الاستخبارات الأميركية لم تحدد ما إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد اتخذ قرار الانتقال إلى الهجوم أم لا، وأنه يريد أن تكون كل الخيارات الممكنة موجودة أمامه، من الغزو الجزئي لجيب دونباس الانفصالي، إلى الغزو الكامل.
كما ذكر هؤلاء المسؤولون الأميركيون، وفق ما نقلت وكالة “رويترز”، أنه حال اختيار الرئيس الروسي الخيار الأكثر تشدداً في تعاطيه مع الأزمة الأوكرانية، فيمكنه تطويق العاصمة كييف وإطاحة الرئيس فولوديمير زيلينسكي، في غضون 48 ساعة. محذرين في الوقت ذاته أن الحرب ستكون لها تكلفة بشرية كبيرة في ظل احتمال تسببها في مقتل ما بين 25 و50 ألف مدني، وما بين خمسة آلاف و25 ألف جندي أوكراني، وما بين ثلاثة آلاف وعشرة آلاف جندي روسي، كما يمكن أن تتسبب في تدفق مليون إلى خمسة ملايين لاجئ، بشكل رئيس إلى بولندا.
من جانبها، وحسب ما ذكرته صحيفة “نيويورك تايمز”، فإنه وعلى الرغم من أن الاستخبارات الأميركية تعتقد أن بوتين لم يتخذ قراراً نهائياً بغزو أوكرانيا، لكن صور الأقمار الاصطناعية تُظهر أنه جمع كل ما يحتاجه للقيام بما سيشكّل أكبر عملية عسكرية في أوروبا منذ عام 1945، وذلك مع تأكيد أن الجيش الروسي جمع نحو 70 في المئة من القوات التي يحتاجها لشن غزو كامل لأوكرانيا، إذ ارتفع عدد مجموعات الكتائب التكتيكية في منطقة الحدود من 60 إلى 83 حتى الجمعة، وهناك 14 مجموعة أخرى يجري نقلها حالياً.
وتابعت الصحيفة قولها إنه وخلال اجتماع بين مسؤولين أميركيين ومشرعين في الكونغرس جرى التطرق إلى توقيت العملية المرجح، الذي قد يكون في منتصف فبراير الجاري، إذ من المتوقع أن تصل الأرض إلى ذروة التجمد في حدود 15 من الشهر، مما يسمح للوحدات العسكرية الروسية بعبور الطرق الوعرة، وسوف تستمر مثل هذه الظروف حتى نهاية مارس (آذار).
وفي المقابل، تمسّكت موسكو في ردها على تلك التقارير، بقولها إن تفكير الدول الغربية حول عدد الأيام التي يمكن أن تُهزم فيها كييف هو “الجنون والذعر”. وكتب دميتري بوليانسكي، النائب الأول لمندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، على صفحته على “تويتر”، “الجنون والذعر لا يزالان مستمرين. ماذا سيحدث إذا قلنا إن الولايات المتحدة يمكن أن تهزم لندن خلال أسبوع واحد، وسيؤدي ذلك إلى مقتل 300 ألف شخص؟ وذلك اعتماداً على المعلومات الاستخباراتية التي لا نكشفها. هل يعتبر ذلك أمراً صحيحاً بالنسبة إلى الأميركيين والبريطانيين؟ لا. ولا يعتبر ذلك صحيحاً بالنسبة إلى الروس والأوكرانيين أيضاً”.
بدوره عاد السفير الروسي لدى واشنطن أناتولي أنتونوف، لقناة “سولوفيوف لايف”، تأكيد أن بلاده “لا تخطط لمهاجمة أوكرانيا، لأن موسكو ليست في حاجة إلى ذلك، وليس في صالحها”. مضيفاً، حسب ما نقلت وكالة “تاس” الروسية للأنباء، “ما زلنا نقول إن روسيا لن تهاجم أحداً، ولسنا بحاجة إلى ذلك، فهذا ليس في صالحنا. إنه مجرد هراء لتصميم أفكار وهمية حول العدوان الروسي”.
هل تجاوزت الأزمة الحلول السياسية؟
مع ترقب الأنظار لجهود باريس في التوسط لحلحلة الأزمة، وذلك قبل لقاء ثلاثي مُحتمل سيضم، في إطار ما يسمى صيغة “ويمار”، الرئيس ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز والرئيس البولندي أندريه دودا، تزامناً مع جهود ألمانية مماثلة سيقوم بها شولتز الأسبوع المقبل، بعد لقاء مرتقب الأسبوع الحالي مع الرئيس الأميركي جو بايدن، يقول مراقبون إن تزايد عدد وقدرات القوات الروسية قرب حدود أوكرانيا يشير إلى إغلاق نافذة الدبلوماسية في حلحلة الأزمة غير المسبوقة بين موسكو والغرب في أوكرانيا.
ووفق ما تقول “واشنطن بوست” نقلاً عن مسؤول أمني غربي، فإنه في الوقت الذي تشير فيه التقديرات إلى أن تعداد القوات الروسية على طول الحدود الأوكرانية يبلغ 130 ألف جندي، ترجح التقييمات الاستخباراتية الأميركية أن نافذة الحل الدبلوماسي للأزمة “تبدو مغلقة”.
وأوضحت الصحيفة، كذلك، أن التقييمات الاستخباراتية والعسكرية الأميركية، التي اطلع عليها المشرعون بالكونغرس ومسؤولون أوروبيون، تشير إلى أن روسيا تقترب من إكمال الاستعداد لما يبدو أنه غزو واسع النطاق لأوكرانيا.
وخلال الشهر الماضي، أجرت موسكو عديداً من التدريبات العسكرية التي حاكت عملية للاستيلاء على مطار “عدو وهمي”، إذ نفذت منتصف الشهر الماضي عملية هجومية للقضاء على التشكيلات العسكرية باستخدام المدفعية وقذائف الهاون في منطقة سمولينسك، الواقعة غرب روسيا على الحدود البيلاروسية.
وشارك في هذه التدريبات 600 فرد من قوات الإنزال، باستخدام 30 وحدة من المعدات العسكرية الخاصة التابعة للقوات الهجومية والمحمولة جواً، كما شاركت فيها 15 طائرة ومروحية حربية تابعة لسلاح الجو الروسي، كما أجرت سلسلة من التدريبات المشتركة مع بيلاروس، وأرسلت قاذفاتها الطويلة المدى ذات القدرات النووية للقيام بدوريات فوق بيلاروس، المتاخمة لأعضاء الناتو بولندا وليتوانيا ولاتفيا، وأخيراً كذلك، حلقت قاذفات روسية بقدرات نووية في دورية فوق حليفتها بيلاروس، ما زاد من مخاوف الغرب من غزو محتمل.
وعلى الرغم من كل هذه الأجواء الملبدة بالعمل العسكري، يقول الصحافي الروسي المختص في الشؤون الدولية، إيغور سابوتن، “المشكلة بين موسكو والغرب في أوكرانيا تبقى في إطار المناورة بين الطرفين، لتحديد أكبر مكاسب في مجالات النفوذ، وإعادة صياغة الأمن المتبادل بين الطرفين”. مضيفاً، في حديثه إلى “اندبندنت عربية”، “لا أعتقد أن الطرفين يريدان المُضي قدماً في مسارات الحرب والعمليات العسكرية، وقد يصلان إلى نقطة ما من التفاوض في الوقت المناسب من ذروة التصعيد مع عدم استبعاد نشوب الحرب في الوقت ذاته”.
وأوضح سابوتن، “قد تنشب الحرب حال حدوث اشتباكات أو مناوشات عسكرية غير مقصودة على الحدود الروسية الأوكرانية، إلا أن أصل الأزمة يبقى في سياق النقاش العام بين روسيا والغرب حول الضمانات الأمنية لموسكو، وسياسة حلف شمال الأطلسي في شرق أوروبا”.
وكانت روسيا قد قدمت ما قالت إنه مطالب أمنية، تراها ضرورية لأمنها، كان من بينها عدم قبول كييف عضواً في حلف شمال الأطلسي، ووقف توسع “الأخير” في أوروبا، وهي مطالب وصفها الحلف والولايات المتحدة بأنها “مستحيلة وغير مقبولة”، مؤكدين دعم أوكرانيا في مواجهة روسيا. وترى موسكو في انضمام كييف إلى الناتو “خطاً أحمر”، لأنها تخشى أن يقوم الحلف بوضع صواريخ نووية هناك.
سلاح العقوبات قد يفيد
من جانبها، تقول صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، إن خيارات الحرب تبدو غير قريبة، لا سيما أن الغرب “يعتمد نسبة كبيرة على التهديد بعقوبات عقابية لردع موسكو عن غزو أوكرانيا”، لأنه “غير راغب في المخاطرة بصدام عسكري مع روسيا المسلحة نووياً”.
وذكرت الصحيفة، “تطور الولايات المتحدة حزمة قوية من العقوبات، وتقنع بعض الحلفاء بالمشاركة، لكن يبقى من غير المرجح أن تكون هذه الحزمة كافية، في حد ذاتها، لإقناع الرئيس فلاديمير بوتين بالتراجع”.
والسبت 5 فبراير، نقلت وكالة “كيودو” اليابانية، عن مصادر لم تسمها، أن الولايات المتحدة تمارس الضغط على اليابان، لفرض عقوبات اقتصادية على روسيا في حال مهاجمتها أوكرانيا. مضيفة أن طوكيو “أرجأت ردها على طلب واشنطن، خوفاً من التداعيات المحتملة على العلاقات والقضايا الثنائية مع روسيا، بما في ذلك النزاع الطويل الأمد على الأراضي الذي تسعى اليابان إلى تحقيق انفراجة فيه”.
وتقول “فايننشال تايمز”، “لا يزال التهديد بالعقوبات جزءاً حيوياً من الاستراتيجية التي تشمل المحادثات الدبلوماسية، والجهود المبذولة لزيادة التكلفة العسكرية على روسيا في حال غزو أوكرانيا. لكن، في الوقت ذاته يبقى الرهان متعلقاً بقدرة روسيا التي أثبتت نفسها بشكل جيد إلى حد ما منذ أن اتخذ الغرب تدابير بشأن عدوانها على أوكرانيا في عام 2014، في التعاطي مع تلك العقوبات والتدابير، بما تملكه من أوراق ضغط، من بينها النفوذ الذي تمارسه من خلال اعتماد أوروبا على روسيا في 40 في المئة من غازها الطبيعي”.
وتابعت الصحيفة، “ربما يشعر الكرملين بالثقة وقدرته على تحمّل صدمة قصيرة المدى، لكن الإجراءات الغربية من شأنها أن تسبب مزيداً من الضرر للاقتصاد الروسي على المدى الطويل”.
المصدر: اندبندنت عربية