نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا لكل من كاثرين زيمرمان، الزميلة في معهد أنتربرايز الأمريكي، ونيكولاس هيراس، نائب مدير وحدة الأمن في معهد نيو لاينز، قالا فيه إن اليمن تحول إلى ساحة حرب إيرانية بالوكالة.
وقالا إن الإمارات العربية المتحدة تواجه النتائج المتطرفة لتوقيع “اتفاقية إبراهيم” مع إسرائيل. وأشارا بداية إلى صواريخ الحوثيين ومسيراتهم التي ضربت أبو ظبي في 17 كانون الثاني/يناير وقتلت ثلاثة عمال مما أدى لتصعيد التحالف الذي تقوده السعودية الذي تمثل في غارات قتلت العشرات من المدنيين اليمنيين، الأسبوع الماضي. وحذر الحوثيون بأنهم سيصعدون من هجماتهم واستهدفوا أبو ظبي مرة ثانية في 24 كانون الثاني/يناير.
وقدم الكاتبان خلفية الحرب الأهلية التي بدأت في 2014 بعد دخول الحوثيين صنعاء ورد التحالف الذي قادته السعودية عام 2015 لإعادة الحكومة الشرعية، مشيرين إلى أن السلام يبدو أبعد اليوم مما كان قبل 8 أعوام. وسحبت الإمارات قواتها في 2019 بسبب الجمود في الساحة العسكرية والانتقادات التي وجهت لطريقة إدارة الحرب ومقتل المدنيين.
وعندما وصل جوي بايدن إلى البيت الأبيض أعلن أن الحرب هي “كارثة استراتيجية وإنسانية” وتعهد بزيادة الجهود الدبلوماسية، مع أن القتال استمر وأصبح الوضع الإنساني خطيرا بسبب خفض المساعدات لتوفير المساعدات العاجلة في وقت يتحرك فيه المدنيون بين حقول الألغام والغارات الجوية. وفي حالة ثبوت أن الحوثيين هم وراء هجوم 17 كانون الثاني/يناير، فسيكون إشارة على تطور قدرات الجماعة. فالآثار المترتبة على تنفيذ الحوثيين تهديدهم ضد الدول المنخرطة بالحرب واضح، لكن نقل إيران الصواريخ بعيدة المدى للجماعة المتمردة يعني أنها حولت اليمن إلى ساحة انطلاق ضد إسرائيل.
وأضاف الكاتبان أن هجوم الحوثيين ضد الإمارات له دلالة، ذلك أنه جاء في وقت تقوم به الدولة التي تعتبر دولة مهمة في اتفاقيات إبراهيم، إلى جانب المغرب والبحرين والسودان، بتعميق علاقاتها مع إسرائيل. ففي الوقت الذي برر فيه الحوثيون هجومهم بأنه رد على التطورات في حرب اليمن إلا أن التوقيت يشير إلى غير هذا. فعلى مدى السنين الماضية رعت إيران الحوثيين كحليف رئيسي. ورغم استقلالية الحركة المتمردة عن طهران إلا أنها طورت علاقات قوية معها عبر الحرس الثوري الذي دعم جماعات عدة بالشرق الأوسط، وأهمها حزب الله في لبنان. وقربت المبادئ التصحيحية ما بين الحوثيين وما يطلق عليه “محور المقاومة”، وهو تحالف إيراني غير رسمي يجمع الدول واللاعبين غير الدول الذين يشتركون مع رؤية إيران.
فالحوثيون، وهم من الشيعة الزيديين، مثل غيرهم كحزب الله يعارضون نظاماً إقليمياً تهيمن عليه الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية وبقية حلفائهم من الدول السنية. ومع تعزيز الحوثيين سلطتهم في شمال اليمن، بدأت رؤيتهم الاجتماعية- السياسية والعسكرية والإستراتيجية تتطابق وبشكل قريب مع إيران. وسهل هذا الانحياز على الحرس الثوري الإيراني ممارسة الضغط العسكري والإستراتيجية من جنوب الجزيرة العربية ضد الأعداء العرب مثل السعودية والإمارات.
وحاولت إيران مواجهة إسرائيل واتفاقيات إبراهيم الجديدة في كل الشرق الأوسط، واليمن ليس استثناء. وأدى الدعم العسكري الإيراني المستمر للحوثيين طوال الحرب الأهلية لزيادة قدرات الجماعة العسكرية، بما في ذلك تزويدهم بالصواريخ الباليستية وطائرات بدون طيار تعمل باتجاه واحد. وهاجم الحوثيون السعودية بشكل مستمر والآن الإمارات وعبروا عن اهتمام لاستهداف إسرائيل من قاعدتهم في شمال اليمن.
ويقول الكاتبان إن موقع الحوثيين قد يعطي إيران مستقبلا القدرة على استهداف القوارب الإسرائيلية في البحر الأحمر ومن ثم مدنها الجنوبية مثل إيلات. بالإضافة لتوجيه ضربات للدول الموقعة على اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل من الجزء الجنوبي لشبه الجزيرة العربية.
وحاولت الولايات المتحدة وضع ملف حرب اليمن على قائمة الملفات المؤجلة وقال بايدن في أثناء حملته الانتخابية إنه سيوقف الدعم للنشاطات العسكرية السعودية في اليمن. ورغم تعيينه مبعوثا خاصا لليمن وهو تيم ليندركينغ للعمل بالتوازي مع الأمم المتحدة ووقف الحرب الأهلية، إلا أن هذه الدبلوماسية تعمل فقط عندما ترفق بضغوط حقيقية. وبدلا من ذلك منحت إدارة بايدن التفاوض مع إيران بشأن العودة للاتفاقية النووية أولوية في سياساتها الإقليمية بالشرق الأوسط. ولكن الواقع هو أن التهديد الحوثي لن ينحصر في اليمن أو شبه الجزيرة العربية، فالتواصل المستمر الذي تقوم به الجماعة مع إيران وبقية أعضاء محور المقاومة، حول اليمن إلى جبهة أخرى في حرب التحالف ضد الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما في اتفاقيات إبراهيم.
وفي هذا السياق أكد الحوثيون سجلا لهم في الهجوم على الإمارات والسعودية- الشريك المحتمل في اتفاقيات إبراهيم حسب بعض التقارير. وهددت طهران إسرائيل عبر دعمها الكامل لحركة حماس الفلسطينية. ومن هنا فعلاقة إيران مع الحوثيين هي قضية مهمة تواجه شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وبخاصة السعودية والإمارات. وطالما عبر شركاء أمريكا في المنطقة عن مخاوفهم من أي اتفاقية تعقدها واشنطن مع إيران، بشكل يعرضهم لمخاطر الهجمات الإيرانية. وقد زادت هذه المخاوف من خلال التحول في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه آسيا، وتشعر إسرائيل بنفس المخاوف. وظلت المعابر المائية التي تحيط باليمن مسرحا للتصعيد بين الإيرانيين وإسرائيل. ففي نيسان/إبريل 2021 دمرت ألغام بحرية إسرائيلية سفينة شحن إيرانية على علاقة مع الحرس الثوري الإيراني، وربما زودت الحوثيين بالمعلومات الاستخباراتية واللوجيستية.
وفي تموز/يوليو 2021 ضربت مسيرة باتجاه واحد ناقلة نفط على علاقة مع إسرائيل قرب خليج عمان وقتلت شخصين. واستنتج الأمريكيون أن المسيرة مصنعة في إيران وربما أطلقت من شرق اليمن. ومع زيادة التوتر بين مجموعة اتفاقيات إبراهيم وتحالف المقاومة الإيراني فإن دمج الحوثيين فيه سيترك آثاره على نتيجة النزاع في اليمن. فالتهديد الحوثي لن يبقى مقتصرا على اليمن أو حتى الجزيرة العربية. فقد درب الحرس الثوري الحوثيين وزودهم بقدرات عسكرية تركت أثرا مدمرا على البنى التحتية المهمة، القواعد العسكرية والسفن المدنية في جنوب السعودية والبحر الأحمر. وقد تثبت نجاعتها في أي حرب مقبلة بين إسرائيل وحلفائها في المنطقة ومحور إيران.
ويرى الكاتبان أن تهديد الحوثيين لإسرائيل حقيقي وهو أمر لم يغفل عنه المخططون الأمنيون في إسرائيل. ونصبت هذه صواريخ مضادة وبطاريات صواريخ في جنوب إسرائيل للرد على هجوم ينطلق من مناطق الحوثيين. وتوصل الجيش الإسرائيلي إلى أن إيران قد لا توجه ضربات من المحور الشمالي حالة اندلعت حرب إيرانية- إسرائيلية، ولهذا يحاول الاستفادة من اتفاقيات إبراهيم لمواجهة إيران في المنطقة. وفي الوقت الذي تركز فيه الولايات المتحدة على البرنامج النووي الإيراني، تتعامل إسرائيل وحلفاؤها بالمنطقة مع واقع الصواريخ الباليستية. وفي حرب اليمن لم يعد الحوثيون هم الذين يتحكمون بالواقع بل الحرس الثوري الذي يزودهم بالأسلحة المتقدمة. وعليه فاعتمادهم عليه في تقوية ترسانتهم العسكرية قد يجعلهم أكثر استجابة لرغبات الإيرانيين.
ومن الناحية النظرية قد يكون التقارب الإيراني- السعودي فرصة لتخفيض التوتر، وهناك إشارات عن محاولات بهذا الاتجاه. ولكن الطريق للسلام عبر تسوية بين السعوديين- الحوثيين أو السعوديين-الإيرانيين سيظل بعيدا دون تسوية إقليمية مؤقتة في مناطق مثل إسرائيل والمناطق الفلسطينية وسوريا واليمن، وحتى يتم حل أزمة الملف النووي الإيراني. ويعتقد الكاتبان أن دمج الحوثيين في محور المقاومة الإيراني يعني أن النهج الحالي للإدارة الأمريكية لحل الحرب في اليمن سيفشل.
وفي شباط/فبراير 2021 حذفت إدارة بايدن الحوثيين من على قائمة الجماعات الإرهابية لتسهيل الحل الدبلوماسي ووصول المساعدات. وثبت أن هذا خطأ، ليس لأن الحوثيين اعتبروه ضوءا أخضر لزيادة محاولاتهم وهزيمة معارضيهم في اليمن، بل لأنه سمح لهم بالاندماج في شبكة التدخل السريع للحرس الثوري الإيراني من الجماعات الوكيلة. ومن هنا فإعلان إدارة بايدن أنها تفكر بتصنيف الحوثيين ردا على هجمات 17 كانون الثاني/يناير ضد الإمارات قد يكون تحركا صغيرا ومتأخرا.
وطالما استمر الحوثيون بالسيطرة على شمال اليمن والحصول على الدعم من الحرس الثوري الإيراني فإنهم سيمنحون إيران بجبهة جنوبية لكي تقوم مع محورها بمواصلة الحرب الإقليمية الواسعة ضد إسرائيل وشركائها. ويجب على الولايات المتحدة الاهتمام باليمن، ليس من أجله ولكن لصالح أمن الشرق الأوسط.
المصدر: “القدس العربي”