يعيد الهجوم الذي نفذه تنظيم “داعش” ضد قوات للنظام السوري ومليشيات موالية لها في البادية السورية، الأحد، موقعاً قتلى وجرحى، توجيه الأنظار إلى نشاط خلايا التنظيم في هذه البادية، التي تحوّلت منذ عام 2018 إلى “ثقب أسود” ابتلع المئات من عناصر قوات النظام والمليشيات المحلية والإيرانية التي تساندها، على الرغم من قيام الأخيرة خلال السنوات الماضية بحملات تمشيط عدة للبادية باءت كلها بالفشل.
ومع رفع “داعش” عدد عملياته في البادية السورية المترامية الأطراف، والتي تستهدف قوات النظام، خصوصاً في ريف حمص الشرقي، يتأكد أن التنظيم لا تزال لديه قدرات عسكرية تمكّنه من استنزاف هذه القوات، التي لم تفلح في الحد من هجماته.
قتلى للنظام بهجوم لـ”داعش” في البادية السورية
واعترف النظام السوري، أول من أمس، بمقتل وإصابة عدد كبير من عناصر قواته في البادية السورية.
وأوردت وكالة “سانا” التابعة للنظام أن “حافلة نقل عسكرية تعرضت لهجوم إرهابي صاروخي في البادية السورية، 50 كيلومتراً شرق المحطة الثالثة (لضخ النفط في بادية حمص الشرقية)، من قبل مجموعة من تنظيم داعش الإرهابي، وتلت الهجوم رشقات من مدفع عيار 23 مليمتراً”. وأكدت الوكالة مقتل 5 عناصر للنظام في الهجوم وإصابة عشرين آخرين بجروح.
من جهتها، أوضحت مصادر محلية لـ”العربي الجديد”، أن رتلاً لقوات النظام تعرّض لكمين من قبل تنظيم “داعش”، مشيرةً إلى أن عدد القتلى والمصابين أكبر مما أعلنه النظام.
بدوره، أشار “المرصد السوري لحقوق الإنسان” إلى أن الكمين الذي نفذه عناصر تنظيم “داعش” قرب الحدود الإدارية بين باديتي حمص الشرقية ودير الزور الشمالية الشرقية، أدى إلى مقتل 9 عناصر من قوات النظام والفيلق الخامس ومليشيات أخرى، وإصابة 15 آخرين بجروح متفاوتة.
وتنشط خلايا “داعش” على طول البادية السورية وعرضها، إلا أن العمليات الرئيسية تتركز في قلب البادية، حيث مدينة تدمر الأثرية في ريف حمص الشرقي التي باتت منطقة نفوذ روسية إيرانية.
ووثّق المرصد السوري خلال الفترة الممتدة من 24 مارس/ آذار 2019 وحتى بداية العام الحالي، 2022، مقتل 1625 عنصراً من قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وغير سورية، خلال هجمات وتفجيرات وكمائن لتنظيم “داعش”، في مختلف أنحاء سورية، لكن أغلبها كان في البادية.
ومن بين هؤلاء القتلى 3 من الروس على الأقل، بالإضافة إلى 165 عنصراً من المليشيات الموالية لإيران من جنسيات غير سورية.
وتشكّل البادية نحو نصف مساحة سورية، ما يجعل منها مسرحاً كبيراً لعمليات تنظيم “داعش” الذي يعتمد أسلوب الهجمات السريعة والخاطفة التي تستنزف قوات النظام والمليشيات الإيرانية.
وبدأ التنظيم بالتحصّن في البادية بدءاً من عام 2017 مع بداية تراجعه الكبير في عموم سورية، خصوصاً في الشرق، حيث خسر مواقعه لصالح الإيرانيين في جنوب نهر الفرات، ولصالح “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) في شماله.
وكان عدد كبير من عناصر التنظيم قد انتقلوا إلى البادية نتيجة صفقات مع النظام في دمشق وريفها وفي حوض اليرموك بريف درعا الغربي خلال عام 2018.
“داعش” يعتمد حرب العصابات
في السياق، قال الباحث السياسي سعد الشارع، في حديث مع “العربي الجديد”، إن الهجوم الذي شنّه تنظيم “داعش”، أول من أمس الأحد، “يأتي في سياق عملياته في البادية”، مضيفاً أن “البادية هي باحة خلفية لعدد كبير من المحافظات السورية (حلب، حماة، حمص، السويداء، ريف دمشق، الرقة، دير الزور)”.
وبيّن الشارع أن “هذه البادية مفتوحة جغرافياً على بادية الأنبار في غربي العراق، وهذا الأمر يتيح لتنظيم داعش سهولة العمل والحركة بين البلدين”.
وأوضح أن التنظيم ينفّذ عمليات عسكرية وأمنية مكثفة في المنطقة، مشيراً إلى أنه “أحياناً ينفذ عمليتين في يوم واحد”.
وأشار إلى أن التنظيم “يستخدم سياسة حرب العصابات، إذ يهاجم بمجموعات قليلة العدد تصل إلى منطقة الهدف بالدراجات النارية”، ولفت إلى أن هذه العمليات “غير مكلفة للتنظيم، وغالباً ما يخرج منتصراً منها لأنه يستخدم أسلوب الكمائن”.
وعبّر الشارع عن اعتقاده بأنّ التنظيم “يهدف من وراء هذه العمليات إلى عدم استقرار قوات النظام والمليشيات الإيرانية في البادية السورية”، مضيفاً أن “أي استقرار لهذه القوات ليس من مصلحة داعش”.
وأشار إلى أن التنظيم “يهاجم الصهاريج التي تحمل المحروقات من منطقة شرقي نهر الفرات إلى مناطق النظام عبر طرق في البادية، كما يهاجم السيارات التي تحمل المؤن لقوات النظام ويستولي عليها، وهذه العمليات رسالة إعلامية بأن داعش لا يزال موجوداً”.
ولفت المتحدث نفسه إلى أنه “في عام 2020، ادعى التنظيم أنه نفّذ 500 عملية في سورية، أي أنه نفّذ عملية كل 20 ساعة”.
معركة طويلة في البادية السورية
من جهته، قال مدير مركز “الشرق نيوز” فراس علاوي، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “وسائل الإعلام يصلها جانب من العمليات التي يقوم بها تنظيم داعش في البادية السورية، فيما هذه العمليات لم تتوقف مطلقاً على مدى سنوات”.
وتابع: “النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون يعانون كثيراً من عمليات التنظيم في بادية دير الزور وفي بادية حمص”، موضحاً أن التنظيم “منذ عام 2015، جهّز نفسه لمعركة طويلة الأمد في البادية السورية”.
وأضاف “لذلك لديه مقرات مسبقة الصنع ومجهزة بشكل كامل، ولديه خطوط إمداد متعددة تصل إلى الحدود السورية العراقية، ولديه ذخيرة وأسلحة، والأهم لديه خبرة في التعامل مع طبيعة البادية السورية صعبة التضاريس لوجود عناصر محليين يقاتلون مع التنظيم”.
وأوضح أن “داعش” “زرع البادية السورية ألغاماً، لذلك يتحكّم بمسار الصراع بالكامل، وهو لديه القدرة على اختيار مكان أي معركة يريدها في البادية”.
الشارع: يهدف التنظيم من وراء عملياته إلى عدم استقرار قوات النظام والمليشيات الإيرانية في البادية السورية
ورأى علاوي أن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة “يغضّ النظر عن تحركات التنظيم بين سورية والعراق، لأنه يساعد في ضرب المليشيات الإيرانية، ويمنعها من الاستقرار في البادية السورية، فالتنظيم ينفذ هجمات بشكل دائم ضد هذه المليشيات وضد قوات النظام، ولكنه لا يعلن عن ذلك”.
وللتحالف الدولي قاعدة كبرى في المثلث الحدودي بين سورية والأردن والعراق، هي قاعدة التنف، ولكنه لا ينفذ عمليات قصف جوي ضد تنظيم “داعش” في البادية السورية التي تعد ميداناً للمقاتلات الروسية التي تنفذ هجمات على الدوام، ولكنها لم تستطع إيقاف عمليات التنظيم.
كما أشرف الروس على عمليات عدة لقوات النظام ومليشيات محلية تساندها ضد “داعش” في البادية السورية، ولكنها لم تنجح هي الأخرى في القضاء على خلايا التنظيم الذي يتحكم بالبادية بالكامل ليلاً، وفق مصادر محلية.
المصدر: العربي الجديد