لم تُحدث التسويات التي أجراها النظام السوري مع أهالي محافظة درعا جنوبي سورية فرقاً في الأوضاع الميدانية، إذ لا تزال الفوضى هي السمة البارزة في المحافظة، مع تواصل استهداف شخصيات معروفة، خصوصاً تلك التي كانت في صفوف المعارضة، ما يؤكد استمرار النظام في نهجه الانتقامي من معارضيه.
وأكد “تجمع أحرار حوران”، الذي يضم صحافيين وناشطين إعلاميين ينقلون أحداث الجنوب السوري، وفاة عضو لجنة درعا المركزية إياد بكر، متأثراً بجراحه الخطيرة التي أصيب بها جرّاء تفجير عبوة ناسفة زرعها مجهولون أمام منزله مساء أول من أمس الأحد في بلدة المزيريب غربي درعا.
وأوضح التجمع أن القتيل كان عضواً في لجنة درعا المركزية المسؤولة عن الريف الغربي للمحافظة، مشيراً إلى أنه كان قيادياً ميدانياً في فصيل “جيش المعتز بالله” التابع للمعارضة قبيل سيطرة النظام على المحافظة في يوليو/تموز عام 2018.
وتضم اللجنة المركزية في محافظة درعا، والتي تشكلت في 2018، العديد من الشخصيات ذات الوزن الاجتماعي في المحافظة، وكانت تولت العملية التفاوضية مع الروس والنظام أثناء التسويات التي أجريت خلال العام الحالي.
وفي السياق، لقي متزعم مليشيا محلية تعمل لصالح الأجهزة الأمنية في بلدة الصنمين، ويدعى علاء محمود اللباد، مصرعه أول من أمس، وفق ناشطين أكدوا أن القتيل متهم بالوقوف خلف العديد من عمليات الاغتيال بحق معارضين للنظام في البلدة.
المليشيات تقف وراء اغتيالات درعا
وبيّن الناشط الإعلامي يوسف معربة، في حديث مع “العربي الجديد”، أن معظم الاغتيالات في درعا “تقف وراءها مليشيات تعمل لصالح النظام في المحافظة لتصفية المعارضين وكل من وقف في وجه النظام خلال سيطرة الفصائل على محافظة درعا”، مضيفاً أن هذه الاغتيالات “لم ولن تتوقف حتى تصفية الجميع أو إجبارهم على الهرب”.
وأوضح معربة أن الأجهزة الأمنية التابعة للنظام “تزرع العبوات الناسفة على الطرقات وفي الأماكن العامة، وذلك لإقناع الجانب الروسي بضرورة عدم إزالة المزيد من الحواجز وإعادة ما تمت إزالته، بعدما أزال الروس بعض المظاهر العسكرية لإثبات نجاح التسوية التي أشرفوا عليها في المحافظة”.
من جهته، أشار المحلل السياسي محمد العويّد، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “العمليات تُنسب إلى مجهولين، في حين تتعدد القوى المسيطرة على الأرض، والتي تتصارع مصالحها في ما بينها، ما بين إيران وروسيا والنظام وخلايا تنظيم داعش”.
وبتقدير العويّد، فإن “الجانب الإيراني هو المستفيد الأكبر من عمليات الاغتيال، وهو الأقدر على أدوات التنفيذ. والحصيلة العامة غالباً ما تصب في خانة مصالح الإيرانيين في جنوب سورية”.
ورأى المحلل السياسي أن الإيرانيين “يريدون تفريغ المحافظة من شبابها من خلال دفعهم إلى الهجرة خارج البلاد، ويبدو أنهم عثروا على الوسيلة لتحقيق الهدف من خلال القيام بعمليات الاغتيال”.
وكان النظام السوري قد أنهى أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي عمليات التسوية في درعا على أساس رؤية روسية للحل في جنوبي سورية، تقوم على سحب السلاح الفردي و”تسوية” أوضاع المسلحين والمطلوبين للأجهزة الأمنية والمنشقين عن قوات النظام، مقابل سحب الحواجز التي كانت تقطّع أوصال المحافظة.
وشملت التسويات كل مدن وبلدات محافظة درعا، باستثناء بلدتي بصرى الشام ومعرباً في ريف درعا الشرقي، اللتين بقيتا خارج التسوية حتى الآن بسبب وجود “اللواء الثامن” التابع لروسيا فيهما.
وعلى الرغم من انتهاء التسويات وسحب السلاح من الأهالي في محافظة درعا من قبل أجهزة النظام، إلا أن الوضع الأمني لا يزال هشاً، إذ إن عمليات الاغتيال المتنقلة لم تتراجع حدتها بعد، ما يؤكد أن هذه الأجهزة تعمل على إبقاء الفوضى الأمنية ذريعة للقيام بعمليات انتقامية واسعة لمعارضين.
في موازاة ذلك، بدأت الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، بسحب مجموعات لها من مدن وبلدات في غوطة دمشق الشرقية بإشراف الشرطة العسكرية الروسية، وفق شبكة “صوت العاصمة” التي أشارت إلى أن الفرقة سحبت خلال اليومين الماضيين، حواجزها المتمركزة في مدينة عربين.
وبيّنت الشبكة أن عملية الانسحاب جاءت بعد اتفاق عُقد بين الفرقة الرابعة وجهاز الأمن العسكري، نصّ على سحب عناصر الفرقة الرابعة من المدينة، وتسليمها للمليشيات التابعة لهذا الجهاز.
وبحسب المصدر، فقد كانت هذه الفرقة، وهي الأكثر قسوة في التعامل مع السوريين، قد سحبت مطلع شهر ديسمبر/كانون الأول الحالي، ثلاثة حواجز عسكرية تابعة لها في ريف دمشق الغربي، هي: حاجز “الشيّاح” الواقع على الطريق الواصلة بين بلدتي “زاكية” و”خان الشيح”، حاجز “الديوان” المتمركز على الطريق الواصلة بين منطقتي الديرخبية وخان الشيح، وحاجز “الدوار” المتمركز وسط بلدة الديرخبية، وذلك بناء على اتفاق يقضي بتسليم المنطقة للأمن العسكري.
عودة “لجنة التسوية” في دير الزور
وفي شرقي البلاد، ذكرت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام، أن “لجنة التسوية” في محافظة دير الزور، عادت أمس الإثنين مرة أخرى إلى مدينة الميادين جنوب شرقي مدينة دير الزور التي تحمل المحافظة اسمها، لاستكمال عملها، زاعمة أن العودة سببها الإقبال على هذه اللجنة.
وكانت عملية “التسوية” قد بدأت في مدينة دير الزور منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ومن ثم انتقلت إلى مدينة الميادين، وقد بلغ عدد من تمت تسوية أوضاعهم في المدينتين أكثر من 11 ألف شخص، وفق مزاعم وسائل إعلام تابعة للنظام.
وتشمل التسوية المدنيين المطلوبين لأجهزة النظام الأمنية، والعسكريين المنشقين عن قوات النظام والمتخلفين عن أداء الخدمة في هذه القوات. لكن مصادر محلية تؤكد أن هذه التسويات “إعلامية”، كون المناطق التي شملتها هي أساساً تحت سيطرة النظام والمليشيات الإيرانية، بحيث “لم يبق في مناطق النظام مطلوبون للأجهزة الأمنية أو منشقون عن قواته”.
في غضون ذلك، يستمر التوتر بين مجلس منبج (شمال شرقي محافظة حلب) العسكري التابع لـ”قوات سورية الديمقراطية” (قسد) من جهة، وبين فصائل “الجيش الوطني” المعارض من جهة أخرى.
وأشار المرصد السوري لحقوق الإنسان، إلى تجدد الاشتباكات بين الطرفين في ريف حلب الشمالي الشرقي ليل الأحد – الإثنين.
المصدر: العربي الجديد